news-details

كيف يحوّل التخطيط العمرانيّ أراضينا من قيمة اجتماعية لسلعة تجارية؟!

                                                     

تشكّل الأرض بالنسبة للمواطنين العرب في البلاد، كما لكثير من المجتمعات الأصليّة في العالم، قيمة معنويّة واجتماعيّة وتربويّة أكثر من كونها موردًا محسوسًا. تعتبر الأرض مركّبًا اساسيًّا لهويتنا ولرؤيتنا ولمكانتنا. رسمت الأرض الكثير من عاداتنا وأعرافنا ومن نمط حياتنا وعيشنا. للأرض أيضا بعدٌ وطنيّ يميّز علاقتنا كأقلية عربية مع الدولة التي تعرّف نفسها كدولة يهودية وديموقراطية.

ومن المتعارف عليه في أدبيات التخطيط، أنّ التخطيط العمراني هو وسيلة غربيّة تستعملها الأنظمة الاستعمارية من أجل السيطرة على أرض المواطنين الأصلاء. يعبّر التخطيط عن عقلية القوّة المستعمرة التي لا تربطها علاقة أصيلة بالأرض التي تم استعمارها والتي تهدف الى افقاد المجتمع الاصليّ علاقتة بالأرض. تتمثل هذه العقلية بالتعامل مع الأرض كمورد ماديّ لا كمورد اجتماعيّ معنويّ والتعامل معه كأداة للسيطرة وليس كقيمة اجتماعيّة. وفي سبيل ذلك، لا يراعي التخطيط العمرانيّ مدى ارتباط المجتمع الأصليّ بالأرض، وبدون أيّ وازع من ضمير يقوم بترحيل السكان الاصليّين من أرضهم ويختلق لهذه الغاية حججًا تخطيطيّة. ولهذا فان للتخطيط العمرانيّ دورًا كبيرًا في إسقاط القيّم المعنوية والتربوية للأرض وقيمتها ودورها من جهة اصحابها.

ولا يختلف التخطيط العمرانيّ الذي انتهجه دولة إسرائيل مع المجتمع العربي في البلاد في إسرائيل عن العقلية المذكورة، بل يلعب التخطيط العمراني دورا مضاعفا: إفقاد المواطن العربي أرضه، وتحويل المجتمع العربي من مجتمع أصليّ محافظ مربوط بالأرض الى مجتمع عصريّ وتجاريّ يعتبر الأرض سلعة تجارية. وفيما يلي بعض الأساليب التي تميّز هذا المنهج:

أولًا- مصادرة الأراضي وعدم تنظيم الأراضي الزراعية لتتحول الأرض من مورد متاح ووفير لمورد نادر وباهظ الثمن يكون من نصيب الأغنياء وحدهم، ولتصبح قيمة الأرض بسبب شحها قيمة اقتصادية فحسب.

ثانيًا- تخطيط البلدات العربية وفق نمط حياة غربيّ كالسكن في عمارات مشتركة متعددة الطوابق والشقق كما في المدن اليهوديّة.

ثالثًا- التخطيط بمنظومة توحيد الأراضي الخاصة وإعادة تقسيمها بين أصحابها وفق الفرق بين سعر الأرض قبل التخطيط وبعده، وهو معيار ماديّ واقتصاديّ صرف، ودون مراعاة القيم والحدود الاجتماعية المتعارف عليها بين أصحاب الاراضي.

رابعًا- اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الخاصة للمرافق العامة والترويج لذلك من خلال معايير اقتصادية أبرزها الادعاء ان مالك الأرض هو الرابح اذا ما قارنا سعر أرضه قبل التخطيط وهي زراعية وسعرها وهي للبناء بعد التخطيط.

خامسًا- التخطيط دون مراعاة مطالب ورغبات أصحاب الأراضي ورؤيتهم لِما هو مناسب لتخطيط اراضيهم وفق عاداتهم وتقاليدهم الموروثة، وبهذا إبطال سيادتهم على ارضهم.

 سادسًا- التعامل مع الأرض بمنظار ما فيها من حقوق بناء. أي أنّ الأرض تقاس بقدرتها المستقبلية على البناء حسب نسبة مئويّة تحدّدها مؤسسات التنظيم والبناء، وهو ما يحوّل الأرض من مورد ملموس يحسّ على أرض الواقع لمورد غير ملموس يستشعر من خلال تخمينات عقارية افتراضية.

  المراد إذن من التخطيط العمراني المفروض على البلدات العربية ان نتعامل مع أراضينا كسلعة تجارية دون معانيها الاجتماعية والتربوية والوطنية وأن نصبح مجتمعًا لا تربطه بالأرض سوى علاقة اقتصادية، وعلاقة خسارة او ربح ماديّ. علينا أن لا نغفل هذا الجانب حين نتعامل مع التخطيط في البلدات العربية، وأن لا نتعامل معه كعملية هندسية عاديّة. نريد التخطيط لبلداتنا، ولكن ليس بكل ثمن، وليس من خلال افقادنا لهويتنا ومكانتنا كأقلية اصليّة وليس من خلال إبطال دور الأرض في الحفاظ على هذه الهوية الأصيلة.

 

*يحمل درجة الدكتوراة في القانون من جامعة تل ابيب

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب