news-details

يوم المرأة العالمي: بين سلطة الثروة وسلطة القوة الذكورية|عوفر كسيف

 

كتب ماركس ذات مرّة أن المساواة في الديمقراطيات البرجوازية تتميز بتقسيم الإنسان إلى قسمين: المواطن ("الانسان العام") ورجل المجتمع المدني ("الانسان الخاص"). يُنظر إلى الشخص كمواطن على أنه يتمتع بحقوق متساوية أمام الدولة، أي - متساو أمام القانون، مع حريات مثل حرية التعبير، والحق في الاختيار والترشح بغض النظر عن طبقته أو جنسه، وما إلى ذلك. في المقابل، هناك "الانسان الخاص" الموجود في الفراغ بينه وبين البشر الآخرين ("المجتمع المدني"، بلغة ماركس، أو في اللغة الحديثة - مجال السوق الذي تهيمن عليه المنافسة "الحرة") حيث لا يتمتع بالمساواة على الإطلاق. في حين أن "الشخص العام" موجود في مساحة صغيرة نوعًا ما في التفاعل بينه وبين مؤسسات الدولة، فإن "الشخص الخاص" هو على وجه التحديد موجود في جميع الأوقات الأخرى؛ في حين أن المواطن في الديمقراطية البرجوازية شخصية مجردة لشخص "مثالي" مرتبط ببقية المجتمع ويعمل معهم، فهو على وجه التحديد في نفس المجال المعروف باسم "الخاص" حيث يوجد الشخص الحقيقي الملموس - في المنزل وفي العمل وفي أوقات الفراغ - حيث لا يُنظر إليه على أنه شريك، بل كشخص يحد من الآخر ويتنافس معه. لذلك، فإن الحقوق الحقيقية والتحرر الكامل يتطلبان المساواة للشخص الملموس في حياته اليومية الفعلية. وهذا هو بالضبط المكان الذي تترابط فيه الطبقية والنظام البطريركي، وحكم رأس المال وحكم القوة الذكورية.

المجتمع البرجوازي هو مجتمع طبقي وأبوي بطريركي حيث يكون الفصل أعلاه بين "العام" و "الخاص" هو المفتاح لعدم المساواة. وتحت ستار المساواة أمام القانون والمساواة في المواطنة (المساواة السياسية) توجد في الواقع عدم مساواة طبقية بين العمال والرأسماليين الذين يوظفونهم. وعدم مساواة جندرية بين النساء والرجال. نعم، عامل وصاحب عمل، امرأة ورجل، يمكنهم جميعًا كمواطنين التصويت والانتخاب في الديمقراطية البرجوازية، لكنهم في جميع مجالات الحياة الأخرى- بكونهم "أشخاص خاصين" و"أشخاص حقيقيين" – هم غير متساوين بشكل فاضح.

 

في حين أن عدم المساواة الطبقية تنبع من العلاقة مع وسائل الإنتاج، فإن عدم المساواة بين الجنسين تنبع إلى حد كبير من العلاقة مع وسائل الإنجاب، (وسائل اعادة الانتاج). الأول تحكمه الطبقات الحاكمة، والثاني يحكمه الرجال منذ الفصل بين المجال العام (الذي يُعرف بالارتباط بالرجال) والمجال الخاص (الذي يتم تعريفه بالربط مع النساء). كما أوضح فريدريك إنجلز في كتابه "أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة" (1884)، فإن التمييز بين المجالين وتقسيم العمل بينهما هو نتيجة مزيج من أمرين – تطور قوى الإنتاج وتقسيم العمل وقدرة المرأة على الانجاب. وهكذا كتب إنجلز:

"وفقًا لتقسيم العمل الذي كان معتادًا في الأسرة في ذلك الوقت، كان دور الرجل في الحصول على الغذاء واختراع الأدوات اللازمة لذلك، وبالتالي يقع على عاتق الرجل، حق ملكية أدوات العمل؛ في حالة الانفصال بين الزوجين يحق له اصطحاب أدوات العمل هذه معه [...] أمسك الرجل عجلة القيادة في المنزل أيضًا، بينما تعرضت المرأة للإذلال، أصبحت أمة، وعملت من أجل شهوته وجهازًا لولادة الأطفال. [...] السلطة الاحادية للرجل التي شرحناها للتو يتم التعبير عن نتيجتها الاساسية الآن في تكوين شكل من الأسرة الأبوية [...] عائلة واحدة تابعة لحكم الأب كرئيس للعائلة ومتحكم بها".

في خلية العائلة الأبوية، تم إنشاء تقسيم للعمل يكون بموجبه الرجل هو الشخص الذي يغادر المنزل لإعالة الأسرة، بينما يتمثل دور المرأة في الولادة والقيام بالأعمال المنزلية (بدون أجر). وهكذا حصل الرجل متلقي الراتب المادي سيطرة مادية وعلى مستوى الوعي على خلية الأسرة، بينما أصبحت المرأة نفسها نوعًا من وسائل الإنتاج - آلة يملكها الرجل هدفها "إنتاج" النسل. بهذا المعنى، فإن تقسيم العمل في الخلية العائلية وسيطرة الرجل بداخلها ما هو إلا انعكاس للعلاقات الطبقية في المجتمع ككل. على حد تعبير إنجلز:

"لقد وجد أن الأسرة الأحادية-متى كانت وفية لأصلها التاريخي وحكم الرجل الوحيد تجلب تعبيرًا صريحًا عن العداء الواضح بين الزوج والزوجة- تتكشف أمامنا في سياق ضئيل نفس التناقضات التي تحرك في دوائرها المجتمع منذ ان انقسم الى طبقات مع صعود الحضارة في العجز الواضح عن التغلب على هذه التناقضات".

وهكذا، فإن تحرير الإنسان من أغلال عبودية الطبقية ليس فقط تحرير العمال من قيود أرباب عملهم، ولكن أيضًا تحرير النساء من أغلال الأسرة البطريركية. إن التمييز البرجوازي الليبرالي بين المرأة كمواطنة والمرأة في منزلها أو مكان عملها لا يمكن أن يؤدي إلى التحرير الكامل والحقيقي للمرأة، مثلما لا يمكن أن يؤدي التمييز بين العامل كمواطن والعامل في السوق إلى التحرر الكامل. والتحرير الحقيقي للطبقة العاملة. في كلتا الحالتين، حالة المرأة وحالة العامل، يلزم إجراء تغيير جذري على أساس دمقرطة مكان العمل وخلية الأسرة. وهذا بالضبط ما تقدمه الاشتراكية. وعلى حد تعبير شارل فورييه، الاشتراكي الطوباوي الذي صاغ مصطلح "النسوية"، فإن "التقدم الاجتماعي والتغيير التاريخي يحدثان بفضل تقدم المرأة إلى الحرية [...] توسيع حقوق المرأة هو المبدأ العام لكل تقدم مجتمعي".

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب