news-details

ملاحظات على النقاش حول تركيبة القائمة المشتركة

إن النقاش الذي طفا على السطح مباشرة بعد الإعلان عن الانتخابات القادمة هو حول ضرورة إدخال شخصيات أكاديمية في القائمة القادمة ومحاولة الترويج للفكرة القائلة ان الأحزاب لا تمثل جماهيرنا العربية جميعها.

هذا التوجه، وإن بدا في ظاهره نقاشا جيدا يدعو للتجديد ولبدايات جديدة او لبرنامج متجدد إلّا انه يحمل في طيّاته مخاطر كثيرة. قبل التطرق لذلك اؤكد إني أناقش هنا الأفكار وليس الأشخاص، وإنّي متأكد من ان نوايا الذين يطرحون هذا التوجه هي جيدة- وإن كانت منطلقات البعض منهم هي أيضًا منطلقات يوجهها طموحهم الشخصي.

محاولة المثقف ان يتفاعل مع الأحداث في مجتمعه ووضع أجندات مختلفة هي مسألة ضرورية وليست فقط حق للمثقف بل واجبه اتجاه مجتمعه؛ فلا يُمكن للمثقف أن يكتسب هذه الصفة دون هذا التفاعل مع مجتمعه وتطوراته.

لكن المشكلة تكمن في الادعاء المُروّج له بأن الأحزاب لا تمثل الجماهير العربية في البلاد؛ فهذا التوجه هو بمثابة اجهاض لأي مشروع وطني جامع في واقع أقلية قومية مضطهدة، وحتى لو اختلفنا على تقييم أداء الاحزاب السياسية ففي نهاية المطاف العمل السياسي الحزبي هو صِمَام الأمان الذي يضمن شكلا من أشكال التنظيم السياسي لهذه الأقلية، كما انه يُبقي في ذهنية الاقلية ان البقاء لم يكن صدفة او منة من احد بل كان نتاج مسيرة من التضحيات التي قدمها شعبنا من خلال بوصلة سياسية حزبية وإن اختلفت أسماؤها وعناوينها وبرامجها خلال السبعين سنة الفائتة.

إن الترويج والتسليم مع فرضية ان الأحزاب فشلت وتعميق الوعي بضرورة إنقاذنا من خلال أسماء نجوم، هي ضربة للوعي السياسي بالصميم- ضربة تربّي أجيالا منقطعة عن أداء الأحزاب وفكرها وأجنداتها التي، في نهاية المطاف، هي الثابت في المشهد وليست الأسماء وإن كانت قامات عالية وهامات نفتخر بها.

هذا التوجّه خطير أيضا لأنه ينسجم مع الوعي الزائف الذي حاولت المؤسسة تعميقه وللأسف نجحت بذلك نسبيًا منذ منتصف التسعينيات الى اليوم، والقائل ان "الأحزاب لم تهتم بقضايانا ولم تستطع إعطاء الأجوبة" وكأنها هي المسؤولة عن إعطائها فذلك لإبعاد الناس عن العمل الحزبي والسياسي وإفشاء حالة من اليأس والإحباط.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى جرأة توجهات بعض الأشخاص الذين عملوا دائما خلال العشر سنوات الاخيرة على الانتقاد الدائم وحتى احيانا على التحريض ضد القيادات العربية، وهكذا وقعوا بالفخ وساهموا بصناعة الوعي الزائف الذي ارادته المؤسسة وهذا تجلى في عزوف أكثر من نصف شعبنا عن المشاركة في الانتخابات.

وأنوه الى أن اداء الأحزاب او بعضها في بعض المحطات ساهم مساهمة واضحة للعيان في إفشاء نفس حالة الإحباط التي نتحدث عنها!

هذا التوجه خطير أيضا لأنه يتماشى مع بعض الأفكار التي رُوّج لها في السنوات الأخيرة وهي خصخصة العمل السياسي، حيث نرى مقترحات لتمثيل مناطق جغرافية او مجالات عمل او شرائح مجتمعية. ان هذا التوجه وإن طُرح بشكل بريء فإنه يضرب العمل الجماعي وينسف الرؤية الجماعية الجامعة ويصبح الحديث عن خصخصة الهموم العامة ويصبح مشروعنا مشروع هموم مناطقية او مجموعات سكانية.

التوجه خطير أيضا لأنه يغفل حقيقة هامة وهي ان دور المثقف الأكاديمي في واقع الاقلية المضطهدة هو اكبر بكثير من عضوية الكنيست! إن عضوية الكنيست هامة وهي محاولة منا لأن نكون في ساحة اتخاذ القرار لنبقى نُسمع صوت الاقلية عاليا وان نبقى نلعب في داخل الملعب لنراكم الإنجازات ونبقى ننتظر الفرصة لنضع وزننا النوعي لننجز أهدافا نوعيه تُسجل كمحطات هامة في مسيرة بقائنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه.

ولكن الكنيست ليست كل شيء وإن المثقف الأكاديمي، الأديب، المؤرخ، العالِم والطبيب في سياق أقلية قومية مضطهدة له موقعه وتأثيره ومساهمته في تطورنا، كل في موقعه ومجاله. الطبيب الفلسطيني الذي يحقق الإنجازات في مستشفيات اسرائيل ويحتل المواقع الهامة هو صاحب انجاز ليس فقط على الصعيد الشخصي بل هو صاحب انجاز على الصعيد الجماعي الوطني، مثله مثل العالم او الأديب او المؤرخ.

مَن مِنا يَذكر أميل حبيبي عضو الكنيست الذي كان عضوا في الكنيست الاسرائيلي لأكثر من دورتين؟ كلنا نذكر القائد الأديب الذي بقلمه كان قائدا وساهم في سيرورة بناء اقلية قومية ومشروع جماعي وطني. مَن منا ينسى القامة الوطنية الأممية المفكر إميل توما الذي سَّخر فكره لحماية تاريخ القضية الفلسطينية وصاحب اهم الوثائق التي حدّدت ملامح هذه الاقلية، ومنها وثيقة المؤتمر المحظور! من منا لا يذكر محامي الأرض حنا نقارة صاحب مئات المعارك وعلى رأسها معركة الهويات.كثرٌ هم أصحاب الأقلام والفكر والمهن والمثقفين الذين كانوا أصحاب أدوار مفصلية في معارك الصمود والبقاء.

واليوم عندما اصبحت هذه الاقلية تحتضن آلاف المثقفين والأدباء وأصحاب الفكر والذين يقومون بدور هام، علينا ان نراهم يدخلون في أحزابنا السياسية أفواجا ليجددوا ويزيدوا من ثقة الناس بالعمل السياسي وبأجندات الأحزاب بعيدًا عن ثقافة النجومية والشخصنة؛ والأهم، أن يساهموا في مواقعهم ومجالاتهم في تدعيم البقاء الذي ما زال مهددًا في واقع تزداد فيه العنصرية وفاشية المؤسسة الاسرائيلية.

هذا لا ينفي أيضا إقامة أحزاب جديدة وأجندات متجددة من حيث المبدأ إذا رأى البعض ان الأحزاب القائمة لا تعُبر عن آرائه أو رؤياه. لكن الأصل بالمشهد أن يكون تنافسا حزبيا وأجندات سياسية بعيدا عن الشخصية. إن اردنا اجيالنا القادمة محصنة قدر الإمكان فعلينا ان نعزز بينهم ثقافة العمل الحزبي والسياسي الجماعي الموجهة بأجندات ومشاريع سياسيه جامعة. تذهب شخصيات وتأتي أخرى وتبقى الأحزاب وبرامجها هي الأصل وهذا هو الحال عند شعوب العالم كلها، فكم بالحري عندنا والمؤامرات ضدنا ضد جهاز المناعة المجتمعي والسياسي تُحاك من كل حدب وصوب.

المرحلة تاريخية والمهمة وطنية... نحو بناء قائمة مشتركة للأحزاب الاربعة وتحويل مشاركة الناس في الانتخابات القادمة لمهمة وطنية من الدرجة الاولى والانطلاق بعدها لبناء مشروع سياسي متجدد.

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب