news-details

غاب ولم يرحل| خليل عبد القادر ياسين

سنديانة جبهوية أخرى رحلت، ولكنها ابت إلا ان تغرس جذورها عميقا في ثرى وطننا الذي لا وطن لنا سواه.

زيتونة عمرية ذوت، ليس قبل ان تعطينا ثمار محبة الوطن فلسطين، وثمار محبة حزبنا الشيوعي والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة.

رحل عنا في اول يوم من أيام شهر رمضان الفضيل وكأنه على موعد مع شهر رمضان، انه الفارس الذي ترجل.

ولد المرحوم توفيق خليل إبراهيم ياسين لعائلة فقيرة، مثلها مثل الكثير من العائلات في ذلك الزمن الغابر، حيث بدأ شقاؤه في سن مبكر جدا في الفلاحة مساعدا لأخويه اللذين يكبرانه سنا، ولم يكمل تعليمه سوى لبعض السنوات مجبرا على العمل لأخذ دور في اعالة عائلته التي كانت تعاني من الشح والفقر، وكما قالوا في ذلك الوقت – "من القلة".

ان الأيام القاسية التي كان يمر بها أبو حاتم كانت أحد الأسباب التي ساعدت في صقل شخصيته وهويته وفيما بعد هويته السياسية. وبعد بضع سنوات من عمله في الفلاحة انتقل ليعمل في حيفا وضواحيها اجيرا متنقلا بين صاحب عمل واخر، وبين مدينة وأخرى ساعيا وراء رزقه لمساعدة عائلته من أجل حياة أفضل.

وساعده عمله الجديد في صقل هويته السياسية، حيث بدأ يشعر بالغبن والظلم اللاحق بالعمال، وأحس "على جلده" مدى الاستغلال الذي يحيق بالعمال والطبقة العاملة.

وكان أبو حاتم، توفيق خليل ياسين، منذ البدايات قريبا من الحزب الشيوعي هو وعدد لا بأس به من أصحابه، منهم من قضى نحبه ومنهم لا زال على قيد الحياة (يعطيهم طول العمر)، حتى تحولت هذه القرابة مع الحزب الى دعم وتأييد مواقف الحزب السياسية والتي كانت تتطلب في تلك الظروف الصمود والتحدي، وقد انتصر فيها أبو حاتم رغم الظروف المادية القاسية وشقاء العيش والفقر المدقع.

"التحدي" هي كلمة بسيطة تتكون من بضعة حروف، ولكنها كبيرة في معانيها في تلك السنوات، اذ انطوى فيها تحدي الفقر والسلطة واعوانها، ناهيك عن التحدي للعائلية البغيضة التي ذاقها أبو حاتم واخوانه.

كبر أبو حاتم وشمخ عاليا ببناء أسرة وطنية كادحة تربت على العزة والكرامة على التحدي والصمود على المواقف الراسخة والثابتة سياسيا كما ورثوها عن ابيهم المرحوم توفيق خليل.

وكما ذكرت سابقا، توطدت العلاقة بين الحزب والجبهة وبين أبو حاتم، وسأسمح لنفسي بأن أقول بين الحزب والجبهة وبين الرفيق توفيق خليل ياسين، حتى أصبح هذا الرابط "زواجا كاثوليكيا" متينا ترسخ وثبت أكثر فأكثر حتى اخر يوم في حياته. وكان الرفيق توفيق ذا رأي سديد وثابت في مواقفه السياسية، ولم يتعثر حين تعثر أقرب أصحابه في شرك العائلية، وبقي صامدا في موقفه السياسي داعما للحزب والجبهة، وما بدل تبديلا.

قضى أبو حاتم 85 عاما من الشقاء والكد والعناء والتعب، ولكنه كان يتحلى دائما بالصبر والأمل والسعي لحياة أفضل له ولأفراد اسرته حتى استطاع نيل ذلك دون التنازل ولو لمرة واحدة عن موقفه السياسي الواضح والجلي، ودافع عن هذا الموقف وصانه حتى اخر أيام حياته التي امتزجت بالقهر والحرمان والفقر، لكنها امتزجت بحبه للحرية، وبالكرامة الوطنية الصادقة، وبحبه لفلسطين وشعب فلسطين.

عاش الرفيق توفيق انسانا متواضعا خلوقا، أحب الناس وبادله الناس بالمثل، وقابل الحقد بالمحبة فأحبوه.

نم قرير العين يا أبا حاتم فانت غبت عنا ولم ترحل، وستبقى ذكراك حاضرة فينا كزيتونة فلسطين العمرية، ضاربة جذورها عميقا في ثرى وطن. نم هنيئا واسكنك الله فسيح جنانه.

 

ابن اخيك، أيها الغائب عنا

المحامي خليل عبد القادر ياسين

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب