news-details

95 عاما على تأسيس أول تنظيم نقابي عربي فلسطيني

"جمعية العمال العربية الفلسطينية"


يصادف يوم 21/3 الذكرى الـ 95 لتأسيس اول تنظيم نقابي في فلسطين، وبهذه الذكرى نقوم بإستعراض تلك المرحلة وكيفية تاسيس هذا التنظيم النقابي الفلسطيني، في ظل الاحتلال البريطاني.

واجهت الطبقة العاملة الفلسطينية ومنذ مرحلة الإحتلال التركي او العُثماني لفلسطين، الإستغلال وفقدان إمكانية التنظيم بسبب قوانين المُحتل التي تمنع تشكيل نقابات عمالية، وبالرغم من قيام البعض من المؤرخين بالقول بعدم وجود طبقة عاملة فلسطينية في مرحلة الإحتلال التركي، والقول بأن المجتمع الفلسطيني كان مجتمعاً زراعياً، إلا أننا لا نستطيع إغفال حقيقة وجود شريحة عمالية كبيرة كان لها دور في تشغيل وبناء سكة الحديد (الحجاز) ومختلف الصناعات المحلية، هذا بالإضافة الى العمال المهنيين والحرفيين على مختلف مهنهم مثل البناء والغزل والنسيج والحياكه والنجارة والحدادة والزجاج وغيرها من المهن، حتى لو كانت لا تتوفر لديها وسائل الإنتاج المتطورة. لذلك فجذور الطبقة العاملة الفلسطينية ضاربة في الأرض ما قبل الإحتلال البريطاني - الصهيوني لفلسطين، مع انها كانت تفتقد خصائص واوضاع إجتماعية مستقلة تعطيها سمة الطبقة العاملة كما هو متعارف عليه اليوم، على الرغم من عدم تمكنها من تنظيم صفوفها نقابيا، إلا انها بدات تعمل على بلورة تنظيم نقابي لها كحركة عمالية عربية فلسطينية "في ظروف بدء الهجمة الإمبريالية التي شهدتها فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتطورت في ظل المنافسة الشديدة التي تعرضت لها الصناعة العربية الفتية من قبل الصناعة اليهودية الأكثر تطوراً والاحدث تقنية وفي ظل الممارسة الشوفينية التي كانت تمارسها المنظمات العمالية الصهيونية والتي كانت تهدف الى إحتلال اماكن العمل في البلاد لصالح اليهود"، على حد رأي د. ماهر الشريف.

إذن لم يكن من السهل على الحركة العمالية العربية الفلسطينية تنظيم نفسها، في مثل هذه الظروف، والتي واكبتها أيضا عملية دعم غير محدود للمنظمات الصهيونية من قبل قوات الإحتلال البريطاني في فلسطين. وتواجد هذه الحركة في مرحلة بدايات تشكل طبقة عاملة عربية فلسطينية تفتقد للتجربة والتقاليد الوافية للتنظيم النقابي وتعرضها ليس فقط للظلم العثماني - التركي ومن بعده البريطاني - الصهيوني بل أيضا من قبل طبقة كبار الملاك والمتمولين الفلسطينيين، لكن التطورات التي حدثت فيما بعد بمرحلة الإحتلال البريطاني أثرت على "تطوير الصناعة الفلسطينية خلال العشرينات وخلق الأرضية الملائمة لقيام طبقة عاملة عربية في البلاد."

إذن بدأت الحركة العمالية العربية في بلورة نواة صلبة للطبقة العاملة الفلسطينية، خاصة وان قوة العمل العربية الفلسطينية بدأت تتسع وتنخرط في مختلف أماكن العمل. وعن ذلك يكتب الباحث موسى البديري في كتابه " تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين" ما يلي: "كانت عملية ولادة الطبقة العاملة العربية في فلسطين شبيهة في كثير من الوجوه بمثيلاتها في الأقطار العربية المجاورة.."، ويعزو تلك الولادة الى ظاهرة الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة.

 

\\من "نادي عمال سكة الحديد"  الى "اللجنة الخيرية "...والتنظيم النقابي

لن نخوض هنا في كافة تفاصيل الإحتكاك والتوتر الذي حدث ما بين العمال العرب وممثلي المنظمة النقابية الصهيونية - الهستدروت في تلك الفترة، أي بداية العشرينيات من القرن الماضي، وما واجهه العمال العرب من تمييز في الاجور ومحاولات لإحتلال أماكن عملهم من قبل نشطاء الهستدروت لصالح العمال اليهود. لكن هذه الإعتداءات وغيرها من السياسات الصهيونية أدت لاحقا الى قيام مجموعة عمال عرب من عمال سكة الحديد في حيفا، الى المبادرة لتأسيس حركة تعاونية مستقلة عن نقابة عمال سكة الحديد التابعة للهستدروت، وقد إستطاع عدد من أعضاء هذه الحركة الحصول في أوائل العام 1923 على ترخيص بإقامة نادٍ لهم في حيفا بإسم "نادي عمال سكة الحديد العرب" وبعدها شكلوا "اللجنة الاخوية لعمال سكة حديد فلسطين"، كان رئيسها عامل سكة الحديد من اصل سوري عبد الحمبد حيمور. وبالرغم من أنها إفتقرت لوجود مقر لها تعقد فيه إجتماعاتها وللإمكانيات المادية الكافية وإنسحاب اعضاء منها بسبب ضغوطات قام بها ممثلو الهستدروت، الا انها قدمت مساعدات إنحصرت في القيام بتقديم المساعدة والعون الى العمال المرضى والمحتاجين، وتقديم مساعدات مادية لعائلات الاعضاء في حالة وفاة الاعضاء. الا ان دور اعضاء النادي واللجنة هذا قد ساهم على حد تقدير البعض في تطوير الوعي الطبقي بين العمال العرب. "فلم تمض أشهر  قليلة على قيام اللجنة الاخوية لعمال سكك حديد فلسطين حتى تقدم مؤسسوها الى السلطات البريطانية  بإشعار تأليف جمعية عماليه بإسم جمعية العمال العربية الفلسطينية ومقرها الرئيسي مدينة حيفا".

ويتضح ان هذا الطلب تم تقديمه في اواخر العام 1923 وعن ذلك كتب احمد اليماني في كتابه "جمعية العمال العربية الفلسطينية بحيفا" مشيرا الى استعانة مقدمي الطلب بالمحامي محمود الماضي  ما يلي: "وأرفق طلبهم بالمبادئ الاساسية للجمعية والحق لها بتأسيس فروع لها في المدن الفلسطينية الاخرى". ويضيف بنفس الكتاب:" غاب الطلب في أدراج الجهات القانونية المسؤولة، فترة طويلة، بتاثير المسؤولين اليهود، والإتحاد العام للعمال اليهود (الهستدروت) وقد احس العمال العرب بهذه المماطلة، رغم إستيفاء طلبهم كل الشروط المعمول بها... فراحوا يتابعون طلبهم عبر اللجنة التي قدمته وعبر المحامي وأخيرا تلقت الهيئة التاسيسية إشعاراً بإستلام الطلب، مما يعني السماح بإشهار تأسيس الجمعية، وكان ذلك بتاريخ 21/3/1925بعد حوالي سنة ونصف من تقديم الطلب... وإتخذت الجمعية مقراً لها في وادي الصليب بمدينة حيفا في بيت شخص يدعى أبو سالم."

الا ان م. البديري يؤكد أن المصادقة الرسمية الخطية من قبل سلطات الاحتلال البريطانية قد بعث بها قائمقام مدينة حيفا بتاريخ  8 آب 1925 "الى عيد سليم حيمور، احد عمال قسم العربات في سكك حديد فلسطين في حيفا وامين عام جمعية العمال العربية الفلسطينية المقترحة، يبلغه فيها بموافقة الحكومة..." لكن القائمقام وعلى ما يبدو في محاولة منه لتفسير التاخير في إصدار الموافقة الخطية على الجمعية، بالرغم من أنه تم إشهار الجمعية رسميا في 21 آذار 1925 كتب - اي القائمقام- أن الطلب وصل مكتبه فقط بتاريخ 10 تموز 1925، مما يؤكد أن ايادي صهيونية كانت تحاول إفشال عملية تسجيل الجمعية النقابية العربية.  

 

\\الإنسحاب من نقابة عمال سكة الحديد التابعة للهستدروت

ويؤكد د. ماهر الشريف الى أن نقابة عمال سكة الحديد التابعة للهستدروت كانت رفضت في البداية قبول اعضاء عرب في صفوفها، لكن بعد ضغط: "من العمال الثوريين اليهود المنضوين تحت لواء الكتلة العمالية الشيوعية، وافقت قيادة اتحاد عمال سكة الحديد على قبول إنضمام العرب الى صفوف الإتحاد " ويتضح ان خلاف حاد نشب في المؤتمر العام لنقابة عمال سكك الحديد الذي عقد في اوائل آذار 1925 في مدينة حيفا، اكد المندوبون العرب الستة الذين ساهموا في اعماله بأن تسمية الهستدروت كمنظمة نقابية خاصة بالعمال اليهود في فلسطين كانت تشكل عائقا امام انضمام العمال العرب الى صفوف المنظمات التابعة لها، وبعد أيام قليلة من إختتام المؤتمر نشر العضوان العربيان في اللجنة المركزية للنقابة بيانا يعلنان فيه عن خروج العمال العرب من نقابة عمال سكة الحديد".

كما وأشار الى ذلك الخلاف والعمل على تأسيس نقابة عربية فلسطينية م. البديري في كتابه : "وجاء تأسيس هذه المنظمة العمالية العربية نتيجة خلافات داخل نقابة سكك الحديد بين الاعضاء العرب الذين يشكلون غالبية الاعضاء وبين قيادة المنظمة اليهودية التي كانت مرتبطة بالحركة الصهيونية." هذا وتؤكد المعطيات الرسمية ان عدد العمال العرب في سكة الحديد في العام 1923 بلغ 2000 عامل بينما بلغ عدد العمال اليهود 500 عامل. مما يؤكد أن الاقلية هي التي كانت تسيطر على النقابة والانكى من ذلك ان اجور العمال العرب وشروط عملهم كانت غير مساوية لاجور العمال اليهود الذين تمتعوا بدعم النقابة لهم وإهمالها حقوق الاعضاء العرب".

 

\\إحتفال وبداية نشاط حماية للعمال العرب

بعد الحصول على التسجيل الرسمي للجمعية، التي كانت باشرت عملها في مقرها بوادي الصليب، باشرت بتقديم الخدمات النقابية وضم الاعضاء الى صفوفها والعمل من اجل تحسين شروط العمال في القطاعين العام والخاص، وضمن نشاطاتها القيام بعقد دورات  دراسية للعمال لمحو الامية، من اجل ضمان تحسين ظروف عملهم. كما وأعلنت عن عقد حفل إفتتاح للجمعية يوم الاحد 8 تشرين أول 1925 في التاسعه صباحاً قامت بتعميمه على الصحافة وفي اماكن العمل، ومما جاء في الخبر الذي نشرته جريدة "اليرموك" الصادرة بمدينة حيفا بتاريخ 22/10/1925  تحت عنوان "جمعية العمال العربية الفلسطينية" ما يلي: "وبالنسبة لهذه الجمعية، هي اول جمعية عربية للعمال، تأسست في فلسطين فعزمت بمشيئة الله على إقامة حفلة شائقة تدعو فيها جميع العمال العرب من جميع الصناعات والحرف لإفتتاح الجمعية رسمياً وتوزيع قانونها على المشتركين" وجاء في سياق الخبر نفسه: "وفي نهاية الاحتفال حلف كل عضو على حدة من اعضاء الجمعية اليمين القانوني للجمعية وهذه هي صيغة اليمين: أُقسم بالله العظيم أن أخلص للجمعية وان احترم قانونها واضمن النفس والنفيس في خدمة العمال. وبعد تحليف اليمين يُسلمه بيده القانون ويصفق الحضور تصفيقاً شديداً حتى يجلس مكانه وهكذا حتى إنتهى توزيع القوانين على المشتركين."

 

إنتخاب الشيوعي محمد علي قليلات اميناً عاماً للجمعية

وإنطلقت الجمعية في نشاطها وبرز العديد من الرفاق الشيوعيين في نشاط الجمعية وتاسيس فروع لها في مختلف أنحاء البلاد. من خلال الإطلاع على "قانون" (دستور) "جمعية العمال العربية الفلسطينية" بابوابه الثمانية وبمواده الستين نستطيع القول بأنه دستور نقابي شامل لحركة نقابية تريد خدمة العمال بنضال وشفافية  ويكفي ان نشير هنا، الى ان جمعية العمال العربية كانت تشمل في قيادتها وكوادرها الشيوعيين الذين أنتخب ثلاثة منهم في مؤتمرها الاول الذي عقد في 11 كانون ثاني 1930 من بين 11 عضوا في لجنتها المركزية وتم إنتخاب عامل سكة الحديد الشيوعي محمد علي قليلات  أمينا عاماً للجمعية، والشيوعي كامل عودة أميناً عاما مساعداً وعيد سليم حيمور أمينا للصندوق، ويظهر من قرارات المؤتمر عدم الفصل ما بين النضال النقابي والسياسي، لكنها لم تكن مكتملة وفق ما طرحه النقابي محمد على قليلات في البيان الذي قدمة امام اعضاء المؤتمر، خاصة في الجانب النقابي.

 

\\أول مؤتمر في تاريخ فلسطين يُنتخَب إنتخاباً ديمقراطياً حُراً 

كان المؤتمر النقابي الاول حدثاً هاماً ودمقراطياً تم تسجيله بحروف من ذهب في تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية،حيث يظهر ذلك من مطالعة اوراق ابحاثة المستفيضه وقراراته التي تم إصدارها لاحقاً في كُتيب خاص تم توزيعه على العمال في أماكن العمل.  وكتب د.م. البديري مؤكداً ذلك عن هذا المؤتمر ما يلي: "كان المؤتمر العمالي العربي الاول، حدثاً فريداً في تاريخ فلسطين الانتداب، فقد كان أول مؤتمر في تاريخ البلاد يُنتخَب إنتخاباً ديمقراطياً حُراً، كمت أنه لم يكن مديناً بشيء للقيادة العربية الرسمية التقليدية. فقد نشأ عن حاجات وتطلعات الحركة العاملة العربية، وكان محاولة مستقلة للتأكيد على حاجات وحقوق قطاع جديد من السكان العرب، محاولة جرت رغم المعارضة المقنعة التي أبدتها القيادة العربية التقليدية، وكان أيضاً حدثاً فريداً من حيث أنه جمع العمال العرب بصرف النظر عن الإنتماء الحزبي والمعتقد السياسي." بدون شك أن تأسيس "جمعية العمال العربية الفلسطينية " كقوة نقابية أولى للعمال الفلسطينيين ضمت أطراً سياسية مختلفه وفي مركزها القوى النقابية الشيوعية والوطنية،إستطاعت أن تضع اللبنة الاساس للحركة النقابية العربية الفلسطينية، التي تطورت لاحقاً لتُصبح تياراً نقابياً عمالياً، له دوره في النضال الوطني والطبقي الفلسطيني المقاوم للإحتلال البريطاني والحركة الصهيونية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب