news-details

صباح الخير: ديروا بالكو عَ الزّيتونة

علاقة الانسان بشجرة الزّيتون مميّزة طيلة آلاف السّنين، فقد وجد فيها طعامه ودواءه وزينته ونوره وظلّه وراحته وحبّه، وهذه العلاقة فيها محبّة وفيها تقديس، امتزج فيها البعدان الدّينيّ والدّنيويّ، وربّما نجد في بلد ما علاقة الانسان أيضًا بالنّخلة أو بالكرمة أو بالدّومة أو بالجوزة ولكنّ شجرة الزّيتون في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسّط هي الشّجرة الأولى والمباركة والمقدّسة والمعمّرة والخضراء دائمًا، وهي منبع الفرح في موسم جني الثّمار واستخراج الزّيت الصّافي ذي الرّائحة الجميلة واللون الخلّاب سواءً في المعاصر الحديثة أو المعاصر القديمة التي تحفظ أنفاس الأجداد والآباء والامّهات والقدّيسين والأنبياء وأسرار الرّجال والنّساء.

خلّدت شجرةَ الزّيتون أساطيرُ الفراعنة والكنعانيّين واليونانيّين وجميع الشّعوب القديمة التي عاشت في بلدان شاسعة تمتدّ من مدينة لشبونة حتّى حلب الشّهباء، كما نقشت الدّيانات السّماويّة حولها هالة، فحملت اليمامة في فيها غصنًا منها تبشّر نوحًا بانحسار الطّوفان، وشعّ نور الله تعالى منها في طور سيناء، وربطها القرآن الكريم بنور الخالق في أروع الآيات "الله نور السّموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباحٌ، المصباح في زجاجة، الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد من شجرة مباركةٍ، زيتونةٍ لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ، نورٌ على نورٍ يهدي الله لنوره من يشاء".

 ليس غريبًا أن أعود إلى هذه الأفكار وأنا أقرا مقالًا خطيرًا لكاتب من جنوب إيطاليا اسمه يانوش كياله عن موت مئات آلاف أشجار الزّيتون في جنوب إيطاليا بعد أن أصيبت بجرثومة اسمها "كاسيللافاستيديوسا" بدأت بالانتشار في كروم إيطاليا وانتقلت إلى كروم فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وقد أعلنت السّلطات الإيطاليّة حالة الطّوارئ لمكافحتها وبدأت بقلع الأشجار المصابة بهذه الجرثومة وما يحيط بها من نباتات.

تخيّلت حزن المزارعين في الجنوب الإيطاليّ وهم يشاهدون أشجار الزّيتون المعمّرة تموت واقفة أو تقتلعها الجرّافات من الكروم.

تؤلمني مشاهدة لوزة أو ليمونة أو نخلة مجتثّة من الأرض ويؤلمني ويحزنني أكثر أن أرى زيتونة مقلوعة في الكرم أو زيتونة صريعة على قارعة الطّريق.

الانسان الفلسطينيّ وشجرة الزّيتون توءمان منذ فجر التّاريخ، وأشجار الزّيتون الرّوميّة في بلادنا تحفظ في جذوعها وشقوقها سيرة هذا الشّعب الأصيل وصورة هذا الوطن الصّغير الجميل كما انّ "نصبة" الزّيتون الخضراء الباسمة هي الحياة المتجدّدة أبدًا.

ديروا بالكو ع الزّيتونة في بلادنا!

محمّد علي طه   

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب