news-details

كتاب «الجمهورية» لأفلاطون كرائعة الفكر الفلسفي والسياسي

إنّ كتاب «الجمهورية» (380 ق.م.) لأفلاطون هو رائعة الفكر الفلسفي والسياسي، الذي يتناول ويسأل أسئلة حول المجتمع ما زالت تُبحَث وتناقش في أيامنا هذهِ. إنّ محادثة أفلاطون المُتَخيّلة عن طبيعة العدالة في جمهورية مدينة كانت قد اسْتُلْهِمَتْ عن طريق تجربته المفعمة بالجروح لظُلم الدولة.

وُلِدَ أفلاطون (348-428 ق.م.) في أثينا، حيث أصبح تلميذًا لسقراط، أحد الآباء المؤسسين للفلسفة الغربية. وعندما انتقد سقراط الحكومة الأثينية، حُوِكمَ بِتُهَم مُلَفّقة كاذبة في محكمة كنغرية (محكمة لا تُراعى فيها قوانين)، وتمَّ الحكم عليهِ بالموت. وقد شهد أفلاطون الأيام الأخيرة لمعلّمهِ سقراط بحيث جعله مشمئزًّا من الظلم الصادر عن الدولة مما أدّى بهِ الى ترك أثينا باحثًا عن مجتمعات أكثر انصافًا وعدالةً. وقد كتب كتاب «الجمهورية» بعد عودتهِ.لقد أخذت كتابات أفلاطون بشكل عام طابع الحوار السقراطي – بمعنى المحادثة الخيالية كما لو كان سقراط يخوضها. إنّ سقراط، الشخصية المركزية في كتاب «الجمهورية» يسأل سؤالًا حيال رفاقه ويتماثل ويتطابق معيّنًا عيوبهم ونقائصهم في إجاباتهم.وهذه العملية تتكَرّر 

لغاية، كما هو مأمول، أن يتم الوصول الى إجماع حول حقيقة لا عيب ولا خلل فيها. وفي كتاب «الجمهورية» السؤال هو «ما هي العدالة ؟». 

إنّ كتاب «الجمهورية» يتضمن احدى قصص أفلاطون الرمزية الاستعارية والكنائية الثابتة – النار في الكهف. تصوَّر وتخَيَّل بعض السجناء الذين قضوا كل حياتهم في كهف، مقيدين بالسلاسل والأغلال بحيث يواجهون فقط جداره الخلفي. إنهم يشاهدون أشباحًا وظلالًا ملقاه على الجدار بواسطة نار مخيّم ويتخيّلون الأشياء التي من المُحتمل أنّها صنعتها. إنّ الاشباح والظلال هي الواقع الوحيد للسجناء.

ولكن لنفترض أنّ أحد السجناء أُطلق سراحه وتحرّر من الكهف. إنّه الآن يمكنه أن يرى النار والأشياء الحقيقية، مع أنه لا يستطيع في البداية أن يقبل واقعهم وحقيقتهم بالمقارنة مع الأشباح والظلال التي تعوَّد عليها. بتركهِ الكهف، يجد واقعًا وحقيقةً متوازنة شديدة في ضوء النهار اللامع، وأخيرًا يرى الشمس نفسها، الرمز النهائي للطيبة والصلاح. وبعودتهِ الى

الكهف، يُصاب الآن بالعمى بواسطة الظلام، لكنه حرفيًا قد إستنار. إنّه فيلسوف الآن، مع واجب أن يتقاسم ويشاطر النور. 

إنّ أفلاطون يقوم بالتمييز بين الظلال والأشباح وبين الأشياء، والذي يحاكي التمييز بين الأشياء المجرّدة أو الابنية والتراكيب الاجتماعية والصور أو الأشكال المثالية أو الأفكار التي تحاول أن تمثّلها. إنه عمل الفيلسوف ليتماثل ويطابق هذهِ المُثُل.

إنَّ المناقشة والبحث السقراطي يجري طبيعيًا من العدالة الى طبيعة الصالح العام،والى حقوق ومسؤوليات الدولة ومواطنيها. وبالفشل بايجاد نموذج أو مثال حقيقي لمجتمع عادل صحيح، فإنَّ سقراط ورفاقهِ سرّعوا في بناء مدينة – دولة افتراضية مِن الرسم المحفور كتابةً. ويكون الزعيم أو القائد، في تصوّرهم، الملك- الفيلسوف. إنَّ الأكثر أهمية من خلاصة كتاب «الجمهورية» هو عملية أو قيمة بحث ومناقشة الأفكار. ويمكن القول أنَّ كتاب «الجمهورية» تاريخيًا وفلسفيًا هو العمل الأكثر تأثيرًا من نوعه منذ كتابتهِ والذي ما زال يُقرأ الى أيامنا هذهِ.

وهكذا، فإنَّ كتاب «الجمهورية» هو رائعة أفلاطون، ليس فقط بسبب أنّه يقدِّم دفاعًا مُدهِشًا عن مفهوم الكاتب حول الدولة المثالية، لكن أيضًا لأنّه يعطينا الصورة الباقية والمقنعة لسقراط كفيلسوف ناقد ومُبدع ومبتكر. ومع أنَّ النقاش أو الجدل البَنّاء لهذا الحوار يأتي من فم سقراط، فإنّه من المأمون القول والافتراض بأن الكثير من الفلسفة في هذا الكتاب هي أفلاطونية الأصل. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن الطريقة هي سقراطية، لكنّ المضمون قد زوّده أفلاطون نفسه لقرّاء كتابهِ ومتلّقي أفكارهِ.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب