بالرغم من مواصلة عمل الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية المُكافحَة ضد التمييز العنصري، إلا ان عالمنا، وللأسف ما زال يعيش الكثير من مظاهر العنصرية، اذا كان ذلك على صعيد الأفراد أو على صعيد الدول وسياساتها العنصرية، ويكفي أن نذكر هنا "قانون القومية" الذي مررته الحكومة الإسرائيلية، والذي يفرق ما بين المواطن اليهودي والمواطن العربي، أي أنه في جوهره ووفق تقدير المختصين في القانون قانون عنصري بامتياز، يحمل بذور التفرقة العنصرية.
وفق التعريف الرسمي للعنصرية نقرأ ما يلي: "التمييز العنصري هو معاملة شخص أو مجموعة من الأشخاص بشكل غير عادل أو غير متساوي مع الآخرين، وذلك بحجة أنهم متفوقون عليهم أو أفضل منهم استنادًا على عدة أمور منها اللون أو العرق أو النسب أو الأصل، ويمكن أن يكون هذا التمييز مباشر أو غير مباشر".
و: "حيث نجد التمييز العنصري غير المباشر عندما يتم التعامل مع الشخص بتعالي لأي سبب كان بشكل صريح مثل رفض صاحب العمل توظيف شخص ما بسبب لونه أو عرقه أو غير ذلك.
أما التمييز العنصري غير المباشر نجده عندما يتم تطبيق قرار ينطبق على الجميع باستثناء بعض الأشخاص الذين لديهم لون أو أصل مختلف".
هذا التعريف ينطبق وبوضوح على ما يحمله قانون القومية الإسرائيلي من تمييز ضد الجماهير العربية الفلسطينية الباقية في وطنها.
لماذا 21 آذار يوم مكافحة العنصرية؟
في هذا اليوم أي 21 آذار من العام 1960 أطلقت شرطة حكام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا النار على مظاهرة سلمية نُظّمَت في بلدية شاربفيل بمقاطعة ترانسفال بجنوب شرق جنوب أفريقيا، حيث تظاهر حوالي 7000 شخص أمام مركز الشرطة ضد قوانين التمييز العنصري فأطلقت الشرطة العنصرية النار على المتظاهرين وقتلت 69 شخصًا منهم وأصيب حوالي 300 شخص بالرصاص، معظم إصاباتهم كانت في الظهر. في إثر هذا الحادث أقرت الجمعية العامة للأمم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي أقرتها في 20 تشرين ثاني / نوفمبر عام 1963، وتتألف هذه الاتفاقية من 25 مادة، وتؤكد رسميا ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها، ووقعت على هذه الاتفاقية أكثرية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما أعلنت الأمم المتحدة في العام 1966 بأن يكون 21 اذار يوما دوليا لمكافحة العنصرية ومظاهرها، ودعت أيضاً المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
عام 1979، مأسست الجمعية العامة برنامج الأنشطة لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وفي تلك المناسبة، قررت الجمعية العامة أن أسبوع التضامن مع الشعوب التي تكافح ضد العنصرية والتمييز العنصري، يبدأ في 21 آذار/مارس، ويحتفل به سنويا في جميع الدول. من المعروف ان تعبير "التمييز العنصري" عندما يستعمل يعني التمييز أو الاستثناء أو التقييد أو التفضيل "الذي يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة”.
عام 2001 عقد المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري في مدينة دربان وأطلق عليه "مؤتمر دربان" صدرت عنه وثيقة ختامية "إعلان برنامج عمل دربان كإطار عمل شامل للتصدي للعنصرية والتمييز العنصري".
//الذكرى العاشرة لوثيقة دربان
في هذا العام تم التأكيد على مرور الذكرى العاشرة لمؤتمر دربان، وتم تبني شعار: "عقد من الاعتراف والعدالة والتنمية: تنفيذ العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي"، وبهذه الذكرى أصدرت "اليونسكو" تقريراً لها بعنوان "إماطة اللثام عن العنصرية : مبادئ توجيهية لإعداد المواد التعليمية" الذي يحث على بذل الجهود في مجال التربية والتعليم لمكافحة هذه الظاهرة البغيضة.
/ رسالة الأمين العام غوتيريش
بهذه المناسبة أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة كتب فيها ما يلي:
" العنصرية آفة تطال عدواها البلدان والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وهي تركة متجذرة من مخلفات عهود الاستعمار والاسترقاق.
وعواقبها المهولة تتجسد في الحرمان من الفرص، والدوس على الكرامة، وانتهاك الحقوق، وإزهاق الأرواح، وتدمير حياة الأشخاص.
والعنصرية شائعة، لكن تأثيرها على المجتمعات المحلية يختلف من مجتمع إلى آخر.
وموضوع اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري لهذا العام يسلط الضوء على هذه الحقيقة، ويركز على المنحدرين من أصل أفريقي وعلى مبادئ الاعتراف والعدالة والتنمية.
ذلك أن المنحدرين من أصل أفريقي يمثل أمامهم تاريخ فريد من العنصرية المنهجية والمؤسسية، ويواجهون اليوم تحديات شديدة. ويجب أن نتخذ مواقف ردا على هذه الحقيقة، بالتعلم من أنشطة الدعوة الدؤوبة للمنحدرين من أصل أفريقي واتخاذها أساسا نبني عليه.
ويشمل ذلك انخراط الحكومات في النهوض بسياسات وبتدابير أخرى ترمي إلى القضاء على العنصرية ضد المنحدرين من أصل أفريقي.
وكذلك قيام شركات التكنولوجيا على سبيل الاستعجال بمعالجة التحيز العنصري الذي يتسم به الذكاء الاصطناعي.
لنلتزم إذن بالعمل معا، في هذا اليوم، من أجل بناء عالم تسوده الكرامة والعدالة ويعمه تكافؤ الفرص لصالح كل مجتمع محلي في كل مكان.”
/انحدار حكومي اسرائيلي نحو العنصرية
في الختام لا بد من الإشارة الى تدهور السياسات الحكومية في اسرائيل وانحدارها أكثر نحو التمييز العنصري وتكريسه في الخطاب العام الرسمي للحكومة، وفي قانون القومية. وقد برز هذا الخطاب في ظل الحرب على غزة، بحيث يستعمل مسؤولون حكوميون من وزراء وغيرهم عبارات تحمل الكثير من معاني التمييز العنصري، ولا تتورع وسائل الإعلام عن ترديدها، مثل تصريح الوزير غلانت الذي قال فيه "نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك".
إن 21 آذار ليس مجرد ذكرى، بل هو يوم لرفع وتيرة النضال لمكافحة التمييز العنصري بل وللقضاء على هذا النمط العنصري المتغلغل لدى العديد من الشعوب، ونلمس ذلك في الكثير من مناحي الحياة، ومنها الملاعب الرياضية، في بلادنا وغيرها من العالم، لذلك نحن بحاجة الى مواصلة بذل الجهود أفرادا ومجتمعات لمواصلة ضمان احترام الكرامة الإنسانية للجميع.
إضافة تعقيب