news-details

عالم ما بعد الكورونا؟

 الإمبريالية والنيوليبرالية المعلومة الآن في أوج قمتها وشراستها، والإنسانية بعد أزمة فيروس كوفيد -19 على مفترق طرق، إما حربا عالمية نووية تنهي الحياة على كوكب الأرض أو تحولا في النظام العالمي الاقتصادي السياسي الاجتماعي، أو نقلة نوعية في هذا النظام العالمي الحالي لصالح الشعوب.

البشرية قادرة على خلق نظرية سياسية اجتماعية اقتصادية كما فعلت منذ النظام الاقطاعي حتى الاشتراكي والرأسمالي.  الانسان هو غاية ومعنى الوجود على هذه الأرض، غيابه عنها يعيد الأرض إلى المربع الأول.  

الإمبريالية شرسة وقوية عسكريا واقتصاديا وان فشلت سياسيا واجتماعيا، هي لن تسلم حكم العالم الى الآخرين بالسهولة التي يحسبها بعض السذج من البشر منا فهي قادرة وتملك أسلحة الدمار الشامل كلها وتملك الحقد والوقاحة، وقد حدث وأن "وظفتها" الامبريالية الامريكية في بداية عصر ازدهارها ضد اليابان. ولم تكن مهزومة أو مهددة بوجودها وليس ردًا على هجوم اليابان على بيرل هاربر، بل استعملت القنبلة النووية لتعلن عن بداية هيمنتها على العالم للاتحاد السوفييتي الاشتراكي الذي خرج أيضًا من الحرب العالمية ماردا جبارا قادرا على مقارعة الامبريالية الغربية عسكريا واقتصاديا وسياسيا في حينها.  

الشعوب في الدول الرأسمالية هي وحدها قادرة على الثورة على أنظمتها وقلبها من الداخل بعد أن كشف لها هذا الفيروس كل زيف أنظمتهم الرأسمالية التي لا تهتم حتى لصحتهم ووجودهم، ولم تكن حاضرة بالوقت المناسب طبيا، ولا حتى سياسيا بل ظهرت كدول متخلفة في وقفتها ضد هذا الوباء عندما انهارت بسرعة أنظمتها الصحية الأمر الأساسي والضروري لبقاء الشعوب وتطورها.

بعد غياب الاتحاد السوفييتي وطيلة الحرب الباردة التي استمرت سبعة قرون تفردت الامبريالية العالمية بالعالم وطورت أدواتها وأصبحت تلعب في مصائر الشعوب في العالم كله بصلافة ووقاحة منقطعة النظير وغدت فعلا تهدد البشرية على طول التاريخ المعاصر.  وباتت تصدر الحروب والأوبئة والعقوبات على دول العالم التي تعارض سياستها وتخلق مشاكل اقتصادية وتجويع وافقار بلدانه، ولكنها حقيقة لم تنجح لو مرة واحدة في حل المشكلة الوجودية التي تعيشها الانسانية المعاصرة، والتي تعاني الشعور بالغربة والخوف من المستقبل المجهول بل هي ذاتها أي الامبريالية وخصوصا الأمريكية تهدد الوجود البشري كله وتخلق ظروف العنف والارهاب العالمي الذي يضرب البشرية في كل مكان.

ما تفعله الامبريالية الآن هو فرض سيطرتها وهيمنتها على الكرة الأرضية، تهديد مصالح الدول والبشر في كل مكان، مرة بحصارها بلدان العالم اقتصاديا وأخرى بسرقة ثروات الشعوب علنا بلا أخلاق أو وازع من ضمير.  تشعل حربا هنا وانقلابا هناك وتضرب مرة بالنووي ومرة بالكيماوي كما حصل في فيتنام وسوريا، ومرة بالأسلحة البيولوجية، تهجن الفيروسات القاتلة والميكروبات الخطيرة على مستوى العالم كله.  الأمر " الابسورد" الغرائبي   أن أمريكا تشغل عشرات المختبرات البيولوجية والكيميائية في 730 قاعدة عسكرية خارج حدودها يحميها ويشغلها 900.000 جندي أمريكي. 

الغريب في الأمر أن أمريكا تملك وتشغل هذه القواعد الهائلة في عشرات الدول الفقيرة والتابعة لها رغم أنفها مع العلم أن القانون الأمريكي يمنع قطعيا تصنيع هذه الاسلحة الفتاكة الخطرة جدا على الأرض الأمريكية. ان دل هذا على شيء فهو يدل على استهتارها لحياة الناس الآخرين ولو مات منهم الملايين، المهم أن تبقى الهيمنة الأمريكية على العالم وأن تستمر دورة رأس المال عندها. هذا يدل أيضا على استعلائها واستكبارها على شعوب الأرض قاطبة وحقوقها بما فيها روسيا والصين. 

وتتعدى على حقوق الشعوب التي يضمنها القانون الدولي ومؤسساته التي أصبحت   فعلا   كما تدل الأحداث على مدى العقدين الاخيرين أداة طيعة لتمرير السياسات الأمريكية الهدامة على طول العالم وعرضه. اذن الامبريالية المعولمة أثبتت وحشيتها وعداءها السافر للشعوب في مشارق الأرض ومغاربها وحتى للشعوب في أوروبا الغربية بعد أن حاصرتها في أزمة الوباء القاتل الذي نعيش تطوراته الكارثية في العالم وخاصة في الدول الرأسمالية الغربية صديقة وحليفة أمريكا وحتى في نيويورك في قلب أمريكا نفسها. أثبتت الأحداث الجارية المؤسفة في العالم قطعا أن الامبريالية النيوليبرالية المعولمة وأن النظام الرأسمالي برمته هو ذاته النقيض للعدالة الاجتماعية على مستوى العالم، وأنه نظام ديمقراطي مزيف ونظام استغلال وسرقة وتخريب لبلاد العالم ولمعظم البشرية وبأساليبه الجهنمية يعمل على اعادة شريعة الغاب ومناعة القطيع وصراع البقاء الدارويني – نسبة إلى العالم الانجليزي داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء وصراع البقاء، الضعيف يموت ويبقى القوي . 

قال ماركس أن الامبريالية تحفر قبرها بيدها وأن التحول من الرأسمالية يحدث في أكثر الدول   الرأسمالية المتطورة تقنيا وصناعيا أينما تكون جيوش البروليتاريا المنظمة في نقابات قوية وصاحبة خبرة من أجل حقوقها. عدم حدوث هذا الأمر كما توقعه ماركس هو أحد أسباب سقوط التجربة الاشتراكية في روسيا القيصرية التي كانت حينها دولة اقطاعية متخلفة صناعيا، ولم تملك بروليتاريا مجربة ولا منظمة كما كان الحال في زمن ماركس في ألمانيا وفي انجلترا.

 العولمة وتقنيات التواصل والمواصلات الرهيبة أحدثت نتاج امبريالي يعمل بشقين متعاكسين أو نقيضين. الأول وهو سرعة سيطرة الشركات الكبرى الغربية على الانتاج العالمي وتوزيعه، ومع هذه السيطرة تأتي الهيمنة الاقتصادية والفكرية والثقافية، وكما كتب فلاسفة الغرب المعاصرون أن العولمة هي مرحلة نهاية التاريخ وأن الامبريالية هي المحطة الأخيرة في تطور البشرية الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.  الأمر الثاني النقيض أن تكون العولمة ووسائل الاتصال الاجتماعية هي الاداة التي تحفر بها الامبريالية قبرها بعد أن أثبتت افلاسها الأخلاقي والاجتماعي والديموقراطي.  

يمكن للعولمة التي نعيشها طبعا بعد تغيير ملكية وسائل الانتاج أن تساهم في  تحضير القاعدة   المادية المتطورة  والقاعدة  الفكرية   المادية  و الجماهيرية  لنقلة  الشعوب  من  النظام   الامبريالي  الرأسمالي  الى  نظام  أخر اشتراكي  ديموقراطي انساني  يضع  في  أهم   دوائر  اهتمامه    ندية   وصداقة الدول والشعوب  والحضارات  وأمن ورفاهية  البشرية كلها  كوحدة    أرضية واحدة  يمكنها  من الوصول الى العدالة الاجتماعية  بعد  عمل  جاد وواعٍ  وهو ما تحلم  الانسانية  المعذبة منذ  أن  وجدت.  

ان الثورة التقنية والرقمية والعلمية الحاصلة  جعلت الأرض  فعلا  قرية عالمية  واحدة   بكل  ما يحتويه  هذا الوصف من مفاهيم  أصبح بعضها واقعا معاشا لقسم كبير من البشرية. ويمكنها  أي  العولمة المتطورة  أن تساعد  الانسان  في  التغلب  على عذاباته  التي رافقته  من  الحقب والعصور  البائدة. البشرية الموحدة  الندية  والصديقة  لبعضها ولا  نقول هنا الأممية، قادرة  على كشف  الفضاء  الفسيح   حولنا للتوسع  وللبحث  عن مصادر  للحياة  وربما  لفرص  العيش أيضا. 

الأممية تبقى الحلم الأكبر الذي لن يتحقق الا بعد حدوث طفرات جينية في الجين الوراثي للبشر تلغي حب التسلط والأنانية والعداوة، وهذا لن  يكون  بعد ان تحصل الوفرة  المادية  والفكرية  لكل  البشر. عندها فقط تبدأ مرحلة من التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمعات والأفراد وربما الانتقال تدريجيا الى مرحلة عيش أكثر تطورا وأكثر عدالة بأقل حروب وأمراض وأوبئة لا يمكن أن نحددها ولا ان نتصورها الآن الا في شطحات خيال بعيدة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب