news-details

عارنا في إسرائيل 2/3

هل سيأتي اليوم الذي سيكتب فيه يهودي متنور كتابا تحت هذا العنوان؟

تعرضت الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل لهزة عنيفة بسبب إقرار قانون القومية العنصري والفاشي والذي شطب وجودها كأقلية قومية اصلانيّة وشطب هوية المواطنين العرب في إسرائيل وحوّلهم وقسّمهم الى فئات: عرب ودروز وبدو ومسلمون ومسيحيون. كذلك الغى اللغة العربية التي هي بمثابة الهوية كلغة رسمية ثانية في الدولة. فأصبح العرب في ظل هذا القانون مللًا وطوائف لا تجمعهم شجرة العروبة، وكأن المسيحيين والدروز والبدو ليسوا عربا ولم يكونوا عربا يوما، مع ان شجرة العروبة كانت ولا زالت عنوانا واصلًا للمسيحيين والدروز. ان هذا التعامل معنا لا يجدي نفعًا ولا يغير من هويتنا القومية ولا يحقق الغرض الكامن من وراء ذلك تطبيقًا للقول"فرّق تسدّ".

ان "شجرة العروبة" ستظل شامخةً في سمائنا وجذورها ستظل ضاربةً عميقا في الأرض وليس بمقدور هذا القانون ان يقلعها وستظل لغتنا العربية حيّة نابضة في عروقنا. ان قانون القومية لم يأت بجديد لأن الممارسة الفعلية للسلطة الحاكمة ضد هذه الأقلية كانت قائمة منذ قيام الدولة حيث كانت مبنية على مبدأ اللامساواة بين العرب واليهود والتمييز للسلب الذي كان ولا زال حاصلًا ونعيشه ونتنفسه كل يوم وكل لحظة. لقد عشنا في هذه الدولة منذ قيامها متمسكين بحلمين: الحلم بالمساواة العادلة كمواطنين في دولة تدعي انها ديمقراطية والحلم الفلسطيني كعرب فلسطينيين من اجل إقامة دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل، ذلك لان مصيرنا في هذا البلد ربطته السلطة الحاكمة والدولة منذ قيامها  بمصير الفلسطينيين خارج حدودها. لقد بنيت سياسة هذه الدولة على هذا الأساس وعكس ما أوصى به "البارون وتماير" عشية قيام الدولة (1948) حيث قال: "سوف يواجه اليهود في الدولة اقلية عربية قوية و سيكونون محاطين بدول عربية كثيرة وكبيرة لأجيال قادمة. واليهود سوف يستمرون بالعيش فيهاوفي دول كثيرة في العالم كأقليات. ويستمر البارون "وتماير" قائلًا: ان معاملة الأقلية الفلسطينية من قبل الدولة ستتأثر للسلب او للايجاب من قبل دول العالم من تعامل إسرائيل مع هذه الأقلية. وسيحكم العالم عليهم من هذا المنطلق."

هكذا كان يجب ان يكون الحال مع الأقلية الفلسطينية التي تعيش في إسرائيل. ولكن ما يحصل وما يجري في الساحة اليوم هو عكس ذلك. لذا فنحن نرى ان جميع دول العالم تتعامل اليوم مع إسرائيل من منطلق تعاملها مع هذه الأقلية اولًا ومع الفلسطينيين ثانيًا. ولولا "حق الفيتو" الأمريكي الظالم لكان وضع الفلسطينيين سكان الدولة احسن بكثير ولكانت دولة فلسطين قائمة منذ زمن طويل. لقد وصفت إسرائيل نفسها على الصعيد الرسمي انها دولة يهودية ديمقراطية ولكنها في الواقع دولة يهودية للعرب وديمقراطية لليهود. وهذا ما جاء به واكّده أخيرا قانون القومية العنصري الفاشي باعتبار إسرائيل "دولة اليهود".لقد ادّى هذا الواقع الى قيام حركة عالمية لمقاطعة إسرائيل. وبالرغم من ذلك فان إسرائيل وبقيادة النظام الفاشي الحاكم مستمرة في عنادها ومستمرة في تعاملها العنصري تجاه الأقلية الفلسطينية في الدولة. وهذا التعامل سيجلب دائما العار على الدولة.

آمل ان يأتي اليوم الذي يقوم به احد المتنورين اليهود بوضع كتاب تحت عنوان "عارنا في إسرائيل" فيه يكتب عن كل ما يتعلق بالتعامل العنصري تجاه هذه الأقلية وفيه يُبرز موضوع اللامساواة من قبل الأكثرية تجاه الأقلية. ان ما يجري اليوم سيجلب العار على هذه الدولة وسيلازمها لامدٍ وسنين طويلة. لقد تحولت وللأسف محكمة العدل العليا الى آلية تخدم اليمين المتطرف في كل ما يتعلق بذلك. وبودّي هنا ان اشير في هذا السياق الى ما كتبه المحامي قيس ناصر مشيرًا الى ما حدث في الولايات المتحدة بالنسبة للتعامل مع السود حيث يورد اقوال المحامي كلارنس في احدى مرافعاته في المحكمة مدافعًا عن حقوق السود حيال عدالة المحكمة: "اذا كانت المحكمة مقيدة بالقانون فان الانسان اقوى من القانون". وانا أقول الشيء ذاته لقضاة المحكمة العليا في بلادنا بأن الضمير والعدل والإنسانية اقوى من القانون وان قانون لا يحترم حقوق الانسان الأساسية لا يستحق ان نسميه قانونا ويجب الغاؤه بواسطة الكنيست الإسرائيلي.عندما تتواجد أكثرية ضده، نأمل ان يحدث ذلك بعد الانتخابات القادمة في آذار 2020. ان الوضع الحالي ومع وجود أكثرية في الكنيست من اليمين المتطرف تجعل قانونا كهذا وقوانين عنصرية أخرى سارية المفعول. على القاضي الا يكون "ماكينة" تطبّق القانون او مثل الة حاسبة تجمع وتطرح المعادلات الرياضية. على القاضي ان يكون قبل كل شيء انسان وصاحب ضمير حي ونزيه، فالقاضي له عينان واذنان كما لكل الناس، وعليه ان يرى ويسمع الانسان الذي يقف في مركز كل قضية وان لا يَغُطُّ نظره ويصمّ اذنهُ عن المصيبة التي تحل في عائلة يحكم عليها بالهدم والترحيل ودفع غرامات كبيرة كما يحدث الان نتيجة قانون "كامينس" تطبيقا منها لهذا لقانون الذي يأمر بهدم البيوت غير المرخصة. ان ما ذكرت هنا هو مثل واحد من امثلة كثيرة فيها تعاني الأقلية العربية الفلسطينية بسبب القوانين العنصرية التي تؤخذ في الكنيست بأكثرية أعضائها الذين ينتمون الى اليمين المتطرف. ان المبدأ الأساسي في الحكم الديمقراطي يدعو الى حماية الأقلية من قوانين تسنّها الأكثرية وهذا المبدأ موجودٌ في دول العالم وتتجاهله إسرائيل.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب