news-details

إسرائيل: المواطنون العرب والاحتجاجات على الانقلاب القضائي| د. ماهر الشريف

بينما تصدر دعوات من قيادات عربية فلسطينية إلى الجمهور العربي في إسرائيل للمشاركة في التظاهرات الحاشدة التي تشهدها المدن الإسرائيلية للاحتجاج على توجّه حكومة بنيامين نتنياهو لإصلاح النظام القضائي، لا تزال مشاركة هذا الجمهور في هذه التظاهرات هامشية، ولا يزال قطاع واسع منه مقتنعاً بأن الصراع المحتدم حالياً يدور حول مستقبل "ديمقراطية اثنية" خاصة باليهود، وأن مؤسسات هذه الديمقراطية، وعلى رأسها المحكمة العليا، لطالما أقرت قوانين تمييزية إزاء المواطنين العرب.

ووفقاً لدراسة أجرتها مجموعة من الباحثين في "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، فإن الأقلية العربية وقياداتها "يتبنّون نهج الانتظار في حالة تأهُّب، ويبدو أنهم مترددون، ويميلون إلى عدم المشاركة في النضال الجماهيري للحفاظ على النظام القضائي والديمقراطية"، الذي يجري في هذه الأثناء. فمن جهة، "من الواضح لهم أن التغييرات المتوقعة في النظام القضائي ستُلحق الضرر بهم، ولذلك، سيكون من الصواب الانضمام إلى الاحتجاجات"؛ ومن جهة أُخرى، "فإن الإدراك أن النضال يهدف إلى الحفاظ على الديمقراطية اليهودية التي تهمشهم كأقلية قومية، يطرح أسئلة عن مشاركتهم". وتضيف الدراسة أن المواطنين العرب، وخصوصاً الشباب منهم، يعبّرون عن غضبهم، في وسائل التواصل الاجتماعي، على الحراك اليهودي الذي "يحاول جزء منه إقصاء العرب عن التظاهرات"، وهم يرون "في منعهم من رفع العلم الفلسطيني محاولة لإلغاء هويتهم القومية"، كما يشير الحديث الذي يدور في وسائل التواصل الاجتماعي "إلى شعور بالاغتراب لدى الشباب العرب، إذ يراهم اليمين "مخربين" أو "داعمين للإرهاب"؛ أما اليسار، فيريدهم بشرط التنازل عن هويتهم القومية الفلسطينية".

 

كيف نفسر هامشية المشاركة العربية الفلسطينية؟

يلاحظ المستشرق والأكاديمي الإسرائيلي دورون متسا أن الجمهور العربي، الذي كان "جزءاً فاعلاً" من حركة الاحتجاج الواسعة على غلاء المعيشة التي جرت في صيف 2011، ليس حاضراً في التظاهرات الجارية اليوم ضد الإصلاح القضائي، وذلك على الرغم "من المصلحة المشتركة" التي تجمعه مع الساعين إلى إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، فضلاً عن أن الإصلاحات القضائية المطروحة "تهدف إلى تقليص صلاحيات المحاكم التي مهمتها الدفاع عن الأقليات"، بينما تعتقد الأكاديمية الفلسطينية سهير أبو عقصة داود أن الدولة التي "تعرّف نفسها صراحةً على أنها يهودية، وليس دولة لجميع مواطنيها"، لا يمكنها "أن تضمن الحقوق الديمقراطية الأساسية والمواطنة المتساوية لأقليتها". وهي تستشهد بالكاتب والناشط أمير مخول، الذي يقدّر أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل "يدركون إلى حد كبير أن مشاركتهم لن تضيف الكثير إلى الاحتجاجات، لأن المعارضة الإسرائيلية تستبعد مطالبهم ورموزهم تماماً"، ويضيف أنه بينما يهدف المحتجون اليهود بصورة رئيسية إلى "الحفاظ على النظام الإسرائيلي"، يرى العرب أنفسهم "ضحايا هذا النظام وأولويتهم هي الدفاع عن أنفسهم وعن وجودهم الذي يهدده هذا النظام".

وتعتبر الأكاديمية نفسها أن هناك تقديراً مختلفاً لدور المحكمة العليا لدى العرب واليهود، وتعدّد أمثلة عديدة لقضايا شرّعت فيها المحكمة العليا سياسات تمييزية ضد الفلسطينيين بذريعة حماية "المصالح الأمنية لإسرائيل"، وتتوقف بصورة خاصة عند قانون أساس "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 19 تموز/يوليو 2018، وشرّعته هذه المحكمة، على الرغم من أنه ينكر حق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه ويعتبر أن "الحق في تقرير المصير القومي في إسرائيل يخص الشعب اليهودي فقط"، لتخلص إلى أن هجوم حكومة بنيامين نتنياهو على سلطة المحكمة العليا ومحاولتها الحد من صلاحياتها "لن يؤثر بصورة مادية على الفلسطينيين، الذين عانوا منذ فترة طويلة من التمييز القانوني الذي أيّدته هذه المحكمة العليا".

والواقع، أن المحكمة الإسرائيلية العليا، وكما يقرّ دان بيري رئيس نقابة الصحافيين الأجانب في إسرائيل سابقاً، "لم تبدِ أي شجاعة أو نشاط إزاء أي من القضايا الكبيرة فعلاً، والمثال الأفضل هو امتناع القضاة من إزعاج الاحتلال في الضفة"، ذلك إنها لم تمنع إجراءات العقاب الجماعي الذي تفرضه سلطات الاحتلال على الفلسطينيين، ورفضت جميع الطلبات بوقف إغلاق الطرق أمام الفلسطينيين ومنع وصولهم إلى أراضيهم بسبب الجدار الفاصل، وأبقت على القانون الذي جعل من مقاطعة بضائع المستوطنات مخالفة جنائية، كما صادقت على حق المستوطنات بمنع المواطنين العرب في إسرائيل من السكن فيها، ليخلص إلى أن هذه المحكمة لم تقم، عملياً، "بأي شيء لمنع هذه الإجراءات، بل أكثر من ذلك، تعاونت مع من يقوم بها"، وأقصى ما يمكن قوله بشأنها هو "إنها شكّلت سداً أمام أبشع الجرائم التي لا يمكن التغاضي عنها، وحاولت أن تحافظ على صورة "إنسانية" في إطار القانون الإسرائيلي".

 

  • لا ديمقراطية مع الاحتلال

يعتبر العديد من المحللين الفلسطينيين والإسرائيليين أن القضية الكبرى التي يتجاهلها المتظاهرون اليهود الذين ينزلون بعشرات الآلاف إلى الساحات العامة للحفاظ على "الديمقراطية" الإسرائيلية هي أن لا ديمقراطية مع الاحتلال، إذ يشير الباحث الفلسطيني الأميركي المقيم في واشنطن، يوسف منيّر، إلى أن الألوف المؤلّفة من المتظاهرين اليهود الذين يتظاهرون ضد الإصلاح القضائي ويأملون بـ "إنقاذ جوهر الديمقراطية" في إسرائيل، يتجنبون إلى حد كبير مواجهة المشكلة الأساسية، وهي أن جوهر النظام الإسرائيلي هو "وضع الاستعمار الاستيطاني فوق أي مبدأ ليبرالي مثل الديمقراطية أو المساواة أو حقوق الإنسان"، مرجعاً سبب هذا التجاهل إلى "كون هؤلاء الناس ليسوا ضحايا الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، بل هم من المستفيدين منه"، وهذا بالضبط ما يمنع أقطاب المعارضة السياسية الحالية لبنيامين نتنياهو "من بناء شراكات حقيقية مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل".

بينما يذكر الكاتب والناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان، نير أفيشاي كوهين، أنه يسعى، منذ بداية الاحتجاجات ضد "الانقلاب الدستوري"، مع مجموعة إسرائيليين إلى نشر مقولة أنه "لا توجد ديمقراطية مع احتلال" بين المتظاهرين، وأنه "من غير المعقول التظاهر من أجل هذا الموضوع، في ظل وجود ديكتاتورية عسكرية منذ 56 عاماً، على بُعد مسافة قصيرة جداً"، بيد أن أغلبية المتظاهرين "لا تفهم ذلك، وبصورة خاصة قيادات الاحتجاجات". ويضيف الناشط نفسه أن هناك علاقة مباشرة ما بين "بوغروم" بلدة حوارة وبين الانقلاب الدستوري الذي تقوم به حكومة إسرائيل، ذلك "إن هؤلاء الذين يقودون الانقلاب دعموا "البوغروم"، إما من خلال التجاهل، وإما من خلال الإدانة الخفيفة، وهي أسوأ من الصمت"، وهذا من دون الحديث عن وزير المال بتسلئيل سموطريتش الذي قال "إنه يجب محو حوارة". فهؤلاء جميعاً، "يريدون أيضاً توسيع المستوطنات وتعميق الاحتلال في المناطق المحتلة، وهم معنيون بتوسيع إلغاء الديمقراطية إلى داخل إسرائيل أيضاً"، ليخلص إلى أن على المتظاهرين" أن يفهموا هذه العلاقة المباشرة، وأن يصرخوا بها من على كل منصة".

وفي الاتجاه نفسه، يرى نداف تامير، الدبلوماسي السابق والمدير العام في إسرائيل للوبي الأميركي "جي – ستريت"، أن "هناك صلة مباشرة بين احتلال مستمر منذ عشرات السنوات وبين ما يجري في إسرائيل في هذه الأيام"، ذلك إنه "لا يمكن وجود ديمقراطية في الداخل وديكتاتورية حيال الخارج؛ ففي نهاية الأمر سيتغلب أحدهما على الآخر، فإمّا تنتصر الديمقراطية عندما تتوقف السيطرة على شعب آخر، وإمّا تنتصر الديكتاتورية عندما يتم استخدام الأدوات الديكتاتورية التي طُبقت في المناطق ضد المواطنين في إسرائيل أيضاً". وهو يتوقع أن هذه الحقيقة ستدفع أخيراً ملايين الإسرائيليين "إلى إدراك أن استمرار الاحتلال لا يكبّد فقط الفلسطينيين ثمناً باهظاً، بل الإسرائيليين أيضاً؛ وأن السبيل إلى ترميم الديمقراطية الإسرائيلية لا يكون فقط بوقف أو تغيير إجراءات الحكومة الحالية، بل يجب أن يمر أيضاً بإنهاء الاحتلال".

 

مسوّغات الدعوات إلى المشاركة العربية في التظاهرات

نقلت بعض وسائل الإعلام أن حوالي 200 من ممثلي العرب الفلسطينيين في إسرائيل وقّعوا، يوم السبت في 18 شباط الفائت، عريضة ضد الإصلاح القضائي، ودعوا مجتمعهم إلى الانضمام إلى التظاهرات واسعة النطاق التي يتم تنظيمها، مؤكدين "أن اختفاء الضوابط والتوازنات في النظام القضائي سيكون له على الأرجح تداعيات على مجتمع الأقلية، والتي ستكون بلا شك أول من يتضرر". ومع إقرارهم بأن المحاكم "فشلت في حماية حقوقنا القومية والمدنية"، إلا إنهم رأوا أن وجودها "يحمينا من المزيد من الانتهاكات من قبل الحكومة". وعبّر الموقعون على العريضة عن قناعتهم بأن إصلاح النظام القضائي الذي تعتزم حكومة بنيامين نتنياهو القيام به "سيمهد الطريق لإضعاف التمثيل العربي في الهيئات العامة، وخصوصاً في الكنيست"، كما سيساهم في "إضعاف حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية"، ودعوا الفلسطينيين "إلى إسماع أصواتهم والمشاركة في التظاهرات وتنظيم الأنشطة المحلية".

ويقّدر بعض المحللين أن من مصلحة العرب الفلسطينيين المشاركة بزخم في النضال للحؤول دون تمرير الإصلاح القضائي، ذلك إن من ضمن أهدافه كذلك تحقيق مخطط ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل وفرض نظام تمييز عنصري عليهم.

 

من أهداف الإصلاح القضائي: فرض نظام الأبرتهايد

ففي نظر المحلل العسكري رون بن يشاي من المهم أن يعرف الجمهور الإسرائيلي أن الإصلاح القضائي يهدف، بصورة خفية، إلى "الضم الجارف لكل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر، من دون إعطاء المواطنة للفلسطينيين سكان الضفة الغربية"، وأن المخطط التفصيلي لهذه العملية موجود في "خطة الحسم"، التي وضعها في أيلول/سبتمبر 2017، "بوضوح ومنطق مخيفين"، عضو الكنيست، آنذاك، والوزير الحالي بتسلئيل سموطريتش، بعنوان: "خطة الحسم: مفتاح السلام موجود لدى اليمين".

ولدى توقفه عند مضمون هذه الخطة، يشير المحلل نفسه إلى أن بتسلئيل سموطريتش يدّعي أن الفلسطينيين "ليسوا مستعدين، ولن يصبحوا مستعدين في أي ظرف من الظروف للموافقة على ممارسة اليهود حقهم في تقرير مصيرهم القومي بين نهر الأردن والبحر المتوسط؛ لذلك، فشلت كل خطط الحل التي تعتمد على تنازلات إقليمية". وهو يرى أن "من الحماقة تجاهُل الخصوصية القومية - الدينية الفلسطينية"، ويقترح، بدلاً من دولتين لشعبين، ضم الضفة الغربية المحتلة، بحيث لا يبقى أمام الفلسطينيين سوى ثلاثة خيارات: الخيار الأول: هو "البقاء في الضفة والعيش تحت السيادة الإسرائيلية في عدد من الجيوب- منطقة الخليل، وبيت لحم، ورام الله، ونابلس، وجنين، على أن لا يُعتبر الفلسطينيون مواطنين في إسرائيل، بل مجرد سكان مقيمين (مثل العرب في القدس الشرقية)، شرط تعاونهم وعدم معارضتهم"؛ والخيار الثاني: هو "أن يغادر الفلسطينيون الذين لا يرغبون في العيش تحت حُكم إسرائيل طوعاً، على أن تقدم لهم دولة إسرائيل مساعدات مالية"؛ والخيار الثالث: هو: "معالجة جذرية للفلسطينيين الذين يرفضون الخيارين السابقين: مع توجيهات قاطعة إلى أنه في إمكان الجيش القضاء على "المخربين" خلال وقت قصير، وقتل مَن يجب أن يُقتل، وجمع السلاح حتى الرصاصة الأخيرة، وإعادة الأمن إلى المواطنين الإسرائيليين".

ويعتقد رون بن يشاي أن بتسلئيل سموطريتش، الذي أصبح وزيراً فاعلاً ومسؤولاً إلى حد كبير عن مستقبل الضفة الغربية المحتلة، مصمم على تنفيذ "خطة الحسم" هذه، ولن يسمح لوزير الحرب يوآف غالانت، ولا لبنيامين نتنياهو، باعتراض طريقه، وهو يريد من الانقلاب القضائي "إزاحة المحكمة العليا التي يمكن أن تشكّل عقبة مهمة في الطريق".

وبحسب بعض التسريبات، فإن بنيامين نتنياهو نفسه لا يعارض خطة ضم المنطقة ج التي تشكّل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، شريطة أن تتم عملية الضم هذه من دون إعلان رسمي، وعلى أن يُتاح للسلطة الفلسطينية في نهاية المطاف السيطرة على 20 أو 25 % من هذه المنطقة.

* باحث ومؤرخ فلسطيني – مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب