news-details

20 عاما على الاحتلال الأمريكي المُتوحش لبلاد الرافدين (1-2)| د.خليل اندراوس

في 20 آذار من عام 2003 غزت دولة الارهاب العالمي – الولايات المتحدة الأمريكية – العراق، وهذا الاحتلال الارهابي الشيطاني الامريكي للعراق، كان هدفه المحوري تقسيم منطقة الشرق الأوسط لأن العراق كان يشكل أحد أسس هذا البناء. فالمطامع الأمريكية الصهيونية الاسرائيلية في العراق العريق، كان هدفها تقسيم العراق، وفتح الطريق أمام المؤامرة على سوريا لكسر الطوق عن دولة الاحتلال – اسرائيل، وإزالة كل عوامل الخطر عن إسرائيل بشكل نهائي.

وعند العودة إلى الوثائق والتصريحات والممارسات السياسية للولايات المتحدة تظهر رغبة الولايات المتحدة في إعادة ترتيب حدود الشرق الأوسط بما يناسب الولايات المتحدة واسرائيل وأنظمة الاستبداد الرجعي العربي، وكان المُحافظون الجدد – كهنة الحرب- هم الأكثر فعالية في دفع هذا الموضوع ليشكل أولوية في مراكز القرار الأمريكي.

قامت الولايات المتحدة واسرائيل بوسائل إعلامية واقتصادية وسياسية بتكريس وادامة تحييد مصر منذ اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها السادات، وزيارته لاسرائيل والخطاب في الكنيست الاسرائيلي مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي. فسعت الولايات المتحدة بكل الوسائل بما في ذلك العسكرية من اجل تحييد العراق، لا بل والعمل على تقسيمه الى دويلات.

الخيار العسكري الأمريكي ضد العراق عام 2003 حقق في بداية الاحتلال الأمريكي نتائج تفوق كل تصور، بالاضافة الى تعاون عملاء أمريكا الذين تواجدوا في الولايات المتحدة قبل احتلال العراق واحضِروا الى العراق لتولي مسؤوليات رسمية مهمة، وهذا الأمر كان من المستحيل على اسرائيل أن تُحققه، إلا بوسيلة واحدة وهي استخدام عناصر القوة التي بحوزتها بما فيها السلاح النووي.

يجي التمعن فيما يلي": تحليلنا النهائي ان العراق يجب ان يبقى مُجزءا ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا من البيئة الإقليمية هذا هو خيارنا الاستراتيجي. ان المعادلة الحاكمة في حركتنا الاستراتيجية وفي البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسة من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي لإسرائيل". (آفي ديختر، العالم العربي وخُطط التقسيم. الوثيقة من اعداد قسم الدراسات الاستراتيجية في مركز ابداع للابحاث والدراسات والتدريب، وردت الوثيقة أيضا في كتاب الأسد بين الرحيل والتدمير المنهج، لسامي كليب ص 607 وفي الكثير من المواقع الالكترونية والصحف ... وهي محاضرة ألقاها آفي ديختر في 4 أيلول عام 2008 في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي).

فاجتياح العراق والاحتلال الوحشي من قبل الولايات المتحدة كان مصلحة إسرائيلية أكيدة ومُهمة استراتيجية تهدف الى تحقيق هدف أمريكا بتقسيم دول الشرق الاوسط الى دويلات على اساس اثني ديني وأيضا بهدف تحييد أكبر جيش عربي قوي بغض النظر عن السلطة السياسية التي كانت، لأن السلطات والحكومات والرؤساء يتغيرون وتبقى الجيوش والاسلحة والخطط، ولكن هذا ايضا لا يمنع من وجود كصالح أخرى للولايات المتحدة مثل النفط وحصار إيران.

يقول الباحثان ستيفن.م والت وجون .ج ميرشايمر في كتابهما المشهور الذي ادى الى ازمة كبيرة في الولايات المتحدة والذي حدا بجامعة "هارفرد" إلى طرد الدكتور والت من الجامعة والتبرؤ من الكتاب: "لم يكن الضغط الذي مارسته اسرائيل واللوبي هو العامل الأوحد وراء قرار الولايات المتحدة بمهاجمة العراق في مارس من العام 2003، لكنه كان أحد العناصر الحاسمة في اتخاذ قرار الغزو. فالدافع الأكبر وراء شن الحرب ضد العراق واحتلال العراق كان الرغبة الجامحة في جعل اسرائيل اكثر هيمنة وسيطرة على منطقة الشرق الاوسط".. وهنا أتذكر فصلي من مستشفى صفد بعد سفري إلى الاتحاد السوفييتي لحضور اجتماع روابط خريجي الاتحاد السوفييتي حيث كنت في ذلك الوقت رئيس الرابطة، وايضا سفري هذا كان من أجل الحصول على منح دراسية لأطباء رفاق أرادوا أن يستمروا في التخصص في الجامعات الروسية. وعند عودتي اتخذ قرار من  قبل وزارة الصحة ومدير المستشفى الذي كان صديقا يهوديا يساريا واعترف لي بأن هذا القرار هو قرار الموساد الاسرائيلي، وهو أي مدير مستشفى صفد لا يستطيع ان يمنع هذا الفصل.

في ذلك الوقت اعتبر سفري إلى الاتحاد السوفييتي سفرا الى دولة معادية، وهذا الأسلوب الذي يهدف الى فصل وتحييد من يُدافع عن الحقيقة والحرية مستمر وسيستمر في دول هيمنة وسيطرة طبقة رأس المال العالمي والصهيونية العالمية، وهذا ما يقوم به الإعلام الغربي في تشويه حرب روسيا على النازية في أوكرانيا التي تحصل على دعم حلف الناتو بهدف تحويل أوكرانيا الى قاعدة أمامية لحلف الناتو على البوابة الغربية لروسيا، والهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلف الناتو هو تقسيم روسيا الى دويلات. بعد ان فشلوا في مؤامرتهم في تقسيم سوريا الى دويلات والانتقال في مؤامرتهم مع التنظيمات الارهابية الى آسيا الوسطى.

 المحافظون الجدد – كهنة الحرب- انتظروا الفرصة ليحققوا حلمهم باجتياح العراق وتدميره." وهم كانوا قد حزموا أمرهم، وصمموا بصورة نهائية على اطاحة صدام حسين قبل أن يتولى بوش الرئاسة وأحدث هؤلاء حراكا تحريضيا نشطا في بداية العام 1998 وذلك بنشر رسالتين مفتوحتين الى الرئيس كلينتون ينادون فيهما بإزاحة صدام حسين عن السلطة. والموقعون عليهما، لكثير منهم صلات وثيقة بالجماعات الموالية لإسرائيل مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ومن بين كبار رجالاتها " اليوت ابرامز، وجون بولتون ، ودوغلاس فيث، ووليم كريستول، وبرنارد لويس، ودونالد رامسفيلد، وريتشارد بيرل، وبول وولفويتز" . ( ستيفن .م.وولت وجورج ميرشايمر، اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الامريكية. بشركة المطبوعات للتوزيع والنشر بيروت، الطبعة الثانية 2009 ترجمة أنطوان باسيل ص 339).

فهدف المحافظين الجدد والاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة عدم السماح للعراق بالعودة الى ممارسة دور عربي وإقليمي. ووجود بقايا القوات الأمريكية في العراق وشمال سوريا احباط لأية سياقات لعودة العراق إلى سابق قوته ووحدته. والولايات المتحدة واسرائيل يستخدمان كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسي والأمني من أجل خلق ضمانات وكوابح ليس في شمال العراق، بل في العاصمة بغداد. وتحاول الولايات المتحدة واسرائيل نسج علاقات مع بعض النخب السياسية والاقتصادية، حتى تبقى العراق خارج دائرة الدول العربية. وهذا لم تنجح به الولايات المتحدة بعد مرور 20 سنة على احتلال العراق حيث استطاع الشعب العراقي الحفاظ على وحدته وأن يقيم علاقات جوار حسنة ومتطورة مع السعودية وإيران، وبرأيي كان للعراق دور في التقارب الحاصل الآن بين السعودية وإيران.  فنظام القرصنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط يسير في طريق الهزيمة.

نحن في نعيش في مرحلة سقوط القوة الامريكية والاسرائيلية كقوتين فوق الجميع. فالولايات المتحدة قبل غزو العراق رفعت شعار بناء نظام عالمي جديد واختير العراق ميدانا لتجريب المبادئ والأهداف الغربية. وما قامت به الولايات المتحدة في العراق مذبحة ضد الشعب العراقي. "فكلمة حرب لا تنطبق على مواجهة يقوم فيها طرف بذبح الطرف الآخر، وهو في مكان آمن ذابحا السكان العُزل" (نعوم تشومسكي النظام العالمي القديم والجديد – ص 16).

وهنا بودي أن أذكر بأن الخيارات السياسية الدبلوماسية كانت متاحة قبل احتلال العراق، لكنها نُبذت ولم تقبل بها الدولة التي تحتكر وسائل الحرب والعنف وتعتمد على دورها المُهيمن على العالم. وهنا أريد أن أذكر بأنه في 22 أغسطس عام 1990م أي بعد ثلاثة أسابيع من غزو العراق للكويت طرح توماس فريدمان في نيويورك تايمز الأسباب التي تقف وراء "الموقف الصلب" الذي يتخذه بوش، موضحا أن واشنطن تعتزم اغلاق "المسار الدبلوماسي" خوفا من ان تؤدي المفاوضات إلى " إطالة أمد الأزمة" لصالح تحسين وضع "الدكتاتور" العراقي في الكويت.

لكن العراق قدم عرضا " جادا" " وقابلا للتفاوض" بشأن الانسحاب من الكويت، وهو ما ازعج واشنطن بحسب أحد المتخصصين في شؤون الشرق الاوسط حين كتب تقريرا بعد ذلك بأسبوع في صحيفة نيوزداي، إحدى صحف ضواحي نيويورك وهو تقرير وحيد لم ينشر نظير له في أي من الصحف الامريكية والبريطانية يعرض لجدية التفاوض وامكانية الانسحاب العراقي من الكويت. ولم تلمح اليه نيويورك  تايمز إلا في عجالة وفي مساحة صغيرة قبل أن يتوقف الحديث عنه بعد ذلك. وسرعان ما اختفت القصة كما اختفت الفرص التي طرحت للوصول إلى علاج الأزمة بوسائل سلمية. لقد قطعت إدارة بوش القضية بشكل واضح حين أعلنت أنه لا مجال للتفاوض.

فلم تناقش القضية في الكونغرس وحجبت عن وسائل الإعلام. كما كانت الصورة في بريطانيا أكثر تجاهلا. ورفض المسار الدبلوماسي لحل مشكلة احتلال العراق للكويت كان أمرا مختلفا حيث تم ترويجه كمسار خطير للغاية لأنه سيعطي العراق فرصة للانسحاب دون أن تتمكن واشنطن من سحق دولة بلا قدرات دفاعية وتكسر شكيمتها وتُلقنها بعضا من دروس الطاعة لا بل لكي تتمكن واشنطن من ارتكاب المذبحة ضد الشعب العراقي وفرض الهيمنة المُطلقة للولايات المتحدة وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ولكن بعد عشرين سنة من هذه الجريمة أي احتلال العراق نرى ونشاهد بأن الشعب العراقي استطاع أن يحافظ على وحدته ونشاهد تراجع الهيمنة الامريكية على بعض دول المنطقة وخاصة العراق وسوريا ومحور المقاومة وحتى السعودية التي قامت بخطوة ايجابية حيث تعمل مع إيران باتجاه اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهذا امر ايجابي سينعكس ايجابيا على كل دول الشرق الأدنى. (يتبع حلقة ثانية)

 

 

**صورة: من الأيام الأولى للغزو الوحشي (ويكيبيديا)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب