news-details

ذكرى النصر على النازية والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا! |  د. سمير خطيب

 صادفت الذكرى ال-٧٧ لانتصار الجيش الأحمر السوفياتي على النازية معركة شرسة بين الناتو وروسيا الاتحادية على الأراضي الاوكرانية، وأحد أهداف العملية العسكرية الروسية المعلنة في أوكرانيا هو محاربة المجموعات النازية في أوكرانيا، التي بدأت بالظهور من جديد عام ٢٠١٤ مع أن جذورها منذ الحرب العالمية الثانية حيث ساعدت مجموعة من الاوكرانيين بقيادة ستيبان بانديرا الجيش الأوكراني، وهذه المجموعة بالذات كانت المسؤولة عن العديد من المجازر بحق الروس والبولنديين واليهود، واليوم أوكرانيا الرسمية تعتبر بانديرا بطلا قوميا حتى أن شارع موسكو في كييف تم تغييره لشارع بانديرا. وكان إلغاء وسام "بطل أوكرانيا) عنه من قبل الرئيس الأوكراني فيكتور يانكفيتش (المعادي للنازية) والذي منحه اياه فيكتور يوتشينكو الموالي لأمريكا، إحدى الشرارات التي أدت إلى أحداث عام ٢٠١٤ والتي كان من نتيجتها ظهور كتائب أزوف اليمينية المتطرفة والتي لاحقت الناطقين بالروسية في أوكرانيا، مما أدى إلى ظهور الانفصاليين الروس في إقليم دونباس شرق أوكرانيا حيث يسكن هذا الإقليم ٨٠% من الروس (4 ملايين)، والأنكى من ذلك أن القيادة الأوكرانية ضمت كتائب ازوف الإجرامية إلى الجيش الأوكراني الذي قام بقصف وقتل حوالى ١٤٠٠٠ روسيًا في هذا الإقليم، وتم تدريب هذه الكتائب على يد قوات أجنبية وزودتهم بالاسلحة لمحاربة الروس ومقرهم الرئيسي في مدينة ماريوبل، ولهذا حاصر الجيش الروسي هذه المدينة حتى تحريرها من هذه الكتائب ومن الفكر النازي الذي حاولوا زرعه بين المواطنين الأوكرانيين. ومن الجدير بالذكر أن كتائب أزوف تستخدم شعار IN وهو شعار وثني استخدمه النازيون أيضا، وتفسر الكتيبة أن هذا الشعار يرمز ل national idea اي الفكرة الوطنية.

لا يهم الولايات المتحدة والناتو أبدا، ما هي الايديولوجية التي يعتنقها من يحقق مصالحها في أي مكان في العالم، وهذا ما يحصل في أوكرانيا، التي دعمت فيها منذ ما قبل العام ٢٠١٤ اكثرية الجماعات والأحزاب ذات الفكر القومي والنازية الجديدة. الذي يرتكز فكرهم على الترويج للكراهية وتفوق العرق الأوكراني ومهاجمة الأقليات العرقية والإثنية وتطمح لإنشاء دولة فاشية. تماما كما مولت عصابات إرهاب داعش وسمحت لها بالانتشار طالما تنفذ مطالبها وتحقق مصالحها.

تكتسب ذكرى النصر على النازية أهمية بالغة لدى الشعب الروسي، فهذا النصر الممزوج بالألم والدم كلف شعوب الاتحاد السوفياتي حوالي ٢٠ مليون فقدوا حياتهم دفاعا عن بلادهم وعن البشرية جمعاء. وتمجيد روسيا لانتصارها على المانيا النازية وعلى الفكر العنصري الإقصائي، ونجاحها رغم كل الصعوبات والتوقعات بالهزيمة المحتومة، أمر متجذر في الهوية الوطنية الروسية، ولا يقل تبجيلها – إن لم يكن يتجاوز - عن تبجيلها لإطلاق أول صاروخ فضائي سبوتنك 1وفخرها بنجاح الحملات الجماعية لمحو الأمية في العهد السوفياتي. والنظرة الروسية لهذا اليوم تُتخذ من ذكراه كرمز لانتصار الخير على الشر والإنسانية على الوحشية والعدل على الظلم، ولهذا يأخذ الهدف الروسي في تطهير أوكرانيا من النازية بعدا تاريخيا ووطنيا، وصار يدخل في تعريفهم للنازية الجديدة مصطلح كراهية الروس.

وبالمناسبة بعد استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 لم يكن متوقعاً لدى روسيا الاتحادية بأن تتجه اوكرانيا للغرب وتدير ظهرها بالكامل لروسيا جارتها التاريخية، حيث المجاعة الواحدة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، والنصر السوفيتي الواحد على النازية الهتلرية، وفي الوقت الذي لم تمانع روسيا توجه أوكرانيا للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، نظمت "كييف" وبالتعاون مع أمريكا وجهازها الاستخباري "سي أي ايه" انقلابا دموياً بعد ثورات برتقالية في ميادينها بهدف طرد ارتباط أوكرانيا بروسيا وتقريبها من أمريكا وبريطانيا باسم الغرب، وهو الذي نشاهده الآن في شوارع " كييف " العاصمة التي تجوّل فيها رئيس وزراء بريطانيا - جونسون حليف أمريكا وقائد حملة التحريض على روسيا، ومن ثم وزيري خارجية وحرب أمريكا (بلينكين وأوستن)، ورفع للدعم المالي وعلى مستوى السلاح لأكثر من 33 مليار دولار، لأن هدف الغرب الأمريكي يتجاوز استقلال أوكرانيا التي خسرت (القرم) و (الدونباس ولوغانسك) إلى الأبد، ويجدف باتجاه انتاج أوكرانيا جديدة معادية بالكامل لروسيا ومنفذة لتعليمات واشنطن عبر مؤسسات "البنتاغون"، و "الأيباك"، و "الكونغرس"، والصهيونية على خط الأزمة الأوكرانية – الغرب أمريكية مع روسيا بكل تأكيد.

عندما نعلم بقتل جيش أوكرانيا وفصائل " أزوف " المتطرفة لأكثر من 14 الفاً من مواطني شرق أوكرانيا (الروس والناطقين بالروسية)، وتشريد مليون غيرهم إلى داخل روسيا، وتحرير روسيا للقابعين غيرهم في الملاجىء، نعرف بأن روسيا صاحبة قضية كبرى عادلة، وصاحبة مظلمة لا تريد أمريكا ومعها بريطانيا ومن يؤازرهم سماع حقيقتها.

وعندما نعرف بأن غرب أوكرانيا (كييف) تلاحق الصحفيين الروس، ومنهم كبارهم مثل (سلافيوف، و كيسيليوف) بهدف قتلهم، نزداد قناعة بعدالة الموقف الروسي من الحرب الدائرة، وكلامي ليس انحيازاً للجانب الروسي، ولا يجوز الانحياز في ذات الوقت للمدرسة الغربية المغرضة (الأمريكية – البريطانية) تحديداً، وتحرك  شركات تواصل اجتماعي لاغلاق أكثر من قناة إعلامية روسية مثل 1, RTR، دليل دامغ، ودفع باتجاه مزيد من القناعة بالموقف الروسي من الحرب الأوكرانية الدائرة رحاها في مناطق الدونباس.

يطلق الروس على الحرب العالمية الثانية اسم الحرب الوطنية العظمى، لأنها كانت مفصلية من ناحية سياسية فهزيمة الاتحاد السوفياتي في هذه الحرب تعني هزيمة الفكر الاشتراكي لبناء مجتمع يضمن الحقوق لكل الشعوب بغض النظر عن قومياتهم واصولهم العرقية، وهزيمة لكل حركات التحرر الوطني والفكر التقدمي بالعالم، واليوم مع اتساع وتيرة المعارك في أوكرانيا وتجند الناتو والغرب لدعم أوكرانيا من أجل هزيمة روسيا تعيد إلى الأذهان أهمية ومفصلية نتيجتها، لأن الحديث يدور عن بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، بعيد عن الغطرسة والسيطرة الأمريكية أحادية الجانب التي تسير العالم والعلاقات بين الدول والشعوب بناء على مصالحها، وما نراه اليوم من الكميات الهائلة التي يضخها الغرب لدعم أوكرانيا بطلب من الولايات المتحدة إلا خدمة للمصالح الأمريكية في تثبيت وقوفها في رأس العالم أحادي القطبية، بالرغم من الضرر الكبير الذي يصيبها اقتصاديا. وما زج أوكرانيا في هذه المعركة الا لتصفية الحساب مع روسيا، ولهذا يعتبر الروس أن النصر في أوكرانيا يجب أن يكون محتوما ومحسوما لأن روسيا تحارب نيابة عن المستقبل وأوكرانيا والناتو يحاربون نيابة عن الماضي الذي يعزز سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب