news-details

دمويّة، مُدمّرة وفاشلة

تحت حرّ صيف 2006، كان معظم السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يعاني من أوهامٍ متورّمة. أوهام دموية يجب القول. وزير "الأمن" عمير بيرتس وعد بـ "تغيير النظام في لبنان".  وزيرة الخارجية تسيبي ليفني تبجّحت بـ "تحقيق تغيير على مستوى المنطقة". أما رئيس الحكومة إيهود أولمرت فتعهّد بـ "جعل الجميع يفهمون مرّة والى الأبد..." والى آخره من تلك الغطرسة، ليلتقي مع تصريح رئيس أركان الجيش دان حالوتس بـ "مواصلة العملية العسكرية حتى فرض واقع آخر".
هذا الشهر مرّت الذكرى الـ 13 لهذه الحرب شديدة الدموية والتدمير التي شنّتها اسرائيل. لكنها لم تكسر المقاومة اللبنانية. اليوم بتنا نعرف أن تلك الأهداف المغرورة أعلاه قد سقطت دُفعة واحدة. كان هناك، أيضًا، جنرالات اسرائيليون ممن لم يشتروا التصريحات الرسمية المغرورة، فمثلا، رئيس المخابرات العسكرية الأسبق، الجنرال أوري ساغي وصف تلك  الأهداف بأنها "أشبه بالهذيان".

حالة الحرب تذهب بالعقول للمزابل، وربما من هنا ذلك الهذيان. الأمر يشتدّ أكثر لدى الثملين بقوّتهم، وهذا ما حدث لإسرائيل الرسمية في تلك الحرب. فبمرور كل يوم كان يظهر بوضوح أن المغامرة العسكرية الثانية في لبنان أعقد مما تخيّله الحالمون بها. وخلافًا لما تم ترويجه وكأنها مجرّد ردّ على أسر وقتل جنود اسرائيليين على الحدود، فقد تسرّب وجود خطة معدّة مسبقًا يبدو أنها كانت بانتظار "مبرّر" لترجمتها بالبارود والنار على اللبنانيين وبلادهم.

في حينه، كشفت صحيفة "هآرتس" أنه جرت سلسلة تدريبات على تلك الخطة وأن آخر تدريب عليها أجري قبل شهر واحد من الحرب. هذه الخطة التي هدفت الى سحق المقاومة كانت تنسجم تمامًا ضمن العقيدة الأمريكية التي سادت في عهد جورج بوش الثاني، وتمثلت بتقسيم العرب الى "معتدلين ومتطرفين"، وضرورة سحق الأخيرين. سحق كل من يقاوم بل كل من لا يذعن.

لم تفهم المؤسسة الاسرائيلية يومها، مرة أخرى، ما يجب أن يفهمه المرء حتى لو لم يكن خبيرًا سياسيًا أو عسكريًا كبيرًا: لا يمكن دحر حركات مقاومة ضاربة الجذور، أصيلة، واقعية، وذكية كالمقاومة اللبنانية. من الصعب جدًا صياغة وهندسة الفضاء السياسي بالدبابة أمام حركات مقاومة. إسرائيل الرسمية لم تمتلك (ولا تزال حتى اليوم) سوى لغة الإملاءات على الجميع. وهذه لغة متغطرسة لا تشجّع سوى على المقاومة بشتى أشكالها، على الرغم من الشلل العربي الرسمي. هذه المعادلة الجديدة، التي في مركزها الرّدع، تحمي حياة لبنانيين كثيرين، وإسرائيليين كثيرين أيضًا. ويجدر بالأخيرين أيضًا توجيه شكر لحسن نصر الله.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب