news-details

صفعة قوية لا تكفي، يجب القيام بمراجعة متأنِّية| مصطفى عبد الفتاح

 

ليس مهمًا على الاطلاق عدد النوَّاب في البرلمان، وليس مهمًا من حصل على مقاعد أكثر من الآخر، بقدر ما هو مهم لماذا وكيف وصلنا إلى هذه الحالة من التردّي، وحالة من التَّشرذم والتَّفكُك الَّذي أدَّى إلى انقسام المشتركة وتفكُّك الوحدة وبالتَّالي خسارة هذا العدد الكبير من المقاعد في الانتخابات وتلقّي صفعة مدوية من المصوت العربي الفلسطيني الذي تُرك في الساحة لوحده.

هذه الشَّراكة بُنيت على أساسٍ هش، كان قاسمُها الوحيد هو الوصول إلى البرلمان، وبعدها لكل حادث حديث، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعدَّاه إلى قبول الوضع القائم، في وضع نشوة الحصول على خمسة عشرة مقعدًا وتمثيل كبير لكافّة الأحزاب دون أن يكون لها تأثير كبير، بدون قواعد جماهيرية حقيقية، بل هي مجرَّد قيادات تاريخيّة مسجَّلة نظريًا، لا يهمها غير الوصول، إلى السّلطة وبدون أن يكون لها مبرر وجود.

النتائج كانت متوقعه، والعنوان كان مرسومًا على الحائط، ولكن المفاجئ، وغير المتوقع هو حجم السقوط، والهزيمة المدوية الَّتي لحقت بالجبهة اولًا ومن ثم المشتركة، كنتيجة حتميّة لمحاولة القيادات المتنفذة فيها الاذدناب إلى أشباه الأحزاب والتّصرّف بنفس الطّريقة، بالابتعاد عن الكوادر وعن ساحات النّضال اليومي بين النّاس وعلى مدار السّاعة.    

تفكيك المشتركة كلَّف شعبنا عددًا من المقاعد البرلمانية، وفضح هشاشة هذا التنظيم وسوء إدارته واكَّد لنا سهولة اختراقه وتفتيته من الدّاخل ومن الخارج. وبخطوة ذكيّة مدروسة من بنيامين نتنياهو، وفهم عميق لطبيعة الأحزاب الدينيّة، بخطابها المدني المتسربل بالدين، وعدهم بتقديم بعض الفتات، فبلع زعيمهم الطُّعم، وبدل انتصاره على نتنياهو، انتصر على القائمة المشتركة الّتي احتضنته، خرج منها وأغلق الباب خلفه حتى على رفض قبول فائض أصوات معه، بادّعاء أنَّه لا يريد أن يكون في الظل، أيّ ليس في جيبة اليسار أو اليمين، ففتح الباب على مصراعيه، ليجعل أسرى الحرية في سجون الاحتلال، مجرد "مخربين"، وليذدنب لأيّ حزب صهيوني يمكن أن يعطيه بعضًا من فتات موائدهم، مقابل دعم، أو انخراط في حكومة يمين، وحتى يمين متطرف، فعلى ماذا تحتفلون، وعلى ماذا تتراقصون طربًا، وكان من الأوْلى محاسبة مَن خسَّرنا خمسة مقاعد، والحساب بسيط.

صحيح أن منصور عباس هو من قام بهذه الخطوات الاختراقية لصفوف الوحدة، وتمزيق هذا الإطار الَّذي اسمه المشتركة، من اجل طرح خطاب مدني ذي افق يلبي مطالب آنيَّة ضيّقة، لا تُسمن ولا تُغني، ولا تحل قضية، نسي خلالها أنَّه ينتمي إلى دين وإلى شعب وقضية، ونسي أنَّ شعبنا يناضل مِن أجل وطن وهوية، قبل أن يبحث عن مطالب آنيَّة ضيقة، ويسلك طريق نضال طويل لا رجعة عنه، ومع هذا لا يقع اللَّوم على الحركة الإسلامية الجنوبية لوحدها، ولا على منصور عباس لوحده، الّذي ظنَّ أنَّ أفقهُ السّياسي مُغلق بسبب المُشتركة، بقدر ما يقع على عاتق القيادة الجبهويَّة بكل مركباتها "ولا اقصد هنا أعضاء الكنيست فقط"، الّتي قادت المشتركة منذ إقامتها.

هذه القيادة لم تفرض ولم تضع قوانين وضوابط ملزمة لكلّ مَن يريد أن ينضمّ ويكون ضمن إطار القائمة المشتركة، فكانت كزواج المتعة بين الأحزاب انتهت بايصال العريس او العرسان الى الكنيست وانتهى العرس، وكفى الله المؤمين شر القتال. ظنت هذه القيادة أن الشّعب قد توحّد تحت راية المشتركة، فابتعدت عن كوادرها، وتركت الفروع تتصرف على هواها، ولم تصغ إلى نبض الشارع ولم تسمع ملاحظاتهم، ولم تلتفت إلى مطالبهم وتوجهاتهم، لم تخاطب عقول ووعي الناس، خاطبت عواطفهم.

هذه القيادة كان خطابها بعيدًا جدًا، عن وعي وتطلّعات الجماهير الواعية من الشعب، بخطاب مدني سطحي لا يلبى الحد الأدنى من تطلعات شعب يريد الحفاظ على هويّته الوطنية والقومية، لم تقم بطرح خطاب يحمل الثّوابت الوطنية والقومية بقوة وبشكل مبرمج وصحيح، فهذه الثوابت هي الركيزة الأولى والاساس لشعبنا، وتجذير هذه الثوابت وتمكينها من الوصول الى جميع طبقات الشعب، حتى تكون صمّام أمان لكلّ من يفكّر بالتّفريط بهذه الثوابت، ذهبوا إلى الخطاب المدني المطلبي اليومي الهش، رغم أهميّته في حياتنا اليومية، وهو مطلوب ولكنّه ليس بديلا وغير كاف لوحده. باختصار طالبت بقضاياهم اليومية ونسيت ثوابتهم الأساسية، فضاعت البوصلة.  

كان على القيادة أن تطرح ثوابتها بقوة، رغم الصّراخ الحقيقي الذي نسمعه من أبناء شعبنا، رغم المعاناة الّتي يعيشها في ظل العنف المستشري المبرمج سلطويًا، فالسلطة تحاول بشتى الوسائل من أجل إبقاء هذا الوضع وترسيخ الخطاب المدني على حساب القومي والوطني وبالتالي ايصالنا إلى هشاشة وضعنا وحاجتنا الماسّة إلى السّلطة وأذرعها إن كان في الحكومة، اي السّلطة السياسية، وإن كان في الامن، ايّ بفتح عشرات مراكز الشرطة المدمّرة في قرانا لتثبيت الوضع وابقائه على حاله، حتى نبقى رهينة لهم.

توجّب على القائمة المشتركة أن تتَّكئ على الخطاب الوطني الثّابت، وعلى المبادئ والأسس والقيم الّتي بني عليها شعبنا، كان عليها أن تقود النّاس لا ان تنقاد بالناس. لا يهم ما يريد النّاس، بقدر ما يهم ان تعرف القيادة ما هي مصالح الناس، ماذا يجب أن توفر وتقدم للناس ومصالحهم الحقيقية، هكذا نبني مجتمعا ونبني أسسا وقيما حقيقية ثابتة وراسخة لا يستطيع منصور عباس ولا غيره ان يمس أسسها، لأنّ الشّعب عندها سيعاقبه، بدل ان يرقص طربًا لانتصاره الوهمي، ويعاقب القيادة في المشتركة بدل الموحدة.

كان عليها ان تضع القوانين العنصرية في أولى سلّم أولويّاتها لفضحها والتّخلص منها، بدل أن تُطالب بالتخلّص مِن نتنياهو فالقضيّة ليست شخصية، ولكنها قضيّة وجود بالنسبة لشعبنا، كقانون القومية، كان عليهم أن يعالجوا ويهتموا بقضايا شعبنا الفلسطيني، أينما كان وليس فقط في الدّاخل فنحن جزء من شعب ولنا الحق وواجبنا الأدبي والأخلاقي والإنساني والوجودي أن نقف مع أنفسنا بقوة، في اسوأ الأحوال، لانَّ قضايانا واحدة ومتشابكة وإن كانت مفصولة سياسيًا، ومصيرنا واحد.  

وفي المرحلة الثّانية كان هناك تسطيح للخطاب السياسي وابتعاد عن الثّوابت الوطنية وترك الميدان بعيدًا عن أي نقاش سياسي جوهري حقيقي على وجودنا الوطني والقومي في هذه البلاد، لدرجة الشعور بعدم الانتماء لأي شيء يمت بصلة إلى الجماهير العربية.

شعر المواطن البسيط، حسب رأيي، بالابتعاد شبه الكلي عن قضية شعبنا الفلسطيني وكأننا قادمون من عالم آخر، لا يهمنا ما يعانيه هذا الشعب وكأنَّ ابن نابلس والخليل ورام الله ليس ابن شعبنا وليس منّا، فكيف يستوي هذا الخطاب مع ما يطرح من قضايا يومية ومطلبية للجماهير العربية في الدّاخل الفلسطيني.

 ما بعد هذه الانتخابات ليس كما قبلها، المشهد السياسي في المجتمع الفلسطيني، مُنقسم إلى تيارين، هذا الواقع يحتّم على الجبهة والمشتركة أن تتعامل معه بمُنتهى الجدّية والمسؤوليّة، يجب على الجبهة الديمقراطية أن تستخلص العِبر من النتائج، عليها مراجعة الذّات مراجعة الخطاب، والعودة إلى القواعد والاسس التي بنيت عليها، عليها تحديث وتجديد الخطاب، الوطني الثابت والمدني المتحول والمتغير. عليها العودة حالًا إلى بوصلة الشّعب وثوابته الوطنية والقومية لتتكئ عليها. وليس لها من ركيزة غير هذه الثوابت، عليها ان لا تذدنب للأحزاب الأخرى التي وضعت همها وقضيتها الأولى الوصول الى البرلمان بدل الوصول الى قلوب وعقول الناس الطيبة الوطنية المثابرة والمخلصة.

 الموحدة اتكأت على الخطاب الديني المسيّس كخطاب ثابت غذَّته ونمَّته واستعانت به من اجل الوصول الى قلوب وعقول الناس. وكان من المفروض على الجبهة ان تطرح خطابها الوطني الثابت الذي يعتمد على الهوية الوطنية من تاريخ ولغة وحضارة وثقافة وتتَّكئ عليها، ولكنها تركت ذلك وذهبت إلى الخطاب المدني في تحصيل الفتات من بقايا ما تفرزه الصهيونية لنا كمواطنين من الدرجة الثانية.

للخروج مِن هذه الازمة الّتي عصفت بنا، والتي بدأت منذ زمن طويل، وكبداية لوضع الأمور في نصابها الصحيح، فيجب حسب رأيي على مركبات القائمة المشتركة، واعني الجبهة والتجمع والحركة العربية وغيرها من مركبات، التي تُسمي نفسها أحزاب، أن تنزل من عليائها ولو قليلًا، ومن توهماتها وكأننا نعيش في سنوات القرن الماضي، وتقوم بعمليّة مراجعة حزبيّة سياسية مدروسة، نهايتها دمج حقيقي لجميع المركبات، وخلق مشتركة متجانسة متّفقه على خطوط وطنية عريضة ثابتة جامعة للجميع وقوانين صارمة مُلزمة لهم، وترشيح مندوبين من كافة المناطق الجغرافية في البلاد وايصالهم الى مجلس عام للمشتركة، واجراء انتخابات حرّة ديمقراطية حسب القوانين والاسس الديمقراطية، لانتخاب قيادة تمثل شعب، وتستطيع الوقوف والعمل امام التحديات. 

كوكب 26.3.2021

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب