news-details

لنا حقٌّ واجبٌ وعلينا واجبٌ حقّ! | ابراهيم طه

 

إذا كان الموت قد وجب، اللهمّ لا اعتراض، فاعتراضي على السبب! وعلى من كان السبب. اللهمّ في عُلاك تقبّل منا اعتراضنا على السبب، وثبّتنا في الحقّ، وعلى قول الحقّ ثبّتنا يا ربُّ في عُلاك! الموت حقّ. وما أقساه من حقّ!  وما أقبحه حين يصير حقًّا بالقتل!  وما أبشعه حين لا يصير حقًا إلا بالقتل. قتلا من كلّ الدرجات يصير، قتلا من الدرجة الأولى إلى الآخرة، قتلا بالترصّد والتعمّد والتعنّت والإصرار.

كان السائق وفقًا للشبهة في المرّتين ابن واحدٍ وعشرين عامًا، بعمر الزهر، السائق الذي قتل عروب حبيب الله وكمال طه. هو القاتل المباشر في المرّتين. غير أنّ القتلة الحقيقيين يصطفون وراءه بالدور لا يقنّعهم قناع ولا يستر عوراتهم ستر. لا عذر اليوم لأهليهم حين تركوهم يعيثون في الأرض مفسدين. البوليس الذي لم يكن حاضرًا يوم قتلت عروب مجرمٌ قاتل. والبوليس الذي طارد السائق يوم قتل كمال مجرم قاتل مثله. القاضي في محاكم السير، الذي يقضي ولا يقاضي، قاتلٌ أيضًا. القوانين التي "تجيز" القتلَ قاتلة. الحكومة التي تشرّع القوانين القاتلةَ مجرمةٌ، بالقوّة والفعل قاتلة. هي الثور الكبير. دماء بناتنا وأبنائنا وأخواتنا وإخواننا في رقبتها الغليظة، أولئك الذين قُتلوا في المرابع والشوارع وفي المزارع والمصانع.       

من قتل عروب قتل أمّها فردوس وقتل أباها حسين وخرّب بيتًا كان يجمّلها للاحتفال بالحياة ويزيّنها للاحتفاء بشباب العمر. من قتل كمال ابن خالي عمر قتل أهله وخرّب بيته الذي عَمَر... الذي كان مرّة قد عمر !  في نفس الساحة التي وقفتَ بها قبل أيام قليلة يا كمال، أنت وصفاء ابنة عمّك خالي خالد، تستقبل ضيوفك في فرح ابنتك، في نفس الساحة بالضبط ودّعك ضيوفك ومنها شيّعوك. ما أقسى هذه المفارقة الرهيبة! قبل أيام أمسكت بيد ابنتك وبالبدلة البيضاء زففتها إلى عريسها. وها هي الآن تشيّعك ملفوفًا بالكفن الأبيض، وقلبها الأبيض مثل الريح يهفو إليك، إلى قبرك الطريّ يتبعك يا كمال. فردوس حبيب الله كفّنت ابنتها بالكفن الأبيض ولفّت فيه خَفْق قلبها ودَفْق روحها. وعقلُها الخافق الذاهل يصرخ، بأعلى الصوت يصرخ وبكلّ الحقّ يسأل ويسائل، كيف يصير الأبيض كفنًا وليس فستانًا يصير؟! كيف؟! اللهمّ لا اعتراض على الحقّ. اعتراضي على من كان السبب. وهذه كلمة حقّ قولها واجب. حين يسير الوالدان خلف نعش الوليدة أو الوليد لا يُبقي منهما الموتُ شيئًا ولا يذر!  لا يبقي ولا يذر! الموت حقّ والقتل باطل. ما أبشعك يا موت حين تصير حقًّا بالباطل! ما أسود وجهك يا باطل! أسود من حَلَكِ الغراب! ما أسود وجهك حين تنعق في الخراب!

لنا عند هؤلاء القتلة حقٌّ، لنا حقّ لا يزول بالتقادم ولا التراكم. حقّنا الواجبُ أن نصرّ على وقف القتل. وعلينا واجبٌ حقّ أن نظلّ نصرخ صرخةَ صريخٍ حتى يناله عدلٌ وإنصاف. لن يفوز بالفضيلة مذنبٌ إلا إذا اعترف. والاعتراف بداية السعي. حقّنا لن يصلنا كاملا إلا إذا أقرّ الجاني بجنايته وإلى إصلاحها سعى بحقّ. وسيظلّ لنا حقّ عندهم كلهم حتى يفعلوا. وإن كانوا لا يفعلون سيظلّ الحساب بيننا وبينهم مفتوحًا حتى يقضي الله أمرًا في عُلاه يومَ "لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا"!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب