news-details

إصلاحات لديموقراطية مزيفة| ماهر بحوث

الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت وصادقت على الطلب الفلسطيني لأخذ رأي المحكمة الدولية في لاهاي بخصوص مواصلة إسرائيل السيطرة على الأرض الفلسطينية من عام 1967- جاءت الردود الإسرائيلية لهذا الطلب كما هو متوقع، وأولها لرئيس الحكومة نتنياهو وقوله بأنه قرار بغيض، وقول مألوف آخر بوجود أكثرية دولية داعمة للفلسطينيين، وأن هيئة الأمم المتحدة تميز ضدها بدوافع سياسية معادية لإسرائيل.

إن المحكمة الدولية ومنذ عشرات السنين لها اعتبار كبير في الهيئة القضائية الدولية ولدى محبي السلام العالمي، أحكامها ملزمة ولا تملك سلطة التنفيذ بدون مشيئة المتغطرسة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن الحجج الواهية بأن هذه المحكمة مسيّسة، تصدر من قبل نفس الذين يقولون ويفسرون لنا هذه الأيام، لماذا يجب أن تكون المحكمة العليا الإسرائيلية سياسية ومنتخبة مباشرة من قبل سياسيين بموجب رؤيتهم السياسية.

إسرائيل تعتمد ومنذ سنين طويلة على الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي باستعمال حق النقض "الفيتو" وإسقاط كافة مشاريع القرارات التي قدمت لها، ولولا هذه الفيتوهات الأمريكية لكان الوضع مختلفا تماما بخصوص احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية.

إسرائيل أخذت الشرعية من هيئة الأمم المتحدة لإقامة دولة لها عام 1948 من قبل نفس الدول الذين لا يصوتون اليوم معها، مثلما في الطلب الفلسطيني الأخير الذي صودق عليه بهيئة الأمم المتحدة. أقيمت المحاكم الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، لتسوية النزاعات بين الدول ومنع جرائم الحرب وخرق حقوق الإنسان، ومن ثم معاقبة المسؤولين عليها.

نرى أن هناك خطا مستقيما ومباشرا يمر بين الممانعة الإسرائيلية للقضاء الدولي وبين السياسة للحكومة الراهنة للمس بالاستقلالية الجزئية للمحاكم، ليلحق الأذى المتواصل بالمواطنين العرب الذين أصبحوا أقلية بعد قيام الدولة بسبب التهجير ثم استقدام ملايين اليهود من خارج البلاد والحبل على الجرار.

إن الصراع القائم هذه الأيام الذي يمكن معرفته وتعلمه من وزير القضاء يريف ليفين، وممن ساعدوا ببلورته وسبكه، من ذوي الأطماع الجشعة، في سلطة يمينية متطرفة تربط القيم بالمصدر الديني المتزمت، هو صراع بدأ بزعزعة الهيئة القضائية والسيطرة على أرض إسرائيل كما يعرّفونها.

هل يوجد أي فرق بين وزير القضاء الذي يسعى متسرعا لسيطرة السياسيين اليمينيين على القضاء، ووزير القضاء نفسه الذي عقد اجتماعا بهيئة الكنيست لبحث امكانية ضم الضفة الغربية لإسرائيل.

أما نتنياهو فهو الذي يتيح حدوث ما يحدث من خطوات متسرعة بأسرع مما كان يتوقع ذلك، لمنفعته الشخصية أولا ثمّ إرضاء لطلبات شركائه بالائتلاف الحكومي اللذين يحسبون أن الفرصة مواتية لهم لتنفيذ مآربهم.

إن المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الكبيرة ضد انقلاب الحكم الراهن على الديموقراطية قد شملت أيضا الخطيئة القديمة - الإحتلال – الذي يغوص الكل فيه رويدا رويدا، ولولاه لما كانت الحكومة الحالية تحارب القضاء والقوانين والمحاكم. فصّلت البدلات بموجب مقاييسها وأذواقهم ولا تحسب حسابات منطقية، مما سيقلب كافة المفاهيم السابقة للديموقراطية التي تتغنى بها إسرائيل محليا ودوليا. لا يأخذوا عبرا ولو بسيطة من وثيقة استقلالهم ومن التاريخ، حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من هذه الغطرسة التي قد ألمت بهم. ناهيك عن قانون القومية الشهير الذي يتحدث بعنجهية عن فوقيتهم، ليصبح الغوص في الغطرسة أعمق. هل يا ترى لا تكفي صفة شعب الله المختار..

كثير من المواطنين اليهود يعتقدون أنه لا بد من إصلاح بالجهاز القضائي ولكن بشكل مختلف عن برنامج وزير القضاء غير المتزن بتاتا، وقد وصفه المستشار القضائي السابق للحكومة يهودا فاينشطاين "بالمذبحة".

إذا ما نفذت هذه الإصلاحات فإنها سوف تغير طريقة الحكم في إسرائيل نحو الديكتاتورية، بدون الحماية القانونية والضرورية للمواطن أمام استبداد وطغيان الحكم المتوقع، وسيلحق بالمواطنين العرب بالقسط الأكبر من الأذى مع أية ديموقراطية إسرائيلية.

الردود القوية للمواطنين والزعماء اليهود على تخريب ديموقراطيتهم التي هي ليست ديموقراطيتنا، يقلقنا أكثر، وسكوتنا معناه التخلي عن الحقوق الشخصية وحقوقنا كمواطنين وكأقلية، بذلك نكون تحت رحمة وعطف السلطة. إذا لم يتعظوا فإنهم سيخربون الكثير ولن يكون هناك نظام قضائي مقبول يحمي حقوقنا التي لا تهم أحدا إن كان من الائتلاف او المعارضة، ونذكّر هنا بعدم وجود "دستور للدولة" يحدد المسموح أو الممنوع للسلطة والمواطنين، ولم يكن ذلك صدفة، وستكون أيضا إصلاحات على صلاحيات المستشارين القضائيين للحكومة والمكاتب الحكومية التي ستقضم من حقوقنا الحالية.

بخصوص مشاركتنا الآخرين بفعاليات ضد الانقلاب القضائي فيما اذا كان ذلك ممكنا ومفيدا لنا، علينا أن لا نتأخر عن ذلك. نحن مواطنون فاعلون بالدولة ويجب أن نحصل على حقوقنا ونحضر مطالبنا أسوة بشركائنا المتظاهرين الذين يرفضون التخلي عن ديموقراطيتهم المزيفة غير المنصفة لنا. سينالون ما يريدون بأقرب وقت، وغير ذلك مستبعد، لأن الطاسة قد تضيع.

شفاعمرو

في الصورة: مواجهات في شوارع تل أبيب – تصوير: اورن زيف (أكتفستلز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب