news-details

أسرى العمل في قطر

*تقرير منظمة العفو الدولية تحت عنوان: "عمل دائم، بدون أَجر... نضال العمال الأجانب في قطر من أجل العدالة"*
الشركات الثلاث التي يستعرض التقرير ما حدث للعمال الاجانب العاملين لديها من استغلال وعدم دفع أجورهم ومستحقاتهم هي: شركة "حمد بن خالد بن حمد" وصاحبها من العائلة المالكة وشركة "يونايتد كلينينغ" وشركة "هامتون إنترناشونال"، حيث تابع ناشطو المنظمة ما جرى مع عمال هذه الشركات ممن تُركوا بلا أجر ولا مستحقات ولا أية مقومات للحياة على مدار الفترة من آذار 2018 وحتى تموز 2019

* نظام الكفيل =عبودية صارمة:

منذ عدة سنوات ونحن نقوم بمتابعة مجريات الأوضاع التشغيليّة للعمال في دول "مجلس التعاون الخليجي" عامة ومنها قطر والسعودية والكويت خاصة، جرت هذه المتابعة ضمن عدة مقالات اعتمدنا فيها على العديد من الوثائق والدراسات بل والاحداث الميدانية بخصوص شروط عمل العمال الوافدين (المهاجرين) في هذه الدول، وبشكل خاص ما يُسَمّى بـ "نظام الكفيل" الذي هو بمثابة نمط متطور من العبودية للعمال الوافدين للعمل بهذه الدول، والقيام بدفع العامل مبلغ كبير لممثل الكفيل في بلاده تحت اسم تكاليف المعاملات، حيث يضطر طالب العمل وفي كثير من الحالات الى اللجوء لاقتراض المبلغ او رهن بيته، بسبب الضائقة المالية التي يعيش فيها، والعيش في بطالة مستمرة وغيرها من الأسباب.

عندما يقوم العامل بهذه الخطوات والاستدانة يكون حلمه الواحد والوحيد هو فرصة عمل وأجر لائق يستطيع بهما سد الدين وإرسال الدعم المالي لعائلته في ارض الوطن.

لكنه عندما يصل الى مكان العمل يعرف أن نظام الكفيل هذا يعني نوع من العبودية القاسية، فعليه أولًا تسليم جواز سفره للكفيل والأمر الثاني أنه في حال ما لم تلائمه فرصة العمل لا يستطيع تركها والانتقال الى مكان آخر بتاتًا، إلا إذا منحه الكفيل تحرير منه، وهذا صعب المنال، لأن الكفيل يحصل على مبلغ شهري مقابل توفير فرصة العمل وفي حال كان الكفيل شركة، فهي أيضًا لن تحرر العامل من عندها، وبذلك يكون معنى هذا النمط من مسار التشغيل العبودية الظالمة لا غير، وتحويل هؤلاء العمال الى أسرى العمل أو سجناء العمل.

 

* قطر وبطولة كأس العالم لكرة القدم.

أثار موضوع فوز دولة قطر بتنظيم واستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، العديد من التساؤلات بما يتعلق بموضوع حقوق العمال الذين ستحتاجهم لإقامة مختلف الإنشاءات من ملاعب ومرافق وغيرها لتلبية مطالب ومواصفات المنظمين للبطولة، خاصة وانها ستحتاج الى ملايين العمال الوافدين. جاءت هذه التساؤلات بسبب ما واجهته المنظمات الدولية، ومنها منظمة العمل الدولية، والاتحاد العالمي للنقابات العمالية والاتحاد الدولي لعمال البناء ومنظمات حقوق الانسان مثل منظمة "هيومن رايتس وتش" ومنظمة العفو الدولية، من خروقات للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق العمال الوافدين اذا كان في قطر او السعودية او غيرها من دول الخليج.

بدأت دولة قطر استقدام العمال الوافدين، خاصة عمال البناء لتشييد الملاعب والبنايات والمرافق المختلفة، ووصل عددهم إلى أكثر من مليوني عامل وعاملة، لم تتوان المنظمات النقابية والدولية عن القيام بزيارات لمواقع العمل وفحص ظروف وشروط عمل العمال، الأمر الذي أظهر لها بأنهم يعملون بظروف عمل قاسيه، بل ويتعرضون للاستغلال وفقدان السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، وصدرت العديد من التقارير وقدمت شكاوى للهيئات الدولية وفي مقدمتها منظمة العمل الدولية، وقسم كبير من الشكاوى تقدمت بها دول جرى استقدام العمال منها، الأمر الذي عرّض المشروع القطري للخطر ونقل البطولة لدولة أخرى.

في ظل هذه الحملة الدولية النقابية منها والحقوقية، هرول ممثلو دولة قطر الى مقر منظمة العمل الدولية، وجرى توقيع اتفاقية تلتزم فيها قطر بتوفير شروط عمل لائق وأنظمة وقوانين تضمن الحماية للعمال وحقوقهم.

إلا أن ما جرى على أرض الواقع لم يتناسق مع ما نصّت عليه الاتفاقية وما جرى الالتزام به وتنفيذه كان جزئيًا ومنقوصًا ولم يتجاوب مع مطالب العمال ومع المطالب الدولية.

 

* "عمل دائم دون أجر"

تحت هذا العنوان أصدرت "منظمة العفو الدولية" تقريرا لها تناولت فيه "نضال العمال الأجانب في قطر من أجل العدالة"، يقع التقرير في 52 صفحة تستعرض فيها المنظمة موضوع عدم دفع الأجور في ثلاث شركات، بينما بقي العمّال أسرى في مخيمات العمل، بدون ماء وكهرباء وغذاء، وبفضل قيام منظمات خيريه بتقديم المساعدة من الاكل والماء والكهرباء، وتشغيل مولدات الكهرباء في هذه المخيمات لحدثت كارثة إنسانية وخيمة النتائج.

لقد جاء هذا التقرير الهام للمنظمة استكمالا لعدة تقارير أصدرتها في السابق ولتقارير أخرى صدرت عن منظمات دولية أخرى، تناولت مختلف مناحي ظروف حياة العمال الوافدين وشروط عملهم في الإنشاءات المتعلقة بالإعداد لبطولة كأس العالم لكرة القدم وغيرها من المرافق التشغيلية في قطر.

ضمن هذه التقارير كانت منظمة العمل الدولية قد أصدرت تقرير سابق لها تحت عنوان: "الوجه المُظلِم للهجرة: أضواء على قطاع البناء في قطر قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم" جاء في 175 صفحة وصدر بتاريخ 22.10.2013، وتقرير آخر لنفس المنظمة تحت عنوان: "الجانب القبيح لرياضة جميلة: استغلال العمال الأجانب في موقع بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022". (صدر بتاريخ 31.3.2016)، وتقرير آخر بنفس الموضوع صدر في الخامس من شباط 2019.

كما وأصدرت منظمة العمل الدولية دراسة هامة تحت عنوان "دراسة استكشافية للسياسات الجيّدة لحماية عمال الإنشاءات في الشرق الأوسط" (صدرت في شهر شباط 2018)، هذا بالإضافة الى إصدارات ووثائق للإتحاد العالمي للنقابات العمالية والاتحاد الدولي لعمال البناء تناول موضوع الصحة والسلامة في العمل والحوادث القاتلة في مختلف المنشئات.

يؤكد تقرير "عمل دائم، بدون أجر" لمنظمة العفو الدولية، أنه بالرغم من كون "مليوني عامل أجنبي يديرون دفة الاقتصاد في البلاد" والمقصود قطر طبعًا، حيث يعملون في تشييد البنية التحتية والملاعب والمرافق التي ستخدم المشاركين في البطولة، وممن يعملون في تقديم الخدمات، الا أن هؤلاء العمّال "يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان مُثقَلين بالديون جراء رسوم التوظيف الباهظة ويعملون لساعات طويلة مقابل أجور متدنية"، ويضيف التقرير الى أن هؤلاء العمّال "يعيشون في مساكن دون المستوى، ويكمن في صميم هذا الاستغلال نظام الكفالة ذو السمعة السيئة المعمول به في قطر، والذي يضع العمال تحت رحمة أصحاب أعمال قُساة القلوب يمكنهم منع أولئك العمّال من الانتقال إلى وظائف أُخرى أو الإفلات من الإيذاء".

كما يؤكد التقرير على: "غياب أَية آليّه قانونية فعّالة لحماية أولئك العمّال وتوفير سُبُل الانتصاف إذا ما تعرضوا للإيذاء، ونتيجة لذلك، يُصبح العمّال الأجانب في قطر ضحايا معاناة مزدوجة: فهم يعانون أولًا، بسبب نظام الكفالة، ثم يعانون، ثانيًا عندما يسعون لنَيل العدالة".

 

* ثلاث شركات لا تدفع الأجور ولا المستحقات.

تقصت منظمة العفو الدولية في تقريرها "عمل دائم، بدون أَجر" ما يجري مع عمال لم تُدفع لهم أجور ولا مستحقات، بل تحوّلوا الى أسرى أو سجناء العمل في مخيمات العمل، كما أكّد عامل من نيبال يُدعى"ديباك" بقوله: "كنّا نعيش على التبرعات الغذائية، فالشركة لم تدفع أُجورنا لشهور ولم يكن معنا مال".

الشركات الثلاث التي يستعرض التقرير ما حدث للعمال الاجانب العاملين لديها من استغلال وعدم دفع أجورهم ومستحقاتهم هي: شركة "حمد بن خالد بن حمد" وصاحبها من العائلة المالكة وشركة "يونايتد كلينينغ" وشركة "هامتون إنترناشونال"، حيث تابع ناشطو المنظمة ما جرى مع عمال هذه الشركات ممن تُركوا بلا أجر ولا مستحقات ولا أية مقومات للحياة على مدار الفترة من آذار 2018 وحتى تموز 2019، وما واجهه العمّال من مشاكل ومصاعب في "لجان المنازعات" وفي المحاكم المدنية محاولين الحصول على أجورهم ومستحقات أتعابهم، جرى ذلك معهم في ظل تهديد "نظام الكفيل"، الذي حولهم الى أسرى عمل لدى الكفيل، فهو يتحفظ على جواز السفر وتصريح العمل، وعدم تنازله ومنحهم حرية الانتقال لعمل آخر يبقى العامل سجين عمل لدى الكفيل.

* اضطروا للتنازل عن أجورهم والعودة الى بلادهم

يظهر من هذا التقرير الشامل الذي يستعرض مختلف الخطوات التي قام بها العمّال من أجل الحصول على أُجورهم، وهي تقديم شكوى الى "لجنة النزاعات" من ثم الى المحاكم المدنية، فإمكانية تقديم شكوى الى لجنة النزاعات محدودة، في قطر توجد ثلاثة لجان من هذا النوع فقط، واللجنة لا تنظر في شكوى جماعية، بل بشكوى فردية - شخصية، أي كل عامل على انفراد، وفي حال تقديم هذا العدد الكبير من عمال الشركات الثلاث شكاوى، يضطر العامل الانتظار مدة طويلة حتى تنظر اللجنة في شكواه، بشرط أن تكون الشكوى مكتملة الوثائق وتقديم حساب الأجر والمستحقات من قبل محاسب مهني، وكما ذكرنا في حال صدر قرار من اللجنة تصادق فيه على المبلغ الذي يستحقه العامل، عليه التوجه بعدها للمحكمة المدنية لإصدار قرار تنفيذ الحكم وهنا أيضًا قد ينتظر فترة طويلة واذا كان القرار بحق شركة او مُشَغّل أعلن افلاسه من أين يحصل العامل على حقوقه؟؟؟.

 

* "سأستمر حتى النهاية في الكفاح من أجل حقوقي"

هذا ما صرح به العامل الكيني "كيڤين" لممثلي منظمة العفو الدولية، بخصوص مستحقاته والسبب أنه تمكن من الحصول على تحرير من الكفيل والعمل في مكان آخر في قطر، لكن ما جاء في التقرير يُظهر وبصريح العبارة، بأنّ موضوع الكفيل وقيامه بـ "التحفظ على جوازات السفر" وغيرها من الوثائق يؤدي الى أن العمال: "تحد من قدرتهم على تغيير وظائفهم مثلًا، قد يجدون أنفسهم مضطرين للعمل في ظروف تتسم بالاستغلال لدفع الديون التي استدانوها خلال عملية التوظيف كما يستمر حرمان العمّال الأجانب من تشكيل النقابات أو الانضمام إليها". هذا الوضع ووفق ما جاء في التقرير اضطر أكثرية العمّال للرضوخ الى العروض التي تقدم بها ممثلو الشركات الثلاث ومنها، دفع جزء بسيط من المستحقات والأجر، مقابل الموافقة والتوقيع على تنازل عن بقية المبلغ والحصول على جواز السفر والعودة الى بلادهم، وبذلك عاد الأكثرية منهم الى بلادهم خالي الوفاض.

المثال الآخر الذي يقدمه التقرير هو قيام عدد من العمال بالتوجه الى سفاراتهم طالبين الدعم والمساعدة، إلا أنهم عادوا من هناك بخفي حنين، بإدعاء أن السفارات لا تتعامل في مثل هذه القضايا وأقصى ما يمكنها القيام به هو رفع احتجاج لوزارة العمل القطرية.

* متاهات لدى لجان النزاعات

يسرد معدو التقرير مسارات ومتاهات تقديم الشكاوى لـ "لجان النزاعات"، وكما ذكرنا تم تشكيل هذه اللجان بعد توقيع الاتفاق مع منظمة العمل الدولية وان تكون سبعة لجان، جرى تشكيل ثلاثة لجان فقط، وأن تقوم وزارة العمل بتكثيف عمليات التفتيش والمراقبة لضمان بيئة عمل آمنة وحصول العمال على أجورهم وحقوقهم وهذا البند نفذ جزئيًا، أمّا البند الأهم فهو تأسيس "صندوق دعم وتأمين العمال"، بهدف أن يدفع الصندوق مستحقات وأجر العامل في مثل حال عمال الشركات الثلاث، وأن يسترد، أي الصندوق، المبلغ الذي دفعه للعامل من أصحاب العمل، لكن هذا البند قام أمير قطر باعتماده فقط "في شهر تشرين اول /اكتوبر عام 2018 قانونًا نص على إنشاء صندوق جديد لدعم العمّال الذين عانوا من انتهاكات لحقوقهم العمّالية ويتعرضون لصعوبات ماليّة" جاء هذا القرار بعد ثلاث سنوات من الاتفاق مع منظمة العمل الدولية.

لكن حتى تاريخ إعداد ونشر تقرير منظمة العفو الدولية " لم تكن السلطات القطرية قد بدأت تشغيل الصندوق، ولم يكن أي عامل قد تلقى أي دعم من هذا المورد".

يستعرض التقرير وبالتفصيل ما حدث مع العمال في الشركات الثلاث وذلك من الصفحة 19 حتى الصفحة 42 ومن ثم يستعرض ما ينص عليه القانون الدولي والمعايير الدولية من صفحة 43-45، وفي النهاية وبالفصل الثامن تقدم المنظمة في تقريرها هذا "نتائج وتوصيات" منها موجه للحكومة القطرية وأخرى للشركات العاملة في قطر، وتتوجه للحكومة القطرية بقولها: "وإذا كانت قطر تريد تغيير هذه الأوضاع والوفاء بتعهداتها بشأن تحسين سُبل التماس العدالة، فإنه يتعيّن عليها أن تتخذ إجراءات على وجه السرعة لزيادة قدرة - لجان النزاعات - على مباشرة القضايا، وتعزيز صلاحياتها لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، والإسراع بتفعيل - صندوق دعم وتأمين العمال- في أقرب وقت ممكن، بما يكفل حصول العمّال أخيرًا على ما يستحقونه".

في النهاية لا بد من توجيه الشكر لطاقم منظمة العفو الدولية على الجهود التي بذلوها في إعداد هذا التقرير الهام، آملين بأن يكون له أثر إيجابي على ظروف عمل العمّال الوافدين للعمل في قطر وغيرها من دول الخليج، ممن يعانون من الاستغلال جراء مواصلة العمل بـ "نظام الكفيل" سيء الصيت والاستغلالي، وفتح المجال للعمال المحليين والوافدين أمامهم بتأسيس نقابات عُمّالية ترعى حقوقهم، وأن تلتزم قطر وغيرها بالمواثيق الدولية والتوقيع على اتفاقيات منظمة العمل الدولية بخصوص حرية التنظيم النقابي ومنع العمل القسري أو الجبري والحق بالحصول على الأجر وغيرها.

 

مصادر:

١- عمل دائم، بدون أجر، نضال العمال الاجانب في قطر من أجل العدالة - منظمة العفو الدولية، الطبعه الاولى ايلول 2019.

٢- دراسة استكشافية للسياسات الجيدة،عُمّال الإنشاءات في الشرق الاوسط - د. جيل ويلز - منظمة العمل الدولية، شباط 2018

٣- الوجه المُظلم للهجرة :أضواء عل قطاع البناء في قطر قبل انطلاق كأس العالم لكرة القدم - منظمة العفو الدولية، 22.10.2013

٤- الجانب القبيح لرياضة جميلة :استغلال العمل الأجانب في موقع بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022- منظمة العفو الدولية 2016

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب