news-details

33 عامًا على الانتفاضة الأولى، لقاء مفتوح مع رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد بركة| شادي خليلية

انهاء الانقسام هو المفتاح الأول لإعادة القضية الفلسطينية الى الساحة الدولية؛ والذهاب الى المفاوضات بحاجة الى حشد المقاومة الشعبية لدعم مطالب المفاوضين بانهاء الاحتلال

 

*نعتز بمبادرة الحزب الشيوعي والجبهة باقامة لجان إغاثة في الأسابيع الأولى للانتفاضة، ودور ودعم جماهيرنا في تعزيز صمود شعبنا اثناء الانتفاضة*احدى نتائج مسار أوسلو هي خلق انطباع موهوم بان السلام يقوم به الزعماء، وانه لا دور للشعوب وحركات التضامن فيه، وهذا أدى الى تراجع حركة المقاومة الشعبية في المناطق المحتلة وساهم في انهيار حركة السلام*الأوهام التي يتم بثها بان الحقوق المدنية منفصلة عن الحقوق السياسية هي إعطاء صك براءة للمؤسسة الحاكمة، بان هناك مجرد "خلل" في السياسة الرسمية يجب إصلاحه*

 

"الاتحاد": كيف نتذكر الانتفاضة الأولى بعد 33 عامًا على انطلاقها؟

بركة: الانتفاضة الأولى هي حدث كبير ومؤسس في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وهناك احداث كبيرة في التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني، شكلت منعطفات في حياته سلبًا او ايجابًا: نكبة شعبنا الفلسطيني ثم إقامة منظمة التحرير وقبلها حركة فتح، التي كانت بمثابة النهوض من رماد النكبة، وفي العام 1974 خطاب أبو عمار في الأمم المتحدة الذي كان مؤشرًا الى اعتراف العالم بقضية الشعب الفلسطيني الوطنية، وفي اذار 1976 يوم الأرض وتأثيره وأصدائه الهائلة على الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، بعدها مباشرةً الانتخابات التي حاولت اجرائها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ومحاولتها لخلق قيادة بديلة لمنظمة التحرير، حينها انقلب السحر على الساحر وقال الشعب الفلسطيني كلمته.

المحطة التالية كانت في العام 1982 حرب لبنان، وما افرزه التغول الإسرائيلي بقيادة شارون على الشعب الفلسطيني وخروج المقاومة من بيروت، وكل ما رافق هذه الحرب (مجزرة صبرا وشاتيلا وجرائم العدوان). بعدها في العام 1987 في 9 كانون الأول انطلاق الانتفاضة، هذا الحدث المؤسس وضع من جديد الطاقة الشعبية والتحرك الشعبي كمحور أساسي للنضال الوطني بدون الانتقاص من اشكال المقاومة الاخرى بفعل كونه شعب يعيش تحت الاحتلال، الا ان انتفاضة الحجر كانت تشييد لقدرات القامة الشعبية في مواجهة الاحتلال.

 

"الاتحاد": ما هي اهم عبر الانتفاضة الأولى؟

بركة: ضرورة وجود قيادة وطنية مشتركة موحدة كما كان في الانتفاضة رغم الاحتلال ورغم الملاحقات، والاعتماد على المد الشعبي. كل افراد المجتمع كانوا أصحاب مصلحة في التصدي، وضرورة المراهنة على الشعب، وهذا يرتبط ايضًا بكل فكرة التفاوض، فالمفاوض غير المدعوم شعبيًا بالمقاومة هو متفاوض محكوم لتوازن القوى العسكري او توازن القوى على طاولة المفاوضات، وبين التوازنين الشعب الفلسطيني ضعيف. لكن عندما يكون التفاوض مقرونًا بالمقاومة الشعبية بشكل خاص هذا يضع الأمور في نصابها امام دولة الاحتلال وامام المجتمع الدولي.

والأمر الاخر هو انعكاس هذه المقاومة الشعبية على المجتمع الدولي، الأمر الذي لا يستطيع المجتمع الدولي ان يقف صامتًا تجاهها، فالانتفاضة استقطبت تعاطف وتأييد دولي واسع، ورأينا حملات التضامن الأممية مع الشعب الفلسطيني في تلك الفترة.

الامر الاخر هو تأثير الانتفاضة على مجتمع دولة الاحتلال على المجتمع الإسرائيلي تحديدًا، وانطلاق الانتفاضة كصرخة شعب في وجه الصهيونية التي تروج طوال الوقت انها في صراع وجودي نحن ام هم. فرفعت الانتفاضة صرخة الشعب الفلسطيني للمطالبة بالحياة الكريمة والحرية والاستقلال والتخلص من نير الاحتلال. كذلك رافقت العديد من النشاطات مع قوى ديمقراطية واسعة ساندت نضال الشعب الفلسطيني، كان لها حضور واسع ابان تلك الفترة.

 

"الاتحاد": وعلى صعيد شعبنا الفلسطيني في الداخل؟

بركة: نعتز بمبادرة الحزب الشيوعي والجبهة بإقامة لجان إغاثة في الأسابيع الأولى للانتفاضة، على المستوى القطري بالإضافة الى اللجان المحلية التي نشطت في كافة البلدات، والتي كان لها دور كبير في تعزيز ودعم صمود شعبنا اثناء الانتفاضة. التي بلغ حجم نشاطاتها بمقاييس اليوم ملايين الشواقل. قامت هذه اللجان بجمع المؤن الغذائية والملابس والحرامات والاغطية والأدوية، ونشطت بطريقة ساهمت بتمكين الاقتصاد الفلسطيني من الصمود، بحيث كان يتم شراء الادوية من المعامل الفلسطينية وكل ما أمكن شرائه من الأسواق المحلية الفلسطينية.

وأصبحت حملات ومراكز الإغاثة مستقطبة دوليًا، وانا اعتز انني ركزت هذه اللجنة، وهو امر اعتز به طيلة حياتي. لقد نجحنا بإيصال كافة المستلزمات للمخيمات ومختلف البلدات والأماكن في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكانت لنا علاقات وطيدة مع الهلال الأحمر الفلسطيني، وكافة هيئات ومنظمات الإغاثة. وكنا حريصين على دعم الاقتصاد المحلي. واستقطبت حملات الإغاثة كافة أبناء شعبنا في الداخل كبارًا وصغارًا في دعم صمود شعبنا اثناء الانتفاضة، وكانت تقام حملات تبرعات ينظمها طلاب المدارس والعديد من الأطر والهيئات من مختلف الاجيال.

 

"الاتحاد": كيف تقيّم تراجع حركات السلام المحلية وحركات التضامن الدولي الداعمة للقضية الفلسطينية؟

بركة: احدى نتائج مسار أوسلو هي خلق انطباع موهوم بان السلام يقوم به الزعماء، وانه لا دور للشعوب وحركات التضامن فيه، وهذا أدى الى تراجع حركة المقاومة الشعبية في المناطق المحتلة وساهم في انهيار حركة السلام الان وكل تجمعات وحركات السلام الإسرائيلية التي كان لها حضورًا بارزًا. وأدى كذلك الى تراجع حركة التضامن الدولي.

هناك مواقف واضحة لأحزاب اليسار والأحزاب الشيوعية العالمية ضد الاحتلال، وكان الزخم الاوسع لحركة التضامن الذي ما زال متواصلا لغاية الان في أمريكا اللاتينية بتبني اللغة السياسية الملتزمة بحقوق الشعب الفلسطيني، وكان للانتفاضة دور كبير في استنهاض وتعزيز التضامن الدولي مع قضية الشعب الفلسطيني حتى دخلت كلمة انتفاضة الى معاجم الكفاح البطولي، الا ان الوضع السياسي الراهن بعد انهيار المنظومة الاشتراكية واستفحال العولمة، أدى الى تراجع كبير ايضًا في التجنيد الشعبي لدعم القضية الفلسطينية.

هناك مستويات من التضامن الدولي ويجب التفريق بينها، هناك التضامن الرسمي من قبل الدول وهذا الامر يتعلق بالدبلوماسية، واعتقد ان الدبلوماسية الفلسطينية تقوم بأداء جيد في مختلف المواقع، رغم انها لم تحرز الاختراقات الكافية بفعل تأثير ونشاط المؤسسات الصهيونية الفاعلة. وهنا يجب الإشارة الى حملات المقاطعة "بي.دي.اس"، التي تقلق إسرائيل كثيرًا، وتخصص إسرائيل لوصم هذه الحملات باللاسامية مبالغ طائلة سنويًا.

 

"الاتحاد": هل هناك دور فاعل للجاليات الفلسطينية في دعم حركات التضامن الدولية؟

بركة: هنالك مستويات من الدعم والتضامن الدولي: المستوى الشعبي والمؤسسات المدنية والاجسام السياسية التي تحمل موقفًا مؤيدًا للشعب الفلسطيني، والامر يتطلب تحسين وتنمية العلاقات مع هذه الاجسام والهيئات، على الرغم من تراجع قوة بعض هذه الحركات السياسية، لكن هناك لغة وقواسم مشتركة مع هذه الحركات. والامر المطلوب بشكل أساسي هو توحيد الجاليات الفلسطينية، التي تعاني من حالة تشرذم غير معقولة، تعكس حالات الانقسام والخلافات السياسية بين الحركات الفلسطينية. وبدل ان تكون جالية موحدة سفيرة لقضية شعبها تنقسم الجاليات بشكل حاد. فلا يمكن مخاطبة الرأي العام في أوروبا وفي أي مكان في العالم بوجود هذه الانقسامات داخل الجاليات. هناك استثناءات في عدد من الدول للعمل والتعاون المشترك بين كافة الأطراف في بعض الجاليات.

لكن في واقع الامر تنقسم معظم الجاليات الفلسطينية في أوروبا بين 4 أطراف سياسية. وهذا الوضع لا يستقيم مع هذه المرحلة، لان الجاليات الفلسطينية يجب ان تحمل قضية شعبها في أماكن تواجدها، لا ان تستورد الانقسامات. لذلك الأولوية الأولى للشعب الفلسطيني هي انهاء الانقسام، على مستوى القيادات وعلى مستوى القواعد الشعبية في الوطن وفي الشتات.

 

"الاتحاد": ما هو دورنا نحن في الداخل في تعزيز وتدعيم نضال أبناء شعبنا؟

بركة: علينا اليوم اولاً ان نواجه خطاب التغريب الذي يجري بثه بيننا في الداخل، من خلال ابواق مختلفة، تحاول بث خطاب التنصل من شعبنا الفلسطيني، وتحمل شعارات "مالنا ومال فلسطين، خلينا نشوف حالنا". هذه الخطابات وهذه العقلية الخدماتية لا تأتي لا بالخدمات ولا هي صحيحة سياسيًا. ومساهمتنا هي تعزيز هيئاتنا الوطنية الموحدة.

فإلى جانب كل النقد الذي يمكن وضعه بخصوص مجتمعنا، الا اننا نحظى بتجارب مميزة على صعيد صيانة وحدة شعبنا، بدءًا من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية الاطار الوحدوي لكل رؤساء السلطات المحلية، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية التي تشكل اطارًا وحدويًا لكافة الحركات وسقفًا سياسيًا للجماهير العربية وهذا ليس امرًا مفهومًا ضمنًا بان تشمل هذه الأطر كافة المركبات بشكل جماعي، والانجاز الثالث هو اجتماع القوائم المتنافسة في الانتخابات البرلمانية ضمن القائمة المشتركة التي لا يجوز ولا يمكن التفريط به, ولا وضعها تحت دائرة الخطر!

وإذا اخذنا مواجهة خطاب التغريب الفلسطيني عن فلسطينيته وعن الانتماء بتعزيز الهيئات الوحدوية والعمل الوحدوي، بالإضافة الى تدعيم العمل الشعبي الميداني، تكون هذه العوامل الثلاثة داعمة رئيسية في تعزيز نضالنا وخطابنا السياسي، وداعمة لتعزيز نضال شعبنا الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس .

 

"الاتحاد": كيف يمكن إعادة النضال الشعبي الى واجهة النضال ضد الاحتلال؟

بركة: من اجل استعادة كل ذلك يجب ان تستعيد التوازنات الصحيحة. في مجال التنظير السياسي والقرار السياسي انا اتابع كل ما يصدر عن الحركات الفلسطينية، وحتى في قرارات المجلس الوطني وقرارات الهيئات الفلسطينية المختلفة، الجميع يتحدثون بشكل صحيح عن إعطاء زخم واحياء المقاومة الشعبية بروح الانتفاضة الأولى، لكن في واقع الامر هناك اخفاق فلسطيني كبير وغير مبرر، وهذا ينعكس على حركة التضامن الدولية كذلك.

والامر الاخر هو استمرار الانقسام، الذي اسميه بكل أسف "النكبة الثانية"، وللأسف الشديد انه من صنع أيدينا. والامر المشين اننا لم نتجاوز هذا الانقسام بعد، رغم المحاولات العديدة، والجميع يجب ان يضع مصلحة القضية فوق أي مصلحة أخرى.

 

"الاتحاد": هل هناك دور للجنة المتابعة في انهاء الانقسام؟

بركة: شاركت في العديد من المحاولات والمساعي، لكن للأسف الشديد احيانًا العصبية اقوى من الوطنية. منذ حوالي 4 سنوات حاولنا الدخول في موضوع انهاء الانقسام، ولا اسميها مصالحة لان الحديث ليس على مصالحة برامج سياسية، فالتعددية امر مفروض ومطلوب، والتعددية هي جانب حضاري، والسؤال هو كيفية تعايش الأفكار والحركات المختلفة في ظل واقع مفروض تحت الاحتلال؟ هذا هو السؤال. على حماس وفتح تغليب الأهم، وهو القضية الفلسطينية. هما أكبر حركتان في الساحة الفلسطينية، لكن فلسطين أكبر منهما!

لم اوفر أي جهد للعمل من اجل انهاء الانقسام، وشاركت في العديد من الجهود مع كل الفصائل الحاضرة على ساحة الضفة الغربية مع مبادرات شعبية ومؤسسات المجتمع المدني وجهود شخصيات وطنية وازنة، وذهبت الى قطر مع اخوة غيورين على المصلحة الوطنية حيث التقينا الاخوة في المكتب السياسي لحركة حماس، وفي الحقيقة اننا دائمًا وفي كل اللقاءات كنا نسمع كلامًا أحلى من العسل، لكن على ارض الواقع لم يتحقق الكثير.

انهاء الانقسام هو الخطوة الأولى التي يجب اتمامها، لأنه المفتاح الأول لفتح افاق جديدة لتعزيز كفاح ونضال شعبنا الفلسطيني ميدانيا وشعبيا ودوليا واقليميا.

لقد تمعنت مؤخرًا في رسالة الاستقالة التي قدمتها د. حنان عشراوي، وأجد نفسي قريبًا من الصياغات التي وضعتها في كلما يتعلق بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وان تكون هي مركز القرار الفلسطيني وأن تشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني.

 

"الاتحاد": ماذا تقول عن خطابات الشرذمة ومحاولات فصلنا عن قضية شعبنا؟

بركة: في إطار خطاب التغريب، هنالك من يبث أوهام الانفصال عن شعبنا الفلسطيني (نحن وهم) وهي صناعة صهيونية من صناعات التمييز والقهر القومي والمدني ضدنا، وليست افرازًا لـ"خلل" في نهج المؤسسة الإسرائيلية. وهذا إفراز أساسي لهذه المؤسسة، فكرا وممارسة, وليس مجرد هواجس او خلل عابر.

 الأوهام التي يتم بثها بان الحقوق المدنية منفصلة عن الحقوق السياسية هي إعطاء صك براءة للمؤسسة الحاكمة، بان هناك مجرد خلل غير مقصود ويجب إصلاحه.

هذا خلل اساسي، خلل في الفكر، لان المشكلة ليست بعض الملايين هنا او هناك على هذه الخطة او تلك، على الرغم من أهمية التمسك بحقوقنا وعدم التفريط بكل ميزانية وكل مشروع يخدم شعبنا وبلداتنا. هذه المؤسسة تعترض على وجودنا ومن يحلم بهذه الأوهام فليقرأ قانون القومية. وحتى ما تم اقراره بالأمس بما اسموه "قانون المساواة"، حرص مقدمو القانون من حزب ازرق ابيض على التشديد على انه يطال القضايا المدنية، أي ان هذا القانون الجديد يأتي ليخدم اهدافًا مدنية فقط، بشكل فردي.

هذا النهج استخدم ايضًا في المناطق المحتلة عام 1967، تحت مسميات التقاسم الوظيفي ابان فترة بيرس، وتحسين ظروف المعيشة ابان فترة ارنس، أي تحويل الشعب الفلسطيني الى مقاولي خدمات وليس أصحاب قضية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب