news-details

صباح الخير: حوارية وجودية

اغدودن الليل وأرسل  سدوله السمراء على الدنيا  والناس. لم أسمع من حولي الا  هدير المَوج وصوت اصطدامه على نتوءات صخر الشاطئ كضربات  القدر.

أدركت أني وحدي  مع لفافتي أبث مع دخانها  لواعج القلب. كنتُ جالساً على  ذات النتوء الحاد قريباً من الموج . من بعيد  أرسل القمر أشعته فجعل أديم البحر فضياَ وسَكن  طرف السماء وقد أعد نفسه لليلة سَمر طويلة. راقبت كل ذاك  الجمال وحدي. فجأة هَدَر الموج وزَمجر وخَبط الصخور بقوة وهو يسخر منها  ويضحك، أنا سمعت حوارية لم أتوقعها ولم تخطر لي على بال بين الموج الهادر  وصخور الشاطئ البازلتية التي تَبتل وتَغرق ويَمسح وجهها ضوء القمر.

قال الموج قول الشاعر...  هذا البحر لي وهذا الشاطئ لي  وهذه الرمال لي وأنت - مخاطبا رؤوس الصخر  الحادة - لي. أنا قادر أن أمحوك وأفتتك كما رمال الشاطئ.  ضَرب بقوة مرة تلو المرة وقد ارتعدت الصخرة حتى خلتني مُنقذفاً الى اللجج  الزرقاء القاتمة لاحقا الموج.

صرخ الصخر مخاطبا الامواج-  اذهبي الى لججك من حيث أتيت واغربي  من وجهي، صارخا في الأمواج – هذا الرمل لي  وقصور الرمال التي بناها عبث الصغار لي، عروس البحر لي  تأتيني كل مساء عندما يطلع القمر منذ أول هلال الى أخر هلال، تلك الخضرة  خلفي لي وهاتيك الجبال والثلوج وماء النهر لي، النوارس التي تبني أعشاشها على صدري لي، أنت ومياهك  وزبدك لي وحتى كل شقاوتك وغرورك وعبثك لي. أخذني الحوار وغَمزني القمر مأخوذا بما جرى. لملمت أفكاري ومشيت  الهوينا وحدي. لم تكن معي ولم أمسح عن خصلات شعرها رذاذ المَوج ولم تُحَوط يداها عنقي كما تعودت ولم أرشف عن شفتيها ملح  الحياة المَغموس بالرذاذ وأشعة القمر، ضاعت مني هنا أو هناك

اختفى  القمر خلف  غيوم سوداء ربما  لفصل جديد من ملحمة  أزلية تدور رحاها أمامي، شاهدت لتوها  أنا والقمر أحد فصولها. عندما كانت تجلس  مَعي بين يدي مَرة وأنا أمسد الليل عن شعرها  قلت لها "الموج وصخور الشاطئ تعيش معا قصة حب أبدية مثل حبي لك"  كنت عندها عاشقاً مَسحورا بأحابيل الهوى والجوى. من لم يعشق لن يقف  يوما على حد معضلة الوجود وروعة الخلق ومأساة الفناء وبدع تكرر الظواهر.

د. فؤاد خطيب

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب