news-details

حدث وموقف: كلام ترامب رصاص قاتل في إل باسو

مرة اخرى يندلع الرصاص القاتل من بندقية رشاشة أوتوماتيكية بيدَي مواطن أمريكي أبيض، ليقتل مواطنين يحملون "اللون الخطأ". السلاح متوفّر ووفير في بلاد الطموحات غير المحدودة. يمكن للفرد شراء رشاش كما يشتري جواربه. علمًا بأنه كانت البنادق في حالات عديدة بأيدٍ رسمية أمريكية، عناصر شرطة، والمقتولون دائمًا مواطنين من ذوي الأصول الأفريقية.

جاء القاتل هذه المرّة مسلّحًا أيضًا بحمولة ايديولوجية عنصرية معلنة. فقد دخل باتريك كروسياس (21 عامًا) الى متجر في إل باسو بولاية تكساس الأمريكية يوم السبت وفتح النار، فقتل 20 شخصا وأصاب 26 آخرين. إل باسو مجاورة للحدود مع المكسيك، سكانها المتحدرون من أصول لاتينية يشكلون 81% من سكانها البالغ عددهم 833 ألف نسمة. هذه المعطيات مهمة في سياق المجزرة، فالسفاح الشاب اهتمّ بإصدار بيان مصوّر نشره قبل ساعات من جريمته. وفيه تحدث عن "غزو الإسبان لتكساس" وعن إعجابه بالسفاح الذي هاجم مسجدين في مدينة كريستشيرش بنيوزيلندا، وقتل في أذار الماضي 51 مصلياً بالرصاص وجرح العشرات. (تذكّروا السفاح باروخ غولدشتاين).

السفاح الأمريكي قال في بيانه، الذي سارع جهاز الأمن الداخلي الأمريكي، إف بي آي، لسحبه من موقع تواصل يتيح لمستخدميه نشر كل ما يرغبون باسم مجهول تقريبا، ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" أجزاء منه: "إنهم (يقصد اللاتينيين) سينتزعون السلطة من الحكومة المحلية، ومن حكومة ولاية تكساس الحبيبة، لتغيير سياستها، بحيث تناسب احتياجاتهم".

من يستخدم هذه اللغة يوميًا؟ من القائل إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لم يولد على الأراضي الأميركية، وطالبه بوثيقة ولادته، فقط بسبب لون بشرته؟

من الذي ردّد بشكل منهجي متواصل أن المهاجرين القادمين من المكسيك إلى الولايات المتحدة هم "مهربو مخدرات ومغتصبون"؟

من الذي تحدث عن عن المهاجرين بهذه اللغة: "لن تصدقوا كم أنّ هؤلاء الناس أشرار، ليسوا بشرا، إنهم حيوانات".

من الذي زعم عام 2015 أن "آلاف وآلاف" المسلمين في نيوجرسي احتفلوا فرحا بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك؟

من الذي تعهّد وتبجّح بفرض "حظر تام وكامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة".

ومن الذي حظر فعلاً سفر مواطني عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة إلى الولايات المتحدة، وخفض عدد اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة؟

من الذي قال في كانون الثاني 2018 إنه يفضل استقبال مهاجرين بيض على آخرين مضيفًا بانحطاط: "لماذا يأتينا كل هؤلاء الأشخاص من دول قذرة؟ ما حاجتنا إلى المزيد من الهايتيين؟ أخرجوهم"؟

عام 2017 تعرضت كل من تكساس وبورتوريكو لعواصف مدمرة. فكتب دونالد ترامب في تغريدة: "تكساس، نحن معكم اليوم، معكم غدا، وسنكون معكم في كل يوم قادم حتى نرمم ونصلح ونعيد البناء".

أما في حالة بورتوريكو الأميركية، فغرّد، جعَر بالأحرى: "كل ما يقوم به سياسيّوهم المحليون هو التذمر وطلب المزيد من المال.. السياسيون عديمو الكفاءة تماما، ينفقون المال بشكل أحمق أو فاسد، وكل ما يفعلونه هو أخذ المال من الولايات المتحدة".

من الذي يواصل إقامة جدار فصل عنصريّ الدوافع والغايات، على النمط الإسرائيلي "المُلهِم"، على الحدود مع المكسيك؟

الكلمات العنصرية العدوانية ضد سكان أمريكا اللاتينية هي التي دفعت فاشيًا شابًا الى اقتراف المجزرة الحالية في إل باسو. الكلمات التي تندلق من بين شدقيّ السياسيّ الشعبوي عديم الأخلاق وعديم المسؤولية، الذي يهين النساء بلغة تحرشيّة مقزّزة كمن يروي نُكتة سمجة كوجهه، هي مصل السمّ الذي تغلغل وأفرز القتل الجماعي لمواطنين أمريكيين جريمتهم الوحيدة أنهم ليسوا بيضًا.

هذا يشبه بالضبط زعماء اليمين الفاشي الاسرائيلي، والاستيطاني في قلب مركزه، الذين يفرز تحريضهم على العرب الفلسطينيين جرائم عنف وإقصاء واستعلاء "يبادر" اليها محرَّضون مزيَّفو الوعي في شتى المواقع؛ ويشبه زعماء يتدافعون للدخول للكنيست ومنها للحكومة يقومون في الطريق الى غايتهم بتبجيل سفّاح إسرائيلي اسمه باروخ غولدشتاين اقترف بالرصاص والكراهية مجزرة في الحرم الابراهيمي في الخليل المحتلة. إن صورة هذا السفاح يتباهى بها أحد الكهانيّين ويعلّقها في صدر بيته اليوم، بينما لا يتردد زعيمان استيطانيان هما الوزيران بيرتس وسموتريتش، في إعلاء شأن احد الحاخامات الذين أيّدوا السفاح غولدشتاين، والمشاركة في حفل تكريميّ له.

الكلام يقتل حين يكون مغموسا في سم العنصرية والاستعلاء المثير للغثيان. لذلك، فحين يعبّر المحرّضون على الكراهية عن "أسفهم" عندما يترجم احدهم كلامهم الى رصاص في الصدور، يجب التذكّر دائمًا أن الرصاصة القادمة في الطريق ما لم تُسَدّ أفواه هؤلاء وما لم يتم رميهم بعيدًا عن كراسي ومواقع النفوذ والسلطة، نحو أقرب مزبلة او سجن.

 

في الصورة: موقع الجريمة في إل باسو، رصاصات مغموسة في سم العنصرية (رويترز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب