news-details

ستبقى مجزرة كفر قاسم وصمة عار في جبين حكّام اسرائيل

اليوم، في التاسع والعشرين من أكتوبر الحالي، نعود للمرة الرابعة والستين لنحيي ذكرى شهدائنا الذين قُتلوا بدم بارد في العام ١٩٥٦ على أيدي قوات من حرس الحدود الاسرائيلي، وسنستمر بذلك ما حيينا، لننقل الرواية إلى الأبناء والأحفاد، وفاءً للشهداء ومن أجل البقاء في الوطن، ووفاءً للآباء والأجداد، خاصة الذين ضحوا كثيرًا لجعل هذا اليوم معلمًا وطنيًا في تاريخ بلدنا وشعبنا، ولتصبح امانة في أعناقنا لا بد من المحافظة عليها، ولنؤكد تشبثنا بوطننا في معركة البقاء المستمرة.

من هنا وجب التأكيد على الآتي: -

أوّلاً.. ان الشهداء قتلوا بدم بارد، وكانوا أبرياء عُزّل، استشهد أغلبهم بينما كانوا عائدين من أعمالهم، وقسم قليل استشهدوا في شوارع البلد جراء إطلاق النار عليهم من الجيب العسكري الذي كان يجوب شوارع القرية.

ثانيًا، كان الهدف الرئيسي من المجزرة ترحيل أهالي كفر قاسم وباقي القرى والبلدات العربية من الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم بعد النكبة، لتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية خالية من الأغراب.

ثالثا، لتنفيذ خطتهم المعدة مسبقًا، استغلوا العدوان الاستعماري الثلاثي الانجليزي الفرنسي الاسرائيلي على مصر لإسقاط نظام جمال عبد الناصر، ومحاولة احتلال اراض عربية جديدة.

رابعًا، سلوكيات ووقائع وشواهد عديدة أثبتت صحة ما نقول، أبرزها:

ا) إقفال القرية من كل الجهات وحصارها وابقاء الجهة الشرقية الحدودية مفتوحة لتسهيل خروج السكان بلا عودة.

ب) الكذب على المختار عندما سأل الضابط الذي أبلغه عن منع التجول وماذا مع العمال الموجودين خارج القرية؟

ج) حصار القرية والتعتيم الشامل بعد المجزرة وبعد فشل مخططهم، لطمس الحقيقة واسدال الستار على الجريمة.

د) عمل السلطات المكثف لمنع أهالي كفر قاسم من إحياء ذكرى شهدائهم، وإرهاب الناس وملاحقة كل من نشط لإحياء الذكرى، وتطويعهم للقيادة الرسمية والزعامات في البلد وفق ذلك على مدار ما يقارب عقدين من الزمن.

هـ) المحاكمات الصورية التي أجريت للقتلة، بل والمعاملة الحسنة التي عوملوا بها أثناء احتجازهم المسرحي، لذر الرماد في العيون والمدة القصيرة التي حكموا بها، وعلى عينك يا تاجر.

خامسا، الدور الهام الذي قام به طيب الذكر القائد توفيق طوبي في كشف الجريمة وفضحها عبر وثيقته التاريخية في كل العالم، والذي احرج الجميع وأجبرهم على الحديث عن المجزرة بدءًا من الكنيست ومرورًا بالشارع الإسرائيلي، وكان هذا الدور هو البوصلة للحاق الآخرين من اليساريين وغيرهم في التضامن مع كفر قاسم بعد التعتيم الذي فرضته وشددت عليه حكومة بن غوريون، والتزموا به جميعًا وقت المجزرة وفي المدة التي تلتها بقليل حتى كسر ذلك الصمت طيب الذكر القائد توفيق طوبي رغم الرقابة المزعومة والتشديد، واضعًا الحدّ لذلك السكوت الخبيث.

ومع مرور الزمن رأينا وما زلنا نرى، كيف تلبس الثعالب أقنعة الطيور، والأفاعي تحاول إقناعنا بأنّها أسماك. ولو انطلى ذلك على كل الدنيا، فلن نتزحزح عن قول الحق والحقيقة وسنحافظ على روايتنا ولن نقبل بتسلل الرواية الصهيونية إلى أذهان أبنائنا، من أجل كرامة أرواح الشهداء، والمناضلين وكرامة شعبنا وقضيته.

سادسًا، الدور المحلي الحاسم الذي قام به رجال الرعيل الأوّل من المناضلين أبناء كفر قاسم، وبمساندة الحزب الشيوعي، وخاصة النواة الأولى، على مدار أوّل عشرين عامًا بعد المجزرة، رغم الاعتقال والتضحيات، وكان هذا الدور هو الذي افشل "الصلحة"
 المُخزِية التي فرضت وجرت في مدرسة "الغزالي"، واشترك فيها أبناء كفر قاسم على موائد القتلة وأسيادهم واعوانهم، وكان الهدف من تلك الصلحة انهاء الحديث عن المجزرة إلى الابد.

سابعًا، لذلك من الإنصاف تقسيم ما بعد المجزرة إلى قسمين:

الأوّل منذ وقوع المجزرة حتّى مطلع السبعينيات وعلى مدار ما يقارب العشرين عامًا، وهذه الفترة أكرر تسميتها بمعركة تخليد ذكرى الشهداء، كما كتبت في جريدة "الاتحاد " قبل أربع سنوات، هذه المعركة خاضها رجال الرعيل الأوّل من المناضلين، ضد السلطات الاسرائيلية، ونتج عن صمودهم سماح السلطات للقيادة الرسمية في البلد بالمشاركة في إحياء الذكرى، ولاحقًا بتبني المجلس المحلي الأمر وتنظيمه وخصوصًا عند ظهور الاُطر السياسية وتغير الحال إلى "الوساع" كما نقول بالعامية بعد ان كان الضيق سيد الموقف.

 أمّا الثاني، فيمتد منذ انتهاء الفترة الأولى حتى يومنا هذا. وهنا نوجه تقديرنا واحترامنا لكل من بدا يشارك وينشط منذ بداية هذه الفترة إلى اليوم من شخصيات مستقلة وأطر سياسية وهيئات وجمعيات ومدارس وصحف ومجلات لنشاطهم وخصوصًا التطوعي لاستمرار المسيرة. ولا يستقيم الخلط بين الأمور للحفاظ على قيمة انجازات الرعيل الأوّل، بل وجب تقديرهم بما يليق بتضحياتهم، اذ لا يكفي أن نمنح أسرة المناضل بعد وفاته درعًا نحاسيًا وينتهي الأمر، بل يقتضي الأدب الاجتماعي والوطني ذكرهم ودورهم في النشرات والمقالات والمحافل المختلفة، وتخليد أسمائهم بما يستحقونه فهم ليسوا بنكرات، ولا يجوز تضخيم أسماء وتقزيم اسماء وزج اسماء بطريقه عبثية.

فكما هتف رجال الرعيل الأول من المناضلين:

ظلم الظالم ما بننساه

مهما بالغ في مداه

وتعلّمنا منهم هذا الشعار وغيره ورددناه بعدهم.

لكننا نجد أنفسنا ومن أجل الوفاء لمناضلينا، أوفياء الشهداء.. نؤلف ما يتلاءم مع الواقع الجديد فنقول:

عَبَثُ العابثِ ما بنرضاه

مهما تمادى في فوضاه

وسنبقى نتمسك بالحق ونصدح به، ونبقى نحَّمِل السلطات الاسرائيلية المسؤولية عن المجزرة حتى تعترف رسميًا بذلك، ونطالبها بالكف عن سياساتها العنصرية والمعادية لجماهيرنا الفلسطينية، والتي لم تتغير منذ النكبة والمجزرة والمجازر إلى اليوم، ولن يجديهم أعوانهم المتآمرين منذ النكبة والمجزرة وعلنً ا اليوم بثياب التطبيع الدنسة وسنستمر بالهتاف كما قال الشاعر الكبير سميح القاسم:

ومن جيل لجيل املأ الدنيا هتافاً لا يساوم

كفر قاسم.. كفر قاسم.. كفر قاسم

دمك المهدور ما زال وما زلنا نقاوم

صدح بها شاعرنا منذ عقود وغاب عنا، وما زلنا نقاوم سياسات الارهاب والقتل والعنصرية، وقلب الحقائق، وتشويه التاريخ

لكن ما زلنا نقاوم.

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب