news-details

قم للمعلم، لمناسبة يومه العالمي| د. محمد حبيب الله

"لو مت وبعثت من جديد لاخترت أن اكون معلّمًا"، هذه الجملة قالها المربي الفلسطيني "خليل السكاكيني" الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين ولكنه لا زال يعيش في أذهان وقلوب من تعلموا على يديه وتعلموا في كتبه المسماة "الجديد في القراءة العربية"، والتي شاع اسمها بين تلاميذه ومريديه، ولاحقًا على أَلسِنة كل من تعلّم في هذه الكتب باسم "كتاب راس روس"، والتي بناها السكاكيني على أسسٍ تربويّةٍ سبق فيها عصره، وتعتبر اليومَ "حديثة" لأنه وضع لكل كتابٍ مرشدًا للمعلم كما تتطلبه اليوم المناهج الحديثة، وقد راعى في البناء التعليمي للكتاب وضع تمارين بعد النص تثير التفكير وتراعي مبادئ فهم المقروء كما هو الحال اليوم.

 كان السكاكيني معلمًا ومفتّشًا وكانت له آراء ونظريات تربوية جعلته يقف على رأس أصحاب الفكر التربوي الحديث ليس في فلسطين آنذاك بل في العالم العربي أجمع. لقد آمنت بهذه المقولة وانطبقت عليَّ في حياتي معلمًا ومرشدًا ومؤلفًا لكتب في تعليم القراءة. لا زلت أذكر القصيدة التي قالها أمير الشعراء أحمد شوقي في المعلم والتي شاعت وكان مطلعها:

قم للمعلمِ وفّه التبجيلَا

كاد المعلم ان يكون رسولَا.

لقد كنت ولا زلت حاملًا الشعار "قم للمعلم". أقول هذا اليومِ، بمناسبة يوم المعلم العالمي وفي وقتٍ نعيشه اليوم فيه تزعزعت مكانة المعلم وقل احترامه. لقد كتبت أكثر من مقال في الماضي بهذا الصدد منها المقال "عندما كان للأب كلمة وللمعلم قدسيّة"، وكتبت مقالًا اخر تحت عنوان "عندما قبّل القاضي يد المتهم" (انظر كتابي انسان ان شاء الله)، والمقال الثاني يروي قصة المعلم الأردني الذي اشتكاه أهل صبيٍّ كان قد ضربه هذا المعلم، وقبل أن يصدر القاضي الحكم قام من كرسيّه وتوجه نحو المتهم وقبّل يده، وأمام استغراب الناس من تصرّف القاضي رجع إلى كرسيّه وقال: هذا المتّهم كان معلمي ولولاه لما وصلت إلى هذا المنصب الذي أنا فيه اليوم.

لقد قرأت هذا الأسبوع قصّةً أخرى شبيهةً عن بائع جرائد كان يفترش جرائده في مدخل القاعة التي كان سيتم فيها تكريم كبير مستشاري القلب في المستشفى الملكي في لندن، وقد استوقفه أمام القاعة منظر بائع جرائد كبير السن، فتذكّر أن هذا الانسان كان معلّمَه قبل سنين وعندما نوديَ لاستلام شهادة التكريم قام من مكانه وبدلًا من أن يتوجّه للمنصّة توجّه إلى خارج القاعة والناس تنظر إليه في ذهول، واقترب من بائع الجرائد وتناول يدَه وأخذه إلى الداخل والبائع يرجوه أن يتركه بقوله: "انا مش رايح أفرش الجرائد مرة ثانية هنا"، إلا ان الدكتور المُحتفى بِه أدخله إلى القاعة بالرغم من مقاومته له واخذه أمام جمهور الحاضرين وهو يعانق ويقبل رأسه قائلًا: "انا تلميذك يا أستاذ خليل...كنت الأول في صفي وكنت تشجعني دائما". وعندما تناول الوسام قلّده لبائع الجرائد وقال: هؤلاء هم من يستحقّون التكريم، والله ما ضعنا وتخلّفنا وجهلنا إلا بعد اذلالهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم ورسالتهم السامية.

أسوق هاتين القصتين للقرّاء، معلمين وآباء وبمناسبة يوم المعلم العالمي كما ذكرت ذلك آنفًا، عسى ان يتذكر الناس دائمًا قيمة المعلم، وعسى أن تعود للمعلم مكانته واحترامه، وان يكون المعلمون معلّمين ومربين حقًّا، ويليق بهم الاحتفال بتخصيص عيدٍ سنويٍّ لهم في الخامس من شهر تشرين الأول في كل العالم.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب