(أِلى روحِ الصَّديقِ إِبْراهيم قاسِم أَسَدي) صَديقي! ما كُنْتُ لِأَرى نَفْسي يَومًا أَقِفُ أَمامَكَ، وأَنْتَ المُسَجّى بِدُموعِ مُحِبِّيكَ وحُبِّهِمْ، أَقِفُ أَمامَكَ خاشِعًا صابِرًا أَمامَ مَلَكِ المَوتِ.. خاشِعًا لِإِيمانِي بِأَنَّ البِداياتِ بَدْءُ النِّهاياتِ، وأَنَّ كُلَّ شَيءٍ باطِلٌ زائِلٌ ولا يَبْقى سِوى مُكَوِّرِ الأَرْضِ وباسِطِ السَّماواتِ.. وصابِرًا أَقِفُ أَمامَكَ لِإِيماني وإِيمانِكَ بِأَنًّ هذِهِ الحَياةَ لِلأَقْوِياءِ وَلا مَكانَ فيها لِضَعيفٍ.. أَقِفُ أَمامَكَ وأَنْتَ النّاشِطُ الدَّؤُوبُ فَأَراكَ هادِئًا هانِئًا في رَقْدَتِكَ لِتَعودَ بِيَ الذّاكِرَةُ إِلى لِقائِنا الأَوَّلِ على مَقاعِدِ الدِّراسَةِ في ثانَوِيَّةِ الرّامَةِ العامِرَةِ.. هُناكَ ما بَينَ جِدٍّ ولَعِبٍ رَسَمْنا الحَياةَ قِمَمًا لا يَطالُها إِلّا مَنْ أَنِفَ مِنْ وِدْيانِ الأَرْضِ وقيعانِها، وضَرَبَ الآفاقَ بِجَناحَينِ فولاذِيَّينِ.. وما إِنْ أَكْمَلَتْ سَنَواتُ الدَّرْسِ دَورَتَها حَتّى أَخَذَتْنا دَورَةُ الحَياةِ على أَثْباجِها زَوارِقَ سِنْدَبادِيَّةً تَرْفَعُنا حينًا وتَحُطُّنا حينًا، ولا بوصَلَةٌ لَنا سِوى صَداقَةٍ جَعَلَتْ مِنَ الصَّعْبِ سَهْلًا، ومِنَ الرَّخاوَةِ صَلابَةً. كَيفَ لا يا صاحِبِي وقَدْ عِشْتَ ما عِشْتَ وأَنْتَ الفِلَسْطينِيُّ الماجِدُ، والفارِسُ العَرَبِيُّ الكارِهُ لِلظُّلْمِ حَيثُما كانَ، والمُنْتَصرُ لِلْحَقِّ حينَ لا يَعْدِلُ المِيزان.. وأَنا يا شَقيقَ روحي لا تَثْريبَ عَلَيَّ وعَلَيكَ إِنْ صارَحْتُكَ بِأَنِّي ما خِفْتُ عَلَيكَ يَومًا مِنْ صُروفِ الحَياةِ وغَدْرِها في حَياتِكَ كَخَوفي عَلَيكَ اليَومَ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ وأَنْتَ العاشِقُ لِطَلْعَةِ الشَّمْسِ والمُغْرَمُ الحالِمُ عِنْدَ غُروبِها.. أَخافُ عَليكَ الوَحْدَةَ يا صاحِبَ البَيتِ المُشْرَعِ الأَبْوابِ، فَما كُنْتَ لِتَرُدَّ سائِلًا أَتاكَ طالِبًا جَدْوى، ولا مُحْتاجًا جاءَكَ لِقَضاءِ حاجَةٍ.. ووَاللهِ ما عَجِبْتُ كَاليَومِ عَجَبي مِنْكَ! حَتّى في المَوتِ أَنْتَ السّابِقُ ونَحْنُ اللّاحِقون.. فَانْتَظِرْني يا صاحِبِي! سَآتيكَ إِنْ عاجِلًا أَو آجِلًا.. سَآتيكَ روحًا تُؤْنِسُ روحَكَ، وصَداقَةً ما بَدَأَتْ بِالحَياةِ لِتَنْتَهي بِالموتِ، أَو بَظُلْمَةِ قَبْر..