news-details

قطر والمونديال والسياسة | رائف زريق

مع بداية الالعاب في قطر، يكثر الحديث عن البلد وطبيعته وحكمه ونظامه. تختلف النوايا والمنطلقات. وأعتقد ان كل عربي يفرح لحدث كهذا في قطر عربي أيًا كان… وأنا على يقين من أن التنظيم سيكون رائعًا ومميزًا، وسوف نستمتع بمشاهدة المباريات. وأن الادعاءات والانتقادات قد لا تكون سببًا كافيًا للمقاطعة..

كل هذا صحيح. لكن ان يخرج علينا البعض ويتهم كل من له كلمة نقد على قطر، وعلى ظروف العمل التي اودت بأرواح حياة الاف الأشخاص (إذا صحّت الأخبار)، في ظروف عمل تشبه العمل في بناء الاهرامات أيام الفراعنة، أو ظروف العمال الاجانب عمومًا، بانه مطبع أو صهيوني أو متآمر أو حسود الخ من التهم، فهذا إشكالي.

طبعًا هناك ما يصم الاذان إذا اتى النقد مثلا من دولة مثل إسرائيل او السعودية، أو أمريكا، لأن النقد في هذه الحالة قد يكون كلمة حق يراد بها باطل، ويكون المنتقد غير معني بحقوق العمال أصلًا ولا يقيم وزنًا للكرامة الإانسانية وينتهكها يوميًا. لكن علينا مع ذلك ان ننتبه لعدة امور في هذا السياق:-

أولًا: أن من يرد على هذه الانتقادات باعتبارها كلمة حق يراد بها باطل، قد يكون نفسه يقول كلمة حق يراد بها باطل. لان هذه التهمة جاهزة دومًا (تهمه انه لا يحق لكم انتقادنا لأن سجلكم في حقوق الإنسان غير مشرف) وأكثر من يرددها هو إسرائيل نفسها في كل مرة تتعرض للانتقاد (وكذلك سوريا وإيران ومصر وكوريا وغيرها). يطلعون علينا ليقولوا لنا أن الدول التي تنتقدهم لا تستطيع ان تعلمهم دروسًا في حقوق الإنسان. في الحقيقة لا توجد دول محصنة من هذه التهم لأن معظم الدول إما أن تاريخها تاريخ كولونيالي وإما هي دول حاضرها قمعي. بالتالي لا توجد تقريبًا دولة يحق لها أخلاقيًا- حسب هذا المنطق- انتقاد أي دولة اخرى أو أن تعلمها دروسًا في حقوق الإنسان. حسب هذا المنطق "كلنا في الهوى سوا وما في حدا أحسن من حدا". لكن السؤال هو إذا ما كانت هذه نتيجة نرغب فيها وهل هذه نتيجة مرضية، وبالأخص لنا كفلسطينيين. لأن هذا يعني غياب المعايير في الحكم على الامور وأن الكل يعمل  بسوء النية وبدافع الحسد! والشاطر ينجح!!

ثانيًا: صحيح أن هناك دول حسودة كانت ترغب في استضافة المونديال لكنها  ممكن ان تكون قد فشلت، ولا نعرف الأسباب، لكن واضح انه لا علاقة  لنجاح قطر في استضافة كاس العالم بالإنجازات الرياضية التي حققتها. وقد تكون هذه الدول على راس المحرضين ضد قطر. لكن قد يكون هناك منتقدون لأسباب أخرى من بينها شروط العمل وشروط المعيشة للعمال الأجانب عمومًا والذين يصل عددهم إلى الملايين وهم محرومون من أبسط الحقوق (ولست خبيرًا في الموضوع على أية حال) وعليه يجب عدم خلط الأمور. ماذا سيقول المدافعون عن قطر لو أن منظمة العمل الدولية مثلًا انتقدت شروط العمل؟ هناك فرق بين انتقاد المنتقدين- بسبب سوء نيتهم وحسدهم وعنصريتهم في كثير من الأحيان، وبين الانتقال للدفاع عن قطر وتعاملها مع غير المواطنين. من الطبيعي ان تستغل منظمات حقوق الانسان والأاقليات والمهاجرين حدثًا من هذا النوع للفت الانتباه لخروقات معينة لحقوق الانسان، وقد حدث الأمر في السابق وقد يحدث لاحقًا وأحيانًا يساء استعمال ذلك، لكن هذا جزء من اللعبة.

ثالثًا: اتهام الدول العربية الأخرى بتحريضها ضد قطر لكون هذه الدول مطبعة مع إسرائيل مثير للاستهجان على أقل تقدير، لأن الأمر يوحي بان قطر دولة مواجهة او غير مطبعة، علنًا وسرًّا. ليس هناك حاجه للعودة للتاريخ كي نعرف من فتح أبوابه لإسرائيل بداية منذ منتصف التسعينيات. صحيح، الامارات خطت خطوات أبعد وتحالفت مع إسرائيل استراتيجيًا، وقطر لم تفعل ذلك. صحيح جدًا. وهذا فرق يجب الانتباه إليه. لكن علينا أن نعي انه ليس من المطلوب من قطر أن تقوم بتطبيع على مستوى أعلى مما هو عليه الان، لأن الدور المناط بها اقليميًا في هذه المرحلة يختلف جوهريًا عن الامارات، ويقضي بالإبقاء على الخطوط مفتوحة مع الجميع: حماس، اليسار، المثقفين، النصرة، الإخوان… وحتى تبقى الخطوط مفتوحة هناك حدود للتطبيع العلني مع إسرائيل. صحيح أن هناك فرق بين قطر والسعودية ومن الممكن أحيانًا الاستفادة منه هنا وهناك، لكن هذا فرق لا يعول عليه سياسيًا للمدى البعيد أو استراتيجيًا على الإطلاق.

فقطر ليست مصر وتميم ليس عبد الناصر!

 

(الصورة من "شينخوا")

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب