news-details

حكومة ما يسمى "التغيير" تعيد مخطط برافر-بيغين إلى الواجهة في النقب | طارق ياسين

إن إعادة طرح مخططات التهجير مجددًا على طاولة الحكومة، الحكومة التي يقودها بينيت وشاكيد وليبرمان وساعر، ممن أداروا حملتهم الانتخابية بالتحريض على النقب، يثير القلق ويدعو إلى التيقظ من المخططات القادمة المبيتة للنقب

في السادس من أيار من العام 2013 وافقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات على اقتراح قانون برافر-بيغن (قانون تنظيم وتوطين البدو في النقب)، وطُرح الاقتراح على طاولة الكنيست من أجل التصويت عليه في القراءة الأولى، وبالفعل بعد جلسات في اللجان ورغم الاعتراضات والنضال الجماهيري، صادق الكنيست في الـ 24 من حزيران من العام ذاته في القراءة الأولى على اقتراح القانون بفارق 3 أصوات فقط (43 مع مقابل 40 ضد).

لقد اعتبرت الجماهير العربيّة، بصدق وبوعي تاريخي، اقتراح القانون مخططًا عنصريًا يهدد بتدمير عشرات القرى غير المعترف بها في النقب، يتضمن تهجير عشرات آلاف المواطنين العرب ومصادرة ما يقارب 800 الف دونم من أرضهم، وهذا في الوقت الذي تمارس به حكومات إسرائيل سياسة العقلية العنصرية بتهويد النقب وبناء البلدات اليهوديّة خدمة للمشروع الصهيوني وإخلاء الأرض من سكانها الفلسطينيين، كان أبرزها إقرار إقامة 10 تجمعات يهوديّة في منطقة عراد في الفترة نفسها التي خططت فيها إخلاء المنطقة من سكانها العرب!

ان الادعاءات الصهيونيّة حول "مشكلة النقب" واهية وتافهة، فتصوير البدو "كخطر استراتيجي على النقب" تكسّر امام الأرقام والحقائق التي اثبتت مسؤولية حكومات إسرائيل عن الوضع القائم، والأوضاع الكارثية من انعدام بنى تحتية وشروط أساسية للحياة في النقب، وأمام واقعيّة مطالب العرب البدو التي يدعمها حقهم التاريخي بالأرض، والتنازلات القسريّة التي قدّمت في فترة الحكم العسكري والعربدة الصهيونيّة في النقب.

طبعًا ناهيك عن حقيقة ان المخطط افتتح طريقه بخطيئة كبيرة وهي تجاهل الملكية التاريخيّة للعرب البدو على أراضيهم وعدالة قضيتهم، إلا أن الحل النهائي الذي عرضه المشروع، كان أسوأ بكثير حتى من توصيات حكوميّة وتقارير رسميّة على رأسها تقرير غولدبرغ نفسه الذي جاء مخطط بارفر لتطبيق توصياته بشكل أو بآخر. هذا الحل والمخطط يمكن أن ينبع فقط من عقلية عنصرية صهيونيّة استعمارية لا ترى بالفلسطيني سوى عدوًا ولا تقبل غير تهجيره وسرقة أرضه حلاً، مؤقتًا في أحسن الأحوال.

في 12.12 من العام 2013، وبعد أقل من ستة أشهر على إقرار اقتراح القانون في القراءة الأولى، أعلن الوزير الأسبق بنيامين بيغين والمكلف من قبل مكتب رئيس الحكومة بتنفيذ مخطط برافر في مؤتمر صحفي عن إلغاء المخطط، وفي محادثات لاحقة ادعى بيغين أن العرب سيندمون على رفضهم عرض مخطط برافر "السخي" وأن القادم أسوأ - وهو النائب نفسه الذي عاد اليوم الى الكنيست عبر "حكومة التغيير" وحزب النائب جدعون ساعر.

على الرغم من عدم نشر اتفاقيات الائتلاف التي وقّعها نفتالي بينيت، رئيس حكومة "التغيير" مع الأحزاب المشكلة لحكومته، وخاصة الاتفاق مع الإسلامية الجنوبية، إلا أن قضيّة النقب، شغلت الصحافة الاسرائيليّة طيلة الأسبوع الماضي، بعد تسريبات عدّة حول بنود هذه الاتفاق ومسارعة بينيت وحزبه إلى التأكيد ان "حكومة التغيير" لن "تهمل النقب" وأنها حكومة يمينيّة أضعاف حكومة نتنياهو وستعمل على "تقوية الحكم في النقب".

وأعلن حزب يمينا مع التوقيع على اتفاق الائتلاف الحكومي أن حكومة بينيت-لبيد، على عكس حكومة نتنياهو، لم تعرض الغاء قانون كمينيتس لهدم البيوت، انما حافظت عليه وتبنت "فقط" اتفاق تجميد تطبيقه الذي تم التوصل اليه في الحكومة السابقة. كذلك أكد حزب يمينا أنه لم يوافق على وقف كامل لهدم البيوت، انما رضي بتجميد الهدم والبناء في النقب طيلة فترة 3 أشهر، وأنها ستتابع هدم المباني الجديدة، مع الحفاظ على وحدة الهدم والخراب "يوئاف" وسلطة توطين البدو في النقب، وعدم حلّها. وهذا بالإضافة إلى متابعة سياسة التحريش التي تمارسها دائرة أراضي إسرائيل في النقب كطريقة لمصادرة الأراضي العربية، وفقا لبيان حزب "يمينا" نفسه.

ومع اقتراب مهلة انتهاء التكليف الذي حصل عليه لبيد لتشكيل الحكومة، نشر النائب نير أورباخ من حزب "يمينا" في تغريدة على تويتر: "لن نترك النقب. نقطة" ما وصفه البعض بفرض الفيتو على الاتفاق، خاصة وأن "حكومة التغيير" وقيامها، يتعلق بصوته ودعمه، مع ارتكازها على 61 نائبًا، الحد الأدنى لتشكيل الحكومة، مع اتضاح معارضة باقي النواب وعدم وجود ممتنعين، حتى الآن، وذلك بعد إعلان حزب "تكفا حدشا" والنائب زئيف ألكين رفض التوقيع على الغاء قانون كامينيتس ووقف تطبيقه في النقب.

في خطابه الأول، بعد ساعة من اجتماع قادة الأحزاب الثمانية المشكّلة لحكومته، تطرّق نفتالي بينيت رئيس "حكومة التغيير" إلى قضية النقب، في إشارة إلى مركزيّة هذه القضية ووضعها على جدول الأعمال، واعدًا بـ"إعادة الحكم" في النقب والقضاء على "حلّة الحكم" التي خلقها نتنياهو.

واستهزأ بينيت بسياسة نتنياهو تجاه النقب، التي شهدت فترته الهجمة الشرسة على النقب وحملة الهدم المكثفة التي تستهدف آلاف البيوت سنويًا، معتبرا إياها غير كافية وأضاف "نتنياهو هو من باع النقب خلال 12 عامًا من حكمه، للبناء غير المرخص، العنف، الخاوة، اختراق قواعد الجيش وفقدان الحكم بشكل واسع" طارحًا حلّه لكل هذا "التساهل" وهو "تركيز البدو من كل التلال المحيطة إلى مدن منظمة" مدعيًا أن هذا أفضل للبدو وأفضل للدولة.

إن الحل الذي يطرحه رئيس الحكومة القادم، ليس جديدًا، وليس الأفضل للعرب البدو بالتأكيد؛ هو الحل ذاته الذي رفضه العرب الفلسطينيون في النقب منذ النكبة وحتى اليوم، وصمدوا أمام إغراءات وبطش المؤسسة في أصعب أيامهم، ابرزها فترة قيام الدولة وجرائم الحرب التي نفذتها إسرائيل في النقب، مرورًا بفترة الحكم العسكري وتركيز البدو واستهداف تجمعاتهم، وحتّى مخطط "تمدين" البدو وجمعهم في مدن مركّزة تضمن عدم توسعهم مستقبلًا وتحوّل بلداتهم لغيتوهات مغلقة شبيهة بأخواتها في المثلث والشمال.

ومع تشكيل الحكومة، يستمر مسلسل الوعودات المتطرقة للنقب والقرى غير المعترف بها، خاصة حول القرى: رخمة، عبدة وحشم زنّة التي أبلغ وزير الاقتصاد والمسؤول عن النقب (في حكومة نتنياهو-غانتس) النائب عمير بيرتس القائمة المشتركة حسب بيان أصدرته في 22.12.2020 تمريره بقرار الاعتراف بها قبل حل الكنيست، القرار الذي لم يمر مع إصرار نتنياهو على ربطه بـ "شرعنة" عدد من المستوطنات في الضفة الغربية. هذه القرى الثلاث تعود مجددا على طاولة الاعتراف الآن "كإنجاز تاريخي"، بعد فشل تحصيل أي إنجازات إضافية في اتفاقيات تشكيل الحكومة.

 

أرض أكثر وعرب أقلّ

تركيز المواطنين العرب البدو في مدن مكتظة ليس مشروعًا جديدًا على النقب وأهله، فهذه هي سياسة حكومات إسرائيل التاريخيّة التي توجهها العقلية الصهيونيّة التي تبحث عن أكبر قدر من الأرض مع أقل قدر من العرب. ففي نهاية سنوات الـ 60 والـ 70 من القرن الماضي اعترفت إسرائيل بعدّة بلدات بدويّة في النقب وعملت على تجميع التجمعات البدوية في مدن تختلف كليًا عن نمط حياتهم وتشكل فرض حل الأمر الواقع على المنطقة التي تشكل ما يقارب 60% من أراضي الدولة ويقطنها نسبة قليلة جدًا من السكان، حيث تبقى الأغلبية العظمى من الأرض دون أي سكان.

الاعتراف بالمدن وتجميع السكان فيها لم يشكّل حلاً لمشاكل المواطنين البدو في النقب، فمراجعة بسيطة وسريعة لحال هذه البلدات البدوية تكشف بما لا لبس فيه أن هذه البلدات لم تحقق الكثير (بأقل تقدير) من هذا "التمدّن"، خاصة مع تواجدها في أسفل سلّم التدريج الاقتصادي-الاجتماعي في الدولة، مستويات متوسط الأجور المنخفضة فيها، ومستوى التعليم المتدني الذي ينعكس بنسب منخفضة في تحصيل شهادات البجروت وانهاء التعليم الثانوي.

إن إعادة طرح مخططات التهجير مجددًا على طاولة الحكومة، الحكومة التي يقودها بينيت وشاكيد وليبرمان وساعر، ممن أداروا حملتهم الانتخابية بالتحريض على النقب، يثير القلق ويدعو إلى التيقظ من المخططات القادمة المبيتة للنقب.

تلك المخططات نجحت جماهيرنا بإسقاطها بوحدة وطنية تقدمية افتقدتها جماهيرنا منذ فترة، خاصة أنها جاءت في جو من التشرذم والتفرقة الذي عمّ الفضاء العربي في المنطقة، ونجاح لعمل برلماني، مؤسساتي وبالأساس شعبي نضالي، لا زالت دروسه ترافقنا حتى اليوم.

إن الخطورة التي تحملها المخططات الجديدة، إن نفذت أصلاً، هي الضبابية التي يصر ألمسؤولون عن هذه المخططات لفّها بها، من أجل منافع انتخابية وائتلافية ضيقة وهربًا من المحاسبة الجماهيريّة أو لاستعمالها دواءً مسكنًا حتى تثبيت أقدام هذه الحكومة وحينئذ "لكل حادث حديث".

فبعد أن كانت قضية الاعتراف في القرى غير المعترف بها في النقب غاية بحد ذاتها تتوج فيها الجماهير العربية نضال عشرات السنين، هناك من يحاول اليوم الالتفاف عليها، وتحويلها إلى وسيلة لشرعنة انحرافات سياسية وتمرير مخططات يمينية لم تنجح حكومات يمينية "خالصة" بتمريرها. يجب علينا أن نضع في مركز النقاش على مستقبل النقب والخطط المبيتة له الحقيقة الواضحة: حتّى أسوأ مخططات السلطة وأكثرها عنصرية مثل برافر وأخواته، شملت التزامًا بالاعتراف بقرى وتجمعات بدويّة في النقب.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب