news-details

"قلب الذئب" كيف وجدتُ نفسي داخل رواية أبحث عن نعيم الغول... | أمل مرقس

تَتنقّل أحداثُ الرّواية الجميلة بين رام لله وعكا وتعرج على يافا وكفرياسيف.

رواية قرأتها بشغف واهتمام وتأثّر شديد، وأنجزتُ قراءتها في ليلة "كورونيّة" واحدة كون أحداثها مثيرة، ولأنّ العزيز ماجد أبو غوش كتبها بلغة سلسة مرهفة وشعبيّة، رواية تنتمي للأدب الواقعي البعيد عن الفلسفة والرمزية الزائدة...

كنتُ قد تأخّرت على ماجد بردّة فعلي حول الرّواية وخجلتُ منه كثيرًا. تأخّرت بالكتابة له، لأنّي لم أنْجح أن أقرأها بالموعد الّذي وصلتني به، عندما أطلّ على باب بيتنا ذات صباح في كفرياسيف الشّاعر الصديق سلطان مي ابن البروة – جديدة، حاملاً الأمانة التي أرسلها لي العزيز الرفيق ماجد مع إهداء أعتز به "إلى فنّانة الشّعب"، لقب كان يحب والدي أن يطلقه عليّ عندما كان يحرّر خبرًا عن احتفال الأوّل من أيّار أو أمسية وطنية شاركت بها بغنائي.

وهذا مدخل يقودني إلى وصف الرّواية التي تبدأ بصفحاتها الأولى بحوار بين بطليّ الرواية وبالحديث عن كفرياسيف وعن الفنانة "أمل مرقس" الّتي تعرّف عليها بطل القصّة طفلة / وصبيّة تغني في مخيّمات العمل التّطوعي في مدينة النّاصرة أواخر السبعينيّات. فبطلة الرّواية هي سلمى مرقس ويُظهِر البطل، ابن رام لله، معرفة جيدة بالعائلة الكفرساوية الأصل المرتبطة بنمر مرقس-الرفيق رئيس مجلس كفرياسيف المحليّ السابق الذي التقاه في مكاتب صحيفة "الاتّحاد" عندما كان بطلُ الرواية يسافر من القدس إلى حيفا ليوصل مقالًا أسبوعيًا هامًّا لأحد القياديين الشيوعيّين من رام لله ...

كيف أتعامل ورواية تبدأ ببطلة، فتاة تحمل اسم عائلتي وتعيش أجواء مهنتي بالمسرح والفنون؟ أبتسم وأنا اقرأ حوار البطلين عن بلدتي وعني وعن والدي؟

أشعر بخجل وفخر في آن واحد. تأثرت كثيرًا خلال قراءة الرّواية، بالإضافة للأسلوب الشائق، الممتع والشّفاف الّذي يشبه شخصية الكاتب العزيز والذي يتميّز بالكثير من التّواضع واللّباقة حيث أنّه انتظر طويلًا، مدّة شهر ونصف منذ أن أرسل لي الكتاب وتأكّد أنه وصلني بعد جهد جهيد ولم يضغط ويلحّ ويسأل إذا كنت قد قرأته...لم يخبرني قطّ أنّ بين الصفحات هنالك ذكر لوالدي!

والأهمّ من كلّ ذلك أن الكاتب يتجوّل في أجمل وأحب المناطق على قلبي، عكّا، يوثق الأماكن ويصفها بروعةٍ وبكل الحواس وأنا أمشي معه بخيالي. فأنا أعرفها جيّدًا وأمشيها وألامس حجارة جدران بيوتها الصامدة على شاطئ وميناء عكا. حب ينمو في رحلة تعرّفٍ على وطنك. حبّ كبير. حب يرضي القارئ ويجعله يفتخر بهذا الحب وبإمكانية انتصاره. فالأمل لا يخيب والإحباط لا يتسلّل ولا الملل.

 الكثير من الحبّ والرّفقة الطّيبة بين الحبيبين، كثير من الحنان والأريحية، قليل من التّعقيدات وكثير من العطاء من الكاتب ماجد أبو غوش، بعيدًا عن اليأس وعن الإحباط بل قناعة وبحث دائم عن مواطن الفرح في التفاصيل الصغيرة والمتواضعة.

علمتُ من أصدقاء مشتركين لنا أن الشّاعر ماجد أبو غوش يعمل في حياته اليومية طباخًا يداوم كعامل كادح في مطعم يعدّ به الطعام. وأنّه محروم من أمور عديدة تمنح العيش براحة بعد هذه المَسيرة النّضالية والأدبيّة للكاتب الشاعر صاحب رواية "قلب الذئب".

لم يتسلّل تعب الحياة إلى المعنويات، فنجد شخصيات الرواية مرحة قوية ومثابرة لتحقيق أهدافها. أعيش كقارئة مع الشّخصيات وأستشعر الأجواء ليس كمتفرّجة وإنّما كرفيقة معهم.. أبتسم وأغنّي معهم، لكن فجأة يحدثُ تحول درامي مفاجئ في الأحداث

خوف، ترقب، مأساة، تغيّر الأجندة. أذرف دموع التأثر المختلط بالفرح بعد أن أقرأ بسرعةٍ وبترقّب شديد الصفحات التي تعج بالأحداث، وتهدّد مصير الحبيبين الرفيقين وتمنع لقاءهما.. ثمّ أطلق تنهيدة ارتياح عندما أطمئن بعد ضبابية واختفاء.. ماذا حدث لسلمى.

أطمئنّ.. فيعود الحبّ بشكل وظروف أخرى.

رفاق الحزب حاضرون في الرّواية. البيت الفكريّ المشترك، القضايا الّتي تشغل رفاقه، النقاشات بين الرّفيقات والرّفاق عن دور المرأة في هيئات الحزب وتأثيرها هناك، التّغيير بالأحداث السياسيّة والتاريخية التي تعصف بالعمل السياسي الوطني اليساري، والتراجع وانعدام الفكر والنّشاط الإبداعي بالعمل والنشاط الجماهيري للأحزاب. لكن الاحتلال يعتقلُ ويحقّق ويخيف الرفاق! أقرأ وأتماهى وأرصد وأميّز بين الشخصيات، أحيانًا يستخدم ماجد الأسماء والقصص الحقيقية ويوثّق أحداثًا وحوارات صارت في الواقع ويخاطب شخصيّات نعرفها جيّدًا، تمامًا كما يوثّق المطارح بدقّة ويأخذنا معه في مشاوير بحواسنا الخمس، يقظة تشدّنا وتعطي القارئ ذاكرة قوية عشت من خلالها كل التّفاصيل، واستطعت أن أشعر بمذاق السمك والعرق..

أسمع معَه الأغاني من خلال القراءة، وأرصد غروب شمس عكا، وأشعر بحضن ودفء الحبيبين سلمى وعبود، لكنّ الصراع موجود وبقوة. التوتّر. الاحتلال البغيض. المخابرات. صعوبة العيش. البعد. يختلط الحلمُ بالهذيان. البحث المتواصل عن المناضل نعيم الغول "الذيب" يراه في كلّ صيّاد يقف عند غروب الشمس. يراه في في كل ذكرى، في كل زاوية..

يافا. شاطئ حيفا. دالية الكرمل وسلمان ناطور. مقهى فتوش. مسرح اللاز.. مازن غطاس.. الفنار .. خان العمدان ..فيروز.. ومحمود درويش كلّهم معنا في أحداث قصة عبود وسلمى والذيب. يبحث البطل عن نعيم الغول "الذيب" وأبحث معه، والمخابرات أيضًا تبحث وتراقب... يسكنني الفضول ولن أخبركم من هو كي لا أفسد متعة قراءتكم لهذه الرواية الجميلة التي تستحق أن تحيا بسيناريو لفيلم روائي طويل.

أعتبر الرواية وثيقة وذاكرة مهمة لنا، توثّق الأمكنة الّتي نحبّها وشخصيّات قابلناها ونحبّ أن نتذكّر فيها أوّل حب، أوّل النّضال، أوّل الحلم. بقلوب قوية.. بجموع قوية. فيها جرأة "قلب الذئب" قلبٌ كقمر أحمر، كبستان فيه العوسج وفيه الريحان."

*رواية "قلب الذئب" للشاعر والروائي ماجد أبو غوش، 144 صفحة من القطع المتوسط، إصدار "كل شيء" في حيفا، مطلع 2020. لوحة للفنان السوري ناصر نعسان اغا، الكتاب متوفر في دار النشر.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب