news-details

ميخائيلي "تفوز" بمهمة إطفاء أضواء آخر مكاتب حزب "العمل"

كان مشهد الانتخابات لرئاسة حزب "العمل" أمس الأحد، ساخرا إلى أقصى الحدود، فهذا الحزب الذي انفرد في الحكم الإسرائيلي على مدى 29 عاما، وخاض كل الحروب التوسعية، وزرع الاستيطان، ووضع وعمّق كل السياسات العنصرية ضد جماهيرنا العربية، وهو من وضع القاعدة لظهور عصابات الإرهاب الاستيطانية، بدءا من البؤرة الاستيطانية في الخليل عام 1968، يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة؛ أما "الرئيسة" المنتخبة، ميراف ميخائيلي، فهي لن تكون سوى المكلفة بإطفاء آخر الأضواء في آخر مكاتب هذا الحزب، الذي لم يعد يلتفت له أحد، ملقى كجيفة على قارع الشارع السياسي الإسرائيلي.

فبعد كل سلسلة الضربات التي تلقاها الحزب في الجولات الانتخابية الثلاث، وجد 37 ألف شخص ما زالوا مسجلين فيه. وإذا فحصنا قوائم الأعضاء، سنجد قسما كبيرا منهم من قدامى الحزب، الذين يعتبرون أن استمرار عضويتهم في هذا الحزب "جزء من نوستالجيا صهيونية قديمة". وقد يكون منهم أيضا، من نسي أمر الدفع الثابت في البنك لعضوية الحزب، وقلة قليلة منهم تبني على أوهام استنهاض الحزب مجددا.

فقط 8500 شخص من أصل 37 ألف عضو، بمعنى 23% من المسجلين شاركوا في انتخابات رئاسة الحزب، التي وجدت 7 أعضاء مستعدين للمنافسة، أبرزهم النائبة ميراف ميخائيلي، التي حازت على 77% من الأصوات، و19% حاز عليها منافس آخر، يقال إنه مستثمر، وصاحب رأس مال، والباقي 4% توزعوا على المنافسين الخمسة الآخرين، بينهم نجل يوسي بيلين، الذي حاز على 2%، وكما يبدو فهذا موروث خيبات والده.

واستكمالا لهذا المشهد الساخر، قد نتخيل أن ميخائيلي لم تنم الليلة الماضية، ليس فرحا بانتخابها المعروف سلفا، بل وهي تفكر بمن سيقبل بها في قائمته، إذ أن استطلاعات تمنح حزب "العمل" حوالي 1,8% من الأصوات، بمعنى حوالي نصف نسبة الحسم المطلوبة، 3,25%. فحتى الحزب الذي يجري الحديث عنه، "هيسرائيليم"، الذي أقامه رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، مهدد هو أيضا، بعدم اجتياز نسبة الحسم في بعض الاستطلاعات، ولذا هو يفاوض حزب "يش عتيد" بزعامة يائير لبيد، لإقامة تحالف بينهما.

وقد تجد ميخائيلي صعوبة في إيجاد من يقبل بها سريعا في قائمته، رغم أن هذه النسبة الضئيلة، قد تكون خشبة خلاص ينخر فيها السوس، لاجتياز حاجز نسبة الحسم.

السياسة تبقى سياسة، لا توجد فيها عواطف، والشماتة لا مكان لها، لأن من خلف حزب "العمل" هم أشد سوءا، ومهّدوا لمن هم أشد خطورة، ولكن كل هذا التطرف، الذي وصل الى حد الإرهاب السلطوي، الإرهاب الميداني المدعوم من أجهزة الحكم الإسرائيلي، زرع بذوره حزب "العمل" بكافة تسمياته منذ العام 1948.

فهذا الحزب هو نتاج العصابات الصهيونية الإرهابية الأكبر، التي ارتكبت الجزء الأضخم في مجزرة النكبة، وحاربت عصابات إرهابية أخرى، لأنها لم تكن تريد من ينافسها على ارتكاب المجزرة والاقتلاع والتهجير والتدمير، وسلب ونهب الممتلكات والأراضي، وكل ما يدل على هوية فلسطين.

إذا وجدت ميخائيلي من يقبل بضمان مقعدها في الولاية البرلمانية المقبلة، فقد تكون هذه الولاية الأخيرة التي سيظهر فيها اسم حزب "العمل" في الخارطة البرلمانية الإسرائيلية.

مع التأكيد على كل ما سبق، نقول إن هذا الحزب سجّل في مطلع سنوات التسعين تقلبات سياسية، كان من الممكن أن تنقله الى مسار آخر، مختلف نوعا ما، وإن كان بشكل محدود، هذه التقلبات التي انعكست من تقلبات في الشارع الإسرائيلي على وقع انتفاضة الحجر الفلسطينية الباسلة، التي انطلقت في نهاية 1987 ولمدة حوالي 5 سنوات، واستطاعت أن تخترق هذا المعقل السياسي الصهيوني، وأن تقرر مجموعة بارزة فيه وجهة الحزب؛ ولكنها استعانت بالجنرال يتسحاق رابين، كي تطيح بأشد المتحجرين، شمعون بيرس، باني مفاعل ديمونة النووي، ومات بعد 60 عاما من ذلك التاريخ، وهو يدعم مشروع تسلحي أشد فتكا، قائم على "النانو تكنولوجي".

ووجدت تلك الطفرة في حزب "العمل" من يدفنها بسرعة، مباشرة مع اغتيال يتسحاق رابين، الذي قيل إنه لم يكن يقصد الوصول الى حل نهائي مقبول مع الشعب الفلسطيني، ولكنه لربما ذهب خطوة أو أكثر، مما أراده الفريق القديم في حزبه. ولهذا فإن شمعون بيرس مهّد هو أيضا لمن يأتي ويدفن مشروع الحل، الذي بدأ في مسار أوسلو، رغم كل التحفظات والاعتراضات على ذلك المسار.

لم تمر ست سنوات، في العام 2001، بعد اغتيال رابين، حتى بات حزب "العمل" في حالة موت سريري، وهو العنوان الذي اخترته لمقال واسع لي في مطلع العام 2003، أي قبل 20 عاما من الآن، فعملية التنفس الاصطناعي طالت، وشهد الميت صحوات قصيرة المدى، إلا أنه ها هو يقترب من اللحظة الأخيرة، فوضعية هذا الحزب المتهالك لا رجعة فيها، فالمنافسة شديدة، وقواعده الانتخابية تلاشت، وهو لا يمثل شيئا، يبرر ظهوره من جديد على الساحة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب