news-details

75 عاما لتأسيس "اتحاد النقابات العالمي"| جهاد عقل

يمر الآن 75 عامًا على تأسيس اتحاد النقابات العالمي (إ.ن.ع) في العام 1945، في ظل المعارك الضارية ضد جيوش دول المحور، وفي مقدمتها القوات النازية التي كانت القوات السوفيتية تقوم بدحرها نحو برلين، وقوات الحلفاء تقوم بعملية تحرير فرنسا من الاحتلال النازي.

عقدت الجلسة التحضيرية الأولى للمؤتمر (الكونفرنس) في مدينة لندن، بعد تحضيرات استمرت على مدار عام بشكل مكثف، وسبقها تطوير مسار العلاقات النقابية الأنجلو – سوفيتية.

خلال عقد جلسات المؤتمر التحضيري في فبراير – شباط 1945، كانت الطائرات الألمانية تشن هجماتها على لندن، لكن ذلك لم يردع أعضاء المؤتمر من مواصلة أعماله، متحلّين بشجاعة قيادة نقابية معروفة بشجاعتها.

لم تكن أبحاث المؤتمر سهلة، كما تؤكد الوثائق، بسبب خلافات اندلعت حول قضايا محورية، وفي النهاية تم الاتفاق على عقد المؤتمر التأسيسي، تحضر له لجنة تحضيرية انبثقت عن المؤتمر، لتضع صيفة دستور مقترح وجدول أعمال المؤتمر التأسيسي.

كانت الحركة النقابية الفلسطينية ممثلة في هذا المؤتمر التحضيري المنعقد في لندن، وكان لممثليها دور في أبحاث المؤتمر، والذي سنتناوله بالتفصيل في حلقات لاحقة.

بداية نتناول البدايات التي جرت في ظل أحداث الحرب العالمية الثانية، وكيفية قيام النقابات الشيوعية بخطوات هامة ومدروسة بدقة من أجل بلورة عملية بناء ومأسسة اتحاد النقابات العالمي، وسط التأكيد على أهمية أن يكون قوة نقابية ثورية مدافعة عن مصالح الطبقة العاملة، ورفض التوجهات الإصلاحية – المهادنة، القائمة لدى قوى نقابية قائمة خاصة في ظل الدول الرأسمالية.

 لم يكن من السهل بناء هيكل هذا الاتحاد، هذا ما سنلاحظه لاحقًا، خاصة الدور الذي قامت به النقابات الإنجليزية والأمريكية.

 

تشكيل اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية

منذ بداية العشرينات من القرن الماضي قامت النقابات الشيوعية في مبادرات حثيثة لتشكيل هيئة نقابية عالمية مناضلة موحَّدة، وعدم استمرار هيئات نقابية تعتمد على المسار الإصلاحي وليس النضالي، لكنها لم تنجح في ذلك حينها، وفي وقت لاحق تمكنت النقابات السوفيتية من تشكيل لجنة نقابية مشتركة مع اتحاد عمال إنجلترا في العام 1925 أُطلق عليها اسم "اللجنة النقابية الانجلو – روسية" لتبادل الخبرات وتقديم المعونات، واستمر نشاط هذه اللجنة حتى العام 1927 ثم توقف.

قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقيام ألمانيا النازية بالهجوم على الاتحاد السوفيتي، قامت الحركة النقابية السوفيتية بمواصلة العمل وبذل الجهود من أجل بناء الوحدة النقابية العالمية. لكن هذه المحاولات لم تثمر عن نتائج إيجابية، خاصة في ظل مواصلة مجموعة "أممية أمستردام" النقابية، التي تعتبر نفسها بأنها الاتحاد الدولي النقابي (لا يشمل جميع النقابات العمالية)، بل لم تعتبر منظمة دولية ولم تكن قوة نقابية تستطيع قيادة نضالات الطبقة العاملة دفاعًا عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تشتت أفكار أعضاءها والتناقضات القائمة لديها.

بعد بداية الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي في صيف 1939، بادرت قيادة النقابات الإنجليزية (TUC) في شهر تموز 1939 بتقديم اقتراح على المجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفيتي، أنها على استعداد للعمل المشترك مع النقابات السوفيتية، في سبيل النضال المشترك ضد الخطر الذي يخيم جراء الحرب، لكن هذا الاقتراح لم يخرج الى حيز التنفيذ بسبب معارضة القيادة اليمينية لأممية أمستردام النقابية، التي تندرج لنقابات الإنجليزية ضمن أعضائها.

بالمقابل قامت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية في شهر تموز من العام 1941 بوضع خطة لتطوير وتوسيع عمل الأحزاب الشيوعية في المنظمات النقابية "لكي يعبئوا الطبقة العاملة من أجل نضال أكثر فعالية لدحر الفاشية"، وسبب ذلك أن الحرب العالمية الثانية أدت الى بعثرت قوى الحركة العمالية – النقابية الدولية، وأصابها الانشقاق، مما أدى الى حل كل من الأممية الاشتراكية وأممية أمستردام النقابية، هذا الوضع حال دون أن تتوجه إليها الأممية الشيوعية مباشرة لتشكيل قوة نقابية قوية تقوم بدورها الهام في المعركة من أجل دحر القوى النازية والفاشية.

فكان الحل لدى الأممية الشيوعية ومن أجل البداية في بناء قوة نقابية قوية عالمية جديدة، العودة الى تجديد نشاط "اللجنة النقابية الأنجلو - روسية" التي سبق وذكرناها، حيث كان الهدف من تنشيط هذه اللجنة "أن تُصبح في الظروف الجديدة حلقة توحيدية للطبقة العاملة من جميع البلدان في النضال ضد ألمانيا الهتلرية، ودعما للاتحاد السوفييتي".

في اجتماع "المجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفييتي" المنعقد بتاريخ 13/9/1941 قرر "الموافقة رسميًا على اقتراح المجلس العام للنقابات الإنجليزية القاضي بتشكيل اللجنة النقابية الإنكليزية السوفييتية وتم تحديد الوفد السوفييتي للقاء المقبل، واقترح أن يعقد الاجتماع الأول بين الفريقين يوم 25 أيلول /سبتمبر 1941 في موسكو".

بتاريخ 15/9/1941 بعث رئيس المجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفييتي ن. شفيرنك برسالة الى والتر سيترين سكرتير اتحاد النقابات الإنجليزية يخبره فيها بالموافقة على قرارهم، واقترح في الرسالة نفسها تغيير اسم اللجنة السابقة من "اللجنة النقابية الانجلو - روسية "، ليصبح "اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية"، مشيرًا الى ضرورة تحديد مهام اللجنة في اللقاء المُقبل بين الطرفين، معربًا عن ثقته بأن " النشاطات العملية للجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية، ستقوم على أساس الفهم المتبادل لمصالح الطبقة العاملة في الاتحاد السوفييتي، والطبقة العاملة في إنكلترا، وأن اللجنة ستفعل كل ما هو ضروري لإلحاق الهزيمة بالهتلرية". وتم تحديد موعد للقاء لتاريخ 15 تشرين أول/ أكتوبر 1941 موسكو.

جاءت هذه التطورات والاتصالات المكثفة بين الجانبين بعد توقيع الاتفاق الانجلو – سوفيتي للتعاون العسكري في الحرب ضد ألمانيا النازية ودول المحور بتاريخ 12/7/1941، الأمر الذي وفر "ظروفًا ملائمة لإقامة روابط وثيقة بين النقابات السوفييتية والنقابات الإنجليزية".

على أثر هذه التطورات، في مؤتمر اتحاد النقابات الإنجليزية الذي عقد في شهر آب 1941 تقرر دعم نضال زملائهم عمال الاتحاد السوفيتي في الحرب التي يخوضونها ضد قوات ألمانيا النازية وأكد المؤتمر في قراراته أيضا على "استعداد الطبقة العاملة الإنجليزية لمد يد العون لهذا النضال وحيّوا مبادرة المجلس العام للنقابات الإنجليزية الهادفة الى تشكيل اللجنة النقابية الانجلو – سوفييتية".

بعد المؤتمر أعلن النقابي والتر سيترين (Walter Citrine) السكرتير العام لاتحاد النقابات الإنجليزية، في مقابلة صحفية مع مراسل وكالة "تاس" السوفييتية للأنباء في لندن، عن الاستعداد لتشكيل اللجنة النقابية الإنجليزية-السوفيتية وأكد "أنها ستصبح هيئة عمل دائمة للطبقة العاملة".  كان والتر سيترين قد قام بعدة زيارات تضامنية للعمال في الاتحاد السوفيتي، في فترة عمل اللجنة النقابية المشتركة، وبدأ بالاستعداد لاجتماع اللجنة النقابية المشتركة القادم. (يتبع)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب