news-details

حول الصواريخ والمحللين

*في الخمسينيات والستينيات كنا نعرف ما الذي سنقرأه في "دافار" وفي "هذا الصباح" حتى قبل أن نفتح الصحيفة. الآن نحن نعرف ماذا سيقول ابراموفيتش وسيغل حتى قبل أن يتحدثا*

 

أنا لا أصدق نتنياهو. مناوراته واكاذيبه في السنوات الاخيرة حولته الى شخص غير موثوق. هو غير موثوق حتى عندما يجلس رئيس الاركان الى جانبه. غير موثوق حتى عندما يحرك حاجبيه ويخفض صوته بأكبر قدر يستطيعه.

وبالضبط الآن، عندما تكون ثقتنا به حيوية بالنسبة له، هو فقدها.  لقد فقدها باستقامة، وقد اصبح الوقت متأخر بالنسبة له كي يتغير. هذا لن يساعده حتى لو قفز من ستوديو الى آخر وأقسم بأنه في هذه المرة سيكون الامر مختلفا وأن هذا حقيقي وجدي حقا. هو لم يعد يمكنه بيعنا "حالة الطوارئ" أو أن يطلب منا "الهدوء لأنهم يطلقون النار".

في مرات كثيرة جدا باعونا وضعنا الامني الرائع وقوتنا الكبيرة وجنودنا الشجعان، من اجل أن نصدق بأنه في هذه المرة نحن في خطر، هناك حاجة الى حكومة وحدة مع الحصانة. لم يعد بالامكان كم الافواه بـ "الاعتبارات الامنية" التي يتم اخفاءها عنا لأننا اغبياء الى درجة أننا لا نفهمها، أو لأننا انتقاديون الى درجة لا يمكننا تقديرها.

الذعر والخوف اللذان اثارهما في هذا الاسبوع بشكل متعمد، لن يساعدا نتنياهو في المحاكمة الجارية ضده في الوقت الحالي في التلفاز وفي الشبكات الاجتماعية. المحاكمة هي جماهيرية والمحلفون هم نحن، ونحن لا نصدقه ولا نثق به ولا بالذعر الذي يبثه ولا بالخوف الذي يثيره.

محاكمة مع محلفين تختلف عن محاكمة عادية. يمكن خداعهم والتحايل عليهم، وأن يعرض نفسه كمارد طيب القلب تطارده شياطين شريرة: بيلغ وغليكمان ودروكر وابراموفيتش. "إنهم يطاردونني"، تبدو مقنعة أكثر من خيانة الأمانة، التي لا يعرفها المحلفون (الذين هم ايضا الدفاع والنيابة والقضاة).

بين الدفاع والنيابة في المحاكمة العامة لا يوجد حوار واحد، بل اثنين. النيابة تقول: رشوة. والدفاع يقول: خطة الرئيس. النيابة تقول: غواصات والدفاع يرد: نخب وقمع ومعابر. وسؤال واحد لم يتم طرحه والجميع يعرفون لماذا: هل تريدون مخالف للقانون رئيسا للحكومة؟ لا يسألون هذا السؤال لأن الجواب نعم. هذا ما نريده.

في هذه الاثناء نحن نحصل على اقتباسات. بيلغ هو ليس وود وورد وغليكمان ليس بينيستاين، هما لم يلتقيا بمسربين في المواقف ولم يجدوا وثائق في القمامة. اقتباساتهم جاءت من محامين غير متهمين يريدون توريط متهمين آخرين، لكن من يهمه اذا كنا بفضلهم نقوم بزيارة اماكن الكذب والتحايل لبلاد "لم يكن هناك شيء".

في بلاد "لم يكن هناك شيء" يوجد الكثير: رشوة وسرقة وتحايل. وبعد ذلك يأتي المحللون السياسيون ويطمسون الحقائق ويشطبون الاتهامات. في وسائل اعلام سليمة، المراسل يكتب والمحلل يقوم بالتحليل. ولكن لدينا المراسلون يحللون انفسهم، يرفعون القرون ويريدون المناطحة. في "أخبار 12" لا يوجد وصف "مراسل سياسي"، فقط يوجد محللون. ابراموفيتش على اليسار وسيغل على اليمين.

في الخمسينيات والستينيات عرفنا ماذا سنقرأ في "دافار" وفي "هذا الصباح" حتى قبل فتح الصحيفة. الآن نحن نعرف ماذا سيقول ابراموفيتش وسيغل حتى قبل فتح فمهما. قبل ثلاثين سنة كتب ابراموفيتش في "معاريف" بأن المحلل يجب عليه أن يعرض على الجمهور هويته السياسية. والمحلل الذي لا يفعل ذلك يعتبر مراسل مثله مثل الذي يمر عبر المسار الاخضر وهو يحمل اشياء تلزمه بدفع الجمارك.

الهوية السياسية لابراموفيتش نحن نعرفها، وشجاعته منقوشة على جسمه وعلى وجهه. وسيغل ما زال في الخزانة السياسية، وهو يتقنع بقناع الحيادية في عالم من الهستيريين السياسيين. فقط عندما يعلن عن موقفه السياسي (يمين جديد؟ قوة يهودية؟ مجرد ليكود؟) فنحن سنثق بتحليله. وعندها فقط سنعرف من هو السياسي الذي شاهد وقرأ وأصلح وصادق.

وعندما نعرف من هو السياسي الذي يقف من وراء المحلل، يمكننا الانتقال الى الموازنة. "الموازنة" ليست اختراع جديد، سموها "فيفتي فيفتي". وفي الخمسينيات تم تطبيقها في المنتخب الوطني لكرة القدم. حسب هذه الطريقة تم اشراك لاعبين في المنتخب حسب تناسب القوى السياسية في الدولة. ولكن من اجل الحفاظ على وحدة الشعب تم انتخاب خمسة من هبوعيل وخمسة من مكابي و"حارس المرمى" انتخب عن طريق القرعة.

"فيفتي فيفتي" كانت صحيحة في حينها. التحليلات والاقتباسات لليمين واليسار لا يوجد لها أي قيمة في محاكمة فيها محلفون. مواقفهم تقررت حتى قبل أن تبدأ. لقد حصلنا عليها في الانتخابات السابقة وسنحصل عليها في الانتخابات القادمة. ألف صاروخ سقطت على سديروت والسكان هناك سينتخبون بيبي مثلما انتخبوه في الانتخابات الاخيرة ومثلما سينتخبونه في الانتخابات القادمة.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب