news-details

ميخائيل بن زكري وختام عوض: الانسان في صورته الاولى | باسل ترجمان

لا أحد منا يمكن ان يعرف بماذا فكر لحظة القى ميخائيل بنفسه في مياه البحر لإنقاذ ثلاثة أرواح بشرية كادت أن تغرق، قبل ان يفارق الحياة تاركاً وراءه عائلة من زوجته وابنائه الثلاث ستبقى للأبد تذكر هذه البطولة، تماماً مثل الطبيبة ختام عوض مسؤولة قسم مكافحة فايروس كورونا في مستشفى "رمبام" في مدينة حيفا حيث عملت لشهر كامل بشكل متواصل سبعة أيام في الأسبوع لإنقاذ حياة المرضى، دون ان تفكر للحظة من هو هذا المريض، الطبيبة التي تركت بناتها الصغيرات وبيتها؛ جسدت بقرارها الذي تحدى الخوف من الموت بالفايروس القاتل إنسانية الانسان التي تغيب كثيراً عن عقولنا في صراعات السياسية التي تفرق دائما ولا تجمع.

زحمة الصراع بين الفلسطيني والاسرائيلي المتواصل اقصت الكثير من المتصارعين عن واقع الحياة البسيطة وغيبت عن عمد إرادة الانسان وانه في لحظة الحقيقة الوحيدة يختار انسانيته عن بقية القناعات المُقحَمة والافكار المسيسة التي خالفت وستخالف فطرة الواقع الاول الذي غاب عنا وغبنا عنه.

هل يمكن ان تشكل اللحظات الانسانية المُتحررة بوابة لفتح حوار للسلام بين الانسان الفلسطيني والاسرائيلي بعيداً عن النزاع والسياسية، وكيف يمكن لها ان تسهل حواراً بين طرفين يعتبر كل منهما الاخر خصماً لا مجال لبقائه كما يريد في المشهد.

بين الفلسطيني والاسرائيلي علاقة مقعدة جدا تتجاوز السياسي والصدام العسكري ورفض الأخر ورفضه، لواقع يفرض على الجميع ان يكسر حاجز الفكرة التقليدية في رؤية الصراع واستمراريته إلى ما لا نهاية، فكيف يمكن ان تنفي الاخر مهما كانت قوتك وانت تتقاسم معه كل شيء؛ سؤال لا يجد أحد منا سبيلا للإجابة عليه خارج إطار الردود المعلبة فلسطينياً أو إسرائيلياً وحتى في العمق العربي للقضية والدعم والمساندة الدولية الكبيرة لفلسطين، وفي عمق التعاطف الاميركي والاوروبي مع إسرائيل يقف الجميع أمام العجز عن كسر هذا السائد الفاقد لقدرة تجسيم المعنى لدى الطرفين على الارض.

هل يمكن الحديث اليوم في ظل تصاعد التطرف العنصري في إسرائيل عن امتلاكها القدرة على نفي الاخر وتدمير حلمه بالحياة مثله مثل بقية شعوب العالم في دولة قابلة للحياة حرة مستقلة، أم ان اسرائيل اليوم وغدا ستبقى عاجزة عن قبول العيش بسلام وهل ستمتلك المقدرة على استمرارها بنفس النهج إلى ما لانهاية اسئلة تحتاج شجاعة لا حسابات فيها.

لم تكن شجاعة ميخائيل بن زكري وقرار الطبيبة ختام سوى حلقة من حلقات إنسانية كثيرة يعيشها الناس كل يوم في علاقاتهم ببعضهم البعض وتتجاهلها المنابر ولا يتحدث عنها احد. وكأن هؤلاء اتخذوا قراراً بالتعايش الانساني بسلام بعيدا عما تنتجه مصانع التطرف والحقد والعنصرية، أمسى من الهام اليوم ان يكون هذا التعاطي الانساني بوابة باتجاه صنع فكرةٍ تقود لحوار مختلف يصون الحقوق دون ان يضع الاخر في اطار النفي والإنكار ويكسر خطاب الكراهية بعيداً عن المثالية والوهم وينطلق من حقائق الحياة البسيطة التي تتجسد أولاً وأخيراً بإنسانية الانسان وليس بعنصريته.


(تونس)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب