news-details

دير الموت

هذه القصة الشعبية مأخوذة بتصرف عن مجلة العروة الوثقى التي كان يصدرها الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وكانت تطبع في فرنسا وتصل الى مصر والعالم العربي بواسطة البريد الدبلوماسي لأنها كانت محظورة من قبل السلطات العثمانية والبريطانية. 

تقول الحكاية : عاش في قديم الزمان رجل مصري فقير مع زوجته وأولاده وكان يأتي بلقمة عيش العائلة بصعوبة كبيرة. ذات مساء لم يجد ما يطعم أولاده الذين باتوا على الطوى يبكون من الجوع. لم ينم ليلته يفكر في الحالة التي وصل اليها ولكنه لم يجد لفقره مخرجا وتوصل بعد سهر طويل الى أن حياته لا تسوى شيئا طالما هو لا يستطيع توفير لقمة العيش لأولاده اذن فالانتحار هو مهربه الوحيد من حياة البؤس والجوع والحرمان. وتوصل الى نتيجة أن فقره هو عدم نجاحه في توفير لقمة العيش لأوده وأنه هو نفسه سبب ذلك وان حياته لا تسوى شيئا عنده والانتحار هو الحل الوحيد. 

حاول الانتحار مرارا ولكنه فشل في كل مرة حتى عندما رمى نفسه في النيل وهو لا يجيد السباحة الا أن احد المارة بجانب النهر لاحظ حركة في المياه فقفز وأنقذه. ورمى نفسه عن سطح بناية عاليه الى الشارع فسقط على عربة مليئة بالبرسيم ولم يمت وهكذا قرر أن يدخل الى الصحراء بدون ماء ولا طعام ولا غطاء لرأسه وسوف يجد الموت اما جوعا او عطشا أو بضربة شمس او سيجده وحش مفترس في الليل فيفترسه. في صبيحة اليوم التالي وجد نفسه يسير في الصحراء على غير هدى. وطال به المسير حتى أنهكه المشي ورمى نفسه على رمال الصحراء واستغرق في النوم ولما استيقظ كانت الدنيا ظلاما من حوله.

تطلع حوله الى كل الجهات ورأى على البعد بصيص نار تشتعل فنهض وسار باتجاه النار فوجد جماعة من الرهبان يلبسون المسوح السوداء يستدفئون بالنار المشتعلة في الليل البهيم. 

طرح السلام فردوا عليه بأجمل من سلامه وكان يظن أنهم لصوص او قطاع طرق فخاب ظنه وسألهم عن حالهم وعن البناية الضخمة التي بجانبهم فقالوا له : انه دير قديم اسمه دير الموت وأن كل من يدخل ذلك الدير سيموت حقا ولذلك سموه دير الموت. ولما سمع ذلك نهض من مكانه وجرى مسرعا باتجاه باب الدير الا أن الرهبان تمسكوا به ومنعوه قائلين نحن نأتي الى هنا مرة في كل عام لنمنع من قد يفكر بالمبيت في دير الموت وها نحن في هذه الليلة قد وجدناك ولن نسمح لك بالدخول. وفشلت جميع محاولاته للافلات من ايديهم. فما كان منه الا أن تظاهر بالسكوت والرضى وأضمر في نفسه أمرا وتظاهر بالنوم ولما تأكد أن الرهبان قد باتوا نياما قام مسرعا ودخل الى الدير.

كان الدير في ظلام دامس. لم ير شيئا فوقف مكانه ينتظر أية حركة او صوت ولما لم يسمع شيئا ولم ير أمرا ما رقد مكانه واستسلم للنوم. وبينا هو نائم اذا بصوت خشن يقول له انتظر موتك سآتي حالا لأقبض روحك قم واستعد. نهض من نومه وصرخ قائلا : هلم واقبض روحي فأنا أريد ذلك !!! وانتظر ملاك الموت ولكنه لم يأت. فعاد الى نومه.

وبعد قليل سمع الصوت بقوة أكبر من الأولى واستعد لاستقبال الموت ولم يأت. أخيرا جاءه الصوت للمرة الثالثة وسمع صوت انفجار عظيم وشعر بالحجارة تتساقط فوق رأسه وامتلأ المكان بالغبار والضجة والأصوات المرعبة وشعر أنه دفن تحت التراب والحجارة. ولما شعر بضيق في التنفس رفع رأسه من بين الأنقاض فرأى شيئا عجيبا حوله، رأى على الضوء الخافت الذي انبعث من باب الدير وكانت تباشير الصباح تضيء المكان بضوئها الخافت فلاحظ أن ما كان حوله ليس حجارة ولا ترابا وانما هو ذهب صاف وحجارة من الياقوت والمرجان والعقيق تملأ المكان. 

أطل الرهبان عليه من الخارج فطلب منهم أن يأتوه ببعض الجمال لتحميل كنزه الذي وجده. وهكذا انقلب حزنه ويأسه الى فرح وبهجة وعاد الى عائلته بعد الشدة فرحا مسرورا.

يضيف الأفغاني قائلا : هذا المصري الفقير هو الشعب المصري. واليأس ومحاولة الانتحار هما الثورة أما الرهبان بالمسوح السوداء فهم الدول الاستعمارية الذين كانوا يخيفونهن من الاستقلال. فاذا ما ثار الشعب المصري سيجد دير الحياة لا دير الموت الموت ونعمة الاستقلال في الكثير من الغنى والخير الوفير فلماذا التخوف والنجاح في الثورة هو الطريق الى الحرية والى كل الخير واذا ما انتفض الشعب المصري فان الشعب المصري الفقير سوف يجد الكنز الحقيقي وهو الثروة التي سيأتي بها الاستقلال.

كان الأفغاني قد خاطب الفلاح المصري في احدى خطبه قائلا : أنت أيها الفلاح، يا من تشق بطن الأرض لتستنبت قوت عيالك ! لماذا لا تشق صدر مستعمرك بثورتك لأنك عندها ستجد الخير الوفير، ستجد كنز الاستقلال من دير الحياة لا من دير الموت !!!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب