news-details

نضال سوريين في الجولان المحتل ضد الاحتلال وحفاظا على الهوية نموذج يحتذى || برهوم جرايسي

مرّ قبل شهر من اليوم، في 14 كانون الأول الماضي 2021، ذكرى 40 عاما على قانون الضم، الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على مرتفعات الجولان السوري المحتل. وبعد شهر من اليوم، من 14 شباط المقبل، تحل الذكرى الـ 40 لبدء الاضراب الكبير في الجولان، ضد قانون الضم وفرض الهويات. 
وبعد مرور كل هذه السنين، ونظرا للوضعية السكانية في الجولان جغرافيا، وعدديا، فإن التصدي للتجنيس، يشكل نموذجا يحتذى، وهو من أهم المعارك ضد الاحتلال، الذي سقطت رهاناته على جعل قانون الضم وكأنه واقعا، يعرضه على العالم الذي لم يعترف بالقانون الإسرائيلي، باستثناء إدارة دونالد ترامب الأمريكية، في السنوات القليلة الأخيرة.
إلا أنه منذ الأيام الأولى لسن ذلك القانون، وبدء محاولات اقناع الناس بالحصول على المواطنة الإسرائيلية الكاملة، جوبه الأمر بموقف رفضي صارم، في أكبر القرى مجدل شمس، وقرى مسعدة وبقعاثا وعين قينيا؛ إلا أن الحال كان مخالفا كليا في قرية الغجر، الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، وفي احتلال العام 1967، باتت على نقطة مثلث يشارك فيه الاحتلال الإسرائيلي. 
وفرضت القوى السياسية والقيادات الدينية في القرى الأربع، خطوات حازمة ضد من يتلقى المواطنة الكاملة، من حرمان اجتماعي وديني. لتبدأ المعارك الشعبية بزخم أشد ضد الاحتلال، من أبرزها الاضراب الكبير الذي اندلع في 14 شباط 1982، وخوض معركة الهويات، وأيضا التصدي لاقتحام رئيس حكومة الاحتلال في العام 1986، شمعون بيرس، قرية مجدل شمس، إذ لاقى مظاهرات صاخبة، ومواجهات شديدة، أعقبتها اعتقالات وفرض أحكام قاسية على المناضلين.
مع نهاية كل عام، تنشر إسرائيل إحصائياتها السكانية، وهي تشمل عادة القدس المحتلة منذ العام 1967، ومرتفعات الجولان المحتلة، بموجب قانون الضم الاحتلالي، وفي إطار السعي دائما للفصل في الاحصائيات، دققت هذا العام أكثر في احصائيات السوريين الجولان، من خلال عدد السكان المسجلين في سجلات الاحتلال. 
ثم دققت في أعداد المجنّسين، استنادا الى ذوي حق الاقتراع للكنيست في آذار 2021، ثم أجريت حساب من هم دون سن 18 عاما، من أبناء المجنسين بحسب تقديرات، هي الأقرب الواقع، آخذا بالاعتبار نسبة التكاثر الطبيعي السكاني، وهي متدنية هناك.  
ما توصلت اليه هو أن عدد السوريين في الجولان حتى نهاية العام الماضي 2021، يلامس 27 ألف نسمة، من بينهم أكثر بقليل من 5100 شخص يحملون الجنسية الكاملة، من بين المجنسين ما يلامس 3900 شخص من بلغوا سن 18 عاما.
ولمعرفتنا بالوضع الاستثنائي في قرية الغجر، جرى فحص مسألة التجنيس على مستوى كل واحدة من البلدات، ووجدت أن نسبة التجنيس في قرية الغجر بلغت 83% من اجمالي سكان القرية، بينما معدل التجنيس في القرى الأربعة الأخرى، التي سكانها من العرب الدروز، فإن نسبة التجنيس فيها 12%.
إن نسبة 12% تعد نسبة هامشية، إذا أخذنا بعين الاعتبار قلة عدد السكان، في منطقة شبه نائية، محاطة بالمستوطنات، مقطوعين عن التواصل الفعلي مع الوطن الأم، ويواجهون ضغوطا مستمرة من سلطات الاحتلال للقبول بالمواطنة الكاملة.
وحتى في نسبة 12% رأينا أمرا لافتا، وهو أن نسبة مشاركتهم في انتخابات الكنيست، تتراوح من 10% إلى 19% في آخر انتخابات. وأجريت فحصا للجولات الانتخابية الأربعة بين العامين 2019 و2021، ووجدت أن نسبة المشاركة في هبوط مستمر، وأنه حتى في أعلى مشاركة، لم تصل الى 25%. 
في قرية الغجر، تراوحت نسبة المشاركة من 37% إلى ما يلامس 49% في الانتخابات الأخيرة، آذار 2021.
وهذا يقول إن قسما كبيرا ممن حصلوا على الجنسية لم يصمدوا أمام الضغوط، ومنهم، حسبما سمعت من أهلنا السوريين، من تزوجوا من فلسطينيي الداخل، وكانت حاجة للم شمل. 
إن مقاومة التجنيس بهذا الحجم، هو مقاومة فعلية للاحتلال وأهدافه، وهذا دلالة صمود عنيد، خاصة مع معرفة تفاصيل حياة أهلنا في الجولان، من جميع النواحي، ولهذا بالإمكان القول، إن نموذج النضال الجولاني ضد الاحتلال، ضد مؤامرات تشويه الهوية الأصلية الأصيلة، وتغييبها عن واقع حياتهم اليومي، هو نموذج يحتذى في مواجهة نهج الأسرلة والصهينة والعمالة.     
ليست سهلة السنوات الـ 11 الأخيرة على أهلنا الجولانيين، في ظل ما تعيشه سورية الأم من مؤامرة امبريالية رجعية صهيونية على وحدة الكيان السوري، والخيار الشعبي العام، فالشرخ السياسي وصل اليهم، منذ الفترة الأولى لبدء القلاقل في سورية، في النصف الأول من العام 2011.
إن التعددية أمرا مشروعا، ولكن الاستمرار في الصمود ومواجهة الاحتلال، يتطلب وحدة فوق العادة، خاصة حينما يكون الوطن الأم ينزف على مدى كل السنين.
في السنوات الأولى لعملي مراسلا شابا في "الاتحاد" في الناصرة، في العام 1986، رافقت لربما أكبر محاكمة للمقاومين السوريين، 20 أسيرا، في المحكمة المركزية في الناصرة، ممن شاركوا في التصدي لاقتحام رئيس حكومة الاحتلال، شمعون بيرس، لقرى الجولان في ذلك العام، وعلى مدى أسابيع المحاكمة، التي انتهت بأحكام قاسية، وأنا خارج الوطن للدراسة، تعلمت درسا في الصمود العنيد في وجه محتل إرهابي شرس.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب