news-details

لا حماية لقوة الحماية في الخليج

سياسة الدول الاستعمارية في المنطقة العربية والخليج لم تتغير منذ ان اضطرت هذه الدول الى الجلاء عن المنطقة وحتى يومنا هذا، وانما اتخذت تجليات مختلفة لكن جوهرها وهدفها كان ولا زال الحفاظ على نفوذها ومصالحها في هذه المنطقة ذات المركز الاستراتيجي الهام في العالم والغنية بثرواتها النفطية. وانطلاقًا من هذا انتهجت هذه الدول سياسة تمكنها من استمرار فرض سيطرتها على ما يجري من تطورات في المنطقة، مستغلة كل الوسائل الممكنة وبضمنها المغامرات العسكرية العدوانية بشكل مباشر ومكشوف او من خلال ادواتها وعملائها في المنطقة وبدعم كامل منها غير آبهة بما يلحق بشعوب هذه المنطقة من ويلات ومآسٍ وفي كل مرة تنجح في إيجاد المبرر وتنجح أيضًا في إيجاد الحلفاء. وتاريخ منطقتنا حافل بالأمثلة.

لقد نجحت الامبريالية، على مدار عشرات السنين، في كسب ولاء وخنوع الأنظمة الرجعية التي نصبتها في المنطقة العربية لتنفيذ كل مخططاتها الابتزازية والعدوانية وفي مقدمة ذلك نكبة شعبنا الفلسطيني وتشريده من وطنه وقيام دولة إسرائيل. فالرجعية العربية، كما وصفها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، إنها غير قادرة على الوقوف مع فلسطين لأنّ الذي يسلّحها هو ذاته الذي يسلّح إسرائيل، وغير مسموح لها إلا أن تكون في صفّ إسرائيل.

ولطمس خطر قيام إسرائيل سعت الدول الاستعمارية الى إقامة حلف بغداد بهدف معلن محاربة المد الشيوعي في المنطقة!! وسقط هذا الحلف بعد الإطاحة بحكومة نوري السعيد في العراق.

وفي العام 1953 قامت المخابرات الأمريكية بانقلاب على محمد مصدق، أول رئيس وزراء إيراني منتخب ديمقراطيا وأعادت الشاه إلى الحكم. وهذا بعد ان قام مصدق بتأميم شركات البترول التابعة لبريطانيا.

تلا ذلك العدوان الثلاثي على مصر بعد ان اعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وفشل هذا العدوان بفعل التهديد السوفييتي. ثم جاءت حرب 1967 التي استهدفت إسقاط نظام عبد الناصر الوطني المناهض للإمبريالية وفشلت هذه الحرب في تحقيق هدفها بعد خروج الشعب في جميع المدن والبلدات المصرية الى الشوارع مطالبين الرئيس المصري بالعدول عن استقالته.

وتوالت الاحداث فحرب 73 واتفاق كامب ديفيد والثورة الإيرانية والحرب العراقية - الإيرانية والعدوان على العراق ومن ثم اجتياح العراق واحتلاله بذريعة مزعومة القضاء على سلاح الإبادة الشامل!! تلا ذلك العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 واحداث "الربيع العربي" والعدوان الاطلسي على ليبيا والحرب على العراق وسوريا واليمن. واليوم تسعى الدول الإمبريالية بمساعدة أعوانها في المنطقة الى اجهاض الثورة في السودان.

هذه الحقائق التاريخية تظهر بشكل لا يقبل الشك حقيقة السياسة العدوانية للامبريالة لفرض سيطرتها على هذه المنطقة بدعم من إسرائيل وأنظمة الخنوع في العالم العربي. وفي خضم هذه الاحداث تدأب الإمبريالية على تعزيز التعاون والتقارب بين مختلف مكونات تحالفها البغيض وتعميق التطبيع فيما بينها خدمة لمخططاتها العدوانية.

والاسبوع الماضي أعلن البنتاغون أن الولايات المتحدة تأمل في إنشاء قوة خاصة لحماية السفن التجارية في الخليج في غضون أسبوعين، وذلك بعد يوم من اتهام بريطانيا لإيران باحتجاز ناقلة تابعة لها.

كما أعلن وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، الاثنين الماضي، أنّ بلاده ستسعى الى تشكيل قوة حماية بحرية أوروبية في الخليج.

في المقابل، اعتبر الناطق باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي أن احتجاز الناقلة البريطانية كان إجراءً قانونيًا ضروريًا لضمان الأمن الإقليمي. وأضاف: نطلب من كل الدول التي تطالب إيران بإطلاق سراح الناقلة، أن تقول الأمر ذاته لبريطانيا التي احتجزت بأمر من واشنطن ناقلة النفط الإيرانية في مياه مضيق جبل طارق بادعاء أنها تنقل النفط الى سوريا في مخالفة للعقوبات الأوروبية على سوريا الامر الذي نفاه وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، مؤكدًا أن هذه الاتهامات لا أساس لها.

يبدو ان الولايات المتحدة وكذلك بريطانيا، التي تستدرجها واشنطن للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، تسعيان الى زيادة تصعيد الأوضاع في هذه المنطقة من خلال حشد المزيد من القوات والأساطيل الحربية فيها وإرسال قوات أمريكية جديدة وكذلك أسلحة متطورة الى الدول الحليفة لها في المنطقة وخاصة السعودية بهدف أعلنته واشنطن: زيادة قوة الردع في مواجهة التهديد الإيراني!! لكن الحقيقة هي ان إدارة ترامب تسعى الى جعل هذه القوات نواه لتحالف دولي عربي تدفع تكاليفه

دول المنطقة العربية وتتستر من خلفه واشنطن للعمل بحرية في الخليج. وهذا ما قد يعزز من تحالفاتها في المنطقة ويحد من تمدد النفوذ الروسي فيها وقطع الطريق على أي وجود عسكري لأي طرف آخر في المنطقة إضافة الى إعطاء ترامب مزيدًا من الحرية في تصدير السلاح الى تلك الدول تجاوزًا لقرارات مجلس النواب والكونغرس.

لكن الجديد في الأمر أن الولايات المتحدة في مغامراتها العسكرية العدوانية حول العالم اعتمدت بشكل دائم على حاملات طائراتها التي تمثل قواعد عسكرية صغيرة يتم تحريكها باتجاه الدولة المستهدفة، الا ان الحاملات تحولت في الخليج،كما يبدو، إلى أهداف إيرانية سهلة.

ونفيًا لادعاء ترامب إسقاط مسيرة إيرانية لاقترابها من إحدى حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج، عرضت إيران فيديو تظهر فيه المسيرة الإيرانية مستمرة في التحليق فوق حاملة الطائرات الأميركية في نفس الوقت الذي كان يدلى فيه بالتصريح وتبدو حاملة الطائرات الأميركية كهدف سهل للطائرات المسيرة الإيرانية.

وللدلالة على صحة هذا القول يكفي ما كشفه قائد القوات البحرية الإيرانية، حسين خانزادي، أمس الأول الثلاثاء، إن إيران تمتلك طائرات مسيرة عابرة للقارات وأن طهران ترصد كل البوارج، وبخاصة الأمريكية، من نقطة انطلاقها حتى دخولها المنطقة، فيما تعجز واشنطن عن رصد جميع القوات الإيرانية في مياه الخليج، متوعدا بمباغتة العدو في أي حرب.

كما ان إيران تمكنت من جعل أهم معبر مائي في العالم، نقطة تفتيش لها وان أسطول المدمرات الغربية الضخم، المرابط في الخليج لم ينجح في عرقلة عمليات الاحتجاز تلك.

ويترافق ذلك مع حديث تسرب عن مجلس الشورى الإيراني حول احتمال فرض رسوم عبور على السفن المارة من هرمز مستقبلًا.

التوتر في الخليج بدأ بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران ومحاولات إدارة ترامب تصفير صادرات النفط الإيرانية بهدف شل الاقتصاد وتجويع الشعب لحمله على الثورة ضد النظام الإيراني وإسقاطه. ويبدو ان النتيجة معاكسة تمامًا، فإيران أظهرت سيطرتها الفعلية على مضيق هرمز وردت على احتجاز بريطانيا لناقلة نفطها باحتجاز نقلة نقط ترفع العلم البريطاني وان الحشود الغربية في الخليج تحت رحمة صواريخها وطائراتها وان الشعب الإيراني، على الرغم مما يواجهه من صعوبات إقتصادية مرتبطة بفرض عقوبات ظالمة وغير قانونية على بلاده ما زال يعي ان أمريكا وإسرائيل هما محور الشر. ويكفي الإشارة الى ما قال ظريف: الجميع يعلم أن بدء الحرب سيكون سهلًا، أما إنهاؤها فسيكون مستحيلًا" وأن طهران لا تسعى إلى مواجهة.

في الصورة: هذا التواجد العسكري الأمريكي هو المشكلة (رويترز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب