news-details

سوريا.. عمق الحضارة الإنسانية وموطن الانتماء العروبي ‏الحر| رياض خطيب‏

من أزقتها العتيقة، خرجت جحافل الجيوش العربية والإسلامية من قبل، من ثغور حلب، خرج ‏القائد صلاح ‏الدين في رحلته نحو القدس، من أجل تطهير الأرض العربية من دنس الاحتلال ‏الغاشم، فأرض سوريا ‏كانت بداية العزة والانتماء الحر الأصيل، ولن تكون النهاية، لأنها لا زالت ‏راية الدفاع عن قدسية حياة هذه ‏الأمة وكرامتها.

ومن كان أصدق من كاتبنا الراحل الخالد حنا مينة في مواكبة تاريخ ونضالات الشعب السوري، ‏منذ عملية ‏الاحتلال التركي للواء إسكندرون، وعملية ترحيل أهلها السوريين من الوطن والتشرد في ‏بقاع الأرض.

واكب الراحل حنا مينا تفاصيل الجزء الأساسي خلال فترة الاحتلال الفرنسي وكل ما صاحب هذا ‏الاحتلال ‏من موبقات وأعمال بربرية كاتبنا الراحل، ووثقها عبر مسيرة طويلة من الأعمال ‏الروائية الخالدة، ابرزها ‏هنا" المصابيح الزرق"‏.‏

بكل بساطة، رواية تصور حياة مجموعة من الناس البسطاء أيام الحرب العالمية الثانية، ومن ‏خلالها حياة ‏اللاذقية وسوريا ككل، بما معناه، تصوير الجو المحموم الذي كانت تعيشه سوريا أيام ‏هذه الحرب.

إذا صح التعبير أن تكون لكل قصة عقدة، فعقدة المصابيح الزرق هي أزمة الحرب! ولكن ليست ‏هذه هي ‏القصة بالفعل، والأصح أن نقول بأن هذه هي الفكرة، أما القصة فهي شيء آخر، إنها تصوير حي لأثر ‏الحرب على مجموعة من الناس، هؤلاء الناس الذين يضطربون في ثنيات ‏الكتاب، كيف يحيون؟ وكيف ‏يعامل بعضهم بعضا؟ وكيف يكافحون في سبيل لقمة العيش؟ وكيف ‏تتقاطع مصالحهم الخاصة مع مصالح ‏أمتهم؟ وكيف يفسرون معنى النضال ومقاومة الظلم؟

إنها بالأصح قصة حياة مجموعة من الناس أخذت أحداثها في فترة تاريخية معينة، فإذا كان الحافز ‏الأول هو ‏الحديث، فكيف تغير الحرب حياة الناس وتسوق حياتهم في مجار جديدة غير طبيعية؟ فإن ‏الهدف بعد أن ‏بدأت الفكرة يصبح عملا ونماذج لأبطال وشخصيات حية متحركة، وقد خرج من يد ‏المؤلف ليصبح نوعا ‏من بانوراما "المنظر العام" لحياة صادقة صحيحة.

إن الأشخاص أحياء لدرجة مذهلة، وخاصة جريس المختار والحلبي، والصفتلي والقندلفت وأبو ‏فارس، ‏هؤلاء وهم أكثر ما يظهرهم لنا الكاتب في الشارع، والدكان في عرض الطريق، حتى ‏يتساءل من تعوّد ‏قراءة نوع اخر من الروايات، أمن الممكن أن ينتقى أمثال هؤلاء الناس الذين ‏نراهم كثيرا ليكونوا أبطال ‏رواية؟ ما المدهش والمميز بهم؟!‏

ثمة أشياء كثيرة جديرة بأن تقال في الحديث عن هذه الرواية، ولكني ومن خلال هذه الأحرف أضع ‏بقعة ‏ضوء بسيطة على هذا الإبداع الذي تركه لنا أديبنا الراحل، والذي كان وسيستمر زادا لنا ‏ولشعبه السوري ‏بالذات، زادا فكريا ومنهجا في الاستمرار في نهج المقاومة والممانعة، في سبيل ‏تحقيق الحرية واستقلال ‏الوطن والإنسان، خاصة وأن سوريا كانت وما زالت محط أطماع كل ‏الغزاة والمارقين على الشرعية ‏الإنسانية، وما حصل في سوريا خلال السنوات الأخيرة من ‏إسقاطات حرب كونية محراكها محور الشر ‏العالمي الأمبريالي الصهيوني، وبتنسيق وتعاون مع ‏أنظمة العمالة والنخاسة العربية العميلة. ‏

نم مطمئن البال يا راحلنا الخالد حنا مينة، هناك في عليائك السرمدي مع القديسين والأبرار، فشعبك ‏وكل ‏أحرار العالم قد حفظوا الدرس جيدا، وهم قدما في الطريق نحو الحرية...

وأشير إلى أن شركة سيريانا السورية للإنتاج الفني قد أنتجت هذه الرواية في مسلسل تلفزيوني من ‏إخراج ‏المخرج فهد ميري، وبطولة نخبة من أبطال الفن السوري الأصيل، وكان في حقيقة الأمر ‏عملا مميزا، ينقل ‏بصدق هم الرواية وأفكار كاتبنا الراحل حنا مينة ...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب