news-details

ابن البلد الصريح الذي كثيرا ما أغضب الآخرين بصراحته المتناهية | مفيد صيداوي

في وداع الصديق وابن الشعب البروفسور فاروق مواسي (أبو السيِّد):

لم أتوقع كما لم يتوقع الكثيرون أن يغيب عنا العالم اللغوي والشعري الصديق البروفسور فاروق مواسي، هذا الرجل الذي سار بمشروعه الأدبي مستثمرا كل لحظة في حياتهِ وكل إمكانية وفرصة تتاح له مستشهدا بالمثل الذي يقول: "إن لم أكن لنفسي فمن يكون لي؟".

     أبو السيد يكبرني بتسع سنوات، ولذا كبرت وشببت وأبو السيد يكبر في مجال التعليم والأدب، فقد علم في بلدي مع زميله الصديق الأستاذ أحمد نمر خواجة، ومعا ثبتا مدرسة وادي القصب خور صقر (اليوم تحمل اسم النهضة ويديرها الأستاذ سهيل كبها)، فكان عليهما أن يعلما الصفوف من البستان حتى الثامن، من خلال دمج عدة صفوف مع بعضها بسبب قلة الطلاب في منطقة دون شارع معبد،

وهما دون وسائل نقل شخصية بل الباص الذي ينقل الطلاب والعمال والمسافرين من وإلى قرى المثلث مرتين في اليوم فقط. صيفا وشتاء كان عليهما أن يمشيا سيرا على الأقدام من الشارع الرئيسي شارع وادي عارة (شارع 65)، إلى وادي القصب، مسافة حوالي كيلو متر. لم يكن ذلك هينا في تلك الأيام، وما يذكره الطالب في المدرسة الابتدائية "السلام" في ذلك الوقت أن مدرستنا تبرعت للمدرسة الجديدة بلوح أو أكثر وطباشير وبعض الكراسي، فيما بعد حدثني أبو حسام أحمد نمر خواجة أنه توجه لمديري المدارس لتأثيث المدرسة. وأنا أذكر من هذا أهالي من وادي القصب وخور صقر وهم يحملون على أكتافهم هذه التبرعات بفرح شديد وكأن الدنيا كلها تفتحت أمامهم بحصولهم على هذه المدرسة.

بقي أبو السيد وفيا لهذه السنوات، وعندما توفي في العام الماضي الأستاذ فؤاد كبها، طالبهما، جاء الزميلان وتحدثا عن تلك الأيام الصعبة وأبدع أبو السيد في تأبين طالبه والحديث عن الحي والطلاب. وكان يشارك في كل مناسبة له فيها معارف في المنطقة. أذكره معلما شابا يدخل مسابقات في الراديو، ومن ثم يتحدث كشاعر.

بعد تخرجي من الثانوية ككل الكتّاب الذين مروا في تلك المراحل بدأت أخربش للجرائد والمجلات، وبدأت تظهر لي مقالات وتعليقات في الجرائد، فكتبت مراجعات نقدية عن بعض كتبه منها ديوانه الأول، فكتبت مقالا بعنوان (ملامح جديدة في شعرنا المحلي) نُشِرَ في 6-08-1971م، و من ثم عن كتابه (أستاذ قد الدنيا )نشر في مجلة التقدم التي أصدرتها كتلة الجبهة في نقابة المعلمين العدد المزدوج (3+4 الصادر عام 1989م)، في نقد بعض الظواهر لدى معلمينا، ومن ثم مقال في جريدة الاتحاد بعنوان الشاعر فاروق مواسي ، نشر في 27-10-1992م، وفي عام 1996\ 97 أصدرت مجلة الشرق الأدبية لمحررها د. محمود عبّاسي عددا خاصا تكريما للأديب فاروق مواسي فكتبت مقالا بعنوان "في تكريم الدكتور فاروق مواسي، أتمنى له كما تمنى هو لنفسه أن يستمر في الكتابة حتى تطيب الكلمة ويرقى الفكر" فاتصل بي بعد المقال الأول والتقينا وشجع وناقش ومن هنا بدأنا نلتقي كمعارف وأصدقاء.

في عام 2011م توفي صديقنا جمال يوسف قعدان الملقب بالأصمعي (1944م- 2001م)، فقامت لجنة تأبين انبثقت عن: بلدية باقة الغربية والمدرسة الثانوية ومن أهالي المدينة ومعارف الفقيد، فكتب قصيدة جميلة بعنوان "هاك القلم" نشرت في كتاب التأبين ص28-30، وفي 25-06-2011م، شارك في تأبين المؤرخ العصامي لباقة الغربية الرفيق صبحي بيادسة، فألقى قصيدة معبرة وأكد في كلمته القصيرة عن المحتفى به دور رفيق دربه الرفيق إبراهيم بيادسة (أبو عمر) المعروف في باقة الغربية بـ(إبراهيم الشيوعي) روحه طلبت الرحمة أيضا.

وكرمته باقة كما كرمت زملاءهُ من حملة شهادة الأستاذية (بروفسور) ذلك الحفل الذي حضرته تكريما لهم، وهم البروفسور خليل عثامنة (معلمي في كلية منشه، وزميلي في كلية أورنيم الأكاديمية)، والبروفسور محمود غنايم (زميلي في الدراسة في كلية منشه، ومن ثم معلمي في جامعة تل أبيب، ومن ثم زميلي في كلية بيت بيرل الأكاديمية)، والبروفسور فاروق مواسي، وأعتقد أنه تقليد يجب تشجيعه في كل بلدة ومدينة وألاّ يقتصر على حملة شهادة البروفسور بل لكل من يعطي لشعبه وبلده.

أجرى معه الشاعر المصري عيد السمطي مقابلة نشرت في مجلة "فينيق الصادرة في الأردن يوم الجمعة 20-09-2020م، عبَّرَ فيها عن حبه للغة العربية وأمانيه نحوها قائلا: "رسالتي الحضارية فيما أكتب، أن أكون سادنا في محراب هذه اللغة، وأمينا على قيادة الدفة إذا أتيحت لي – نحو الحق والخير والجمال والحب ... أكتب حتى يكون للحياة(أو لحياتي) معنى، حتى تطيب الكلمة ويرقى الفكر".

الرحلة الألمانية (1993م) برفقة أبي السيّد

مرت سنوات حتى التقينا كمربين من عدة بلدان ومن ديانات مختلفة بينهم كاتب هذه السطور (عرعرة)، د. فاروق مواسي (باقة الغربية)، كرميلا شحادة (شفاعمرو)، أمين صرصور (كفرقاسم)، وغيرهم من الزملاء اليهود والعرب، وكلهم يهمهم أن يكون تكامل وحياة سلام وتفاهم بين الأديان وليس احتراب، والتقينا هناك بوفود من دول مختلفة بينهم من المانيا وأوروبا وبعض الدول العربية، وذلك في الفترة الممتدة من (8 شباط 1993 حتى 22 شباط 1993م)، وفي بندورف في المانيا الغربية ، وهذه أول مرة أكون بها في المانيا الغربية ، في حين كنت أكثر من مرة في المانيا الديمقراطية كانت آخرها سنة (1989\1990م)، أي سنة سقوط المانيا الديمقراطية وتوحيد الألمانيتين وآمل أن استطيع العودة في مقالات أخرى لهذه الفترة.

وأعود لصديقي د. فاروق الذي سكنت معه في غرفة واحدة، أتاحت لي التعرف عليه عن كثب سواء من حيث العادات الشخصية أو التفكير والفكر السياسي، في هذه اللقاءات استمعنا لمحاضرات مختلفة من باحثين ورجال دين من الديانات التوحيدية الثلاث، صبت كلها في ضرورة التسامح وعدم التعصب، إلى جانب الاطلاع على طقوس مختلفة في الديانات الثلاث، وبعضها تطرقت للقضايا السياسية، وهنا أكدنا معا أننا في نقاشاتنا مع الثوابت الفلسطينية، مؤكدين على أن الانتفاضة في حينه ثورة شعب أعزل في مقاومة احتلال، وأكدنا في نقاشاتنا ضرورة احترام هذا الشعب وإعطائه حقوقه الكاملة في التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة والعلم، ورفضنا صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية إلى قضية البوسنة والهرسك.. وطلبنا محاضرة للدكتور فاروق مواسي عن القضية الفلسطينية وعن العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم/ مع أن المنظمين لم يرفضوا رسميا إلاّ أن المحاضرة لم تقم، ونعتقد أنهم أقاموا في نفس الوقت محاضرة أحسسنا أنهم دعوا لها بشكل مكثف وبذلك لم تقم محاضرة أبو السيد في الواقع، في هذه الرحلة كان أبو السيد ودكتور يهودي باللغة العبرية أكبرنا سنا ولكن أبو السيد كان يتحدث مع الجميع بخلق ودماثة وكان أصبانا حركة وخفة روح واستعدادا للمزاح/ كان نعم الرفيق والصديق في هذه الرحلة.

اهتم أبو السيد بأدبه وكتاباته واهتم بإيصال كلمته للجمهور، فكتب في جريدة الاتحاد، وكان يهتم بأن تكون هذه الجريدة التاريخية بين يديه وغضب للصعوبات التي واجهتها في المدة الأخيرة، وكان يغضب إذا تأخر مقاله ويهاتفني، ويهاتف هيئة التحرير،وأسس موقعا الكترونيا نشر فيه أدبه، وترجم بعض قصائده للغة العبرية - ليطلع الآخر على أدبنا وقدراتنا -كما كان يقول –وأحدها ( פארוק מואסי –העצבניים שלא הובנו– שירים - 1989)، قدم له الشاعر العبري ساندو دافيد (رئيس اتحاد الكتاب في دولة إسرائيل – وكان د. فاروق نائبه في هذا الاتحاد)، كما ترجم هو أيضا من العبرية للعربية، وساهم في الكتابة بمجلة الإصلاح الثقافية التي رأى بها منبرا هاما للأدب والثقافة العربية. وبمبادرته أصدرت له دار الأماني للطباعة والنشر كتابه "حوارات معي" عام 2005م، جمع فيه المقابلات واللقاءآت معه من قبل الصحف المحليّة وغيرها، وأذكر كيف تقاسمنا ثمن الطباعة وتقاسمنا الكتب.

في الانتخابات البرلمانية الأخيرة اتصل بي وبالدكتور يوسف جبارين طالبا كتابة نص ليوقع عليه الأدباء والمثقفين تأييدا للقائمة المشتركة.

رحم الله فقيد الأدب العربي واللغة العربية، وابن البلد وابن شعبه المخلص، وتعازي الشخصية لأسرته وزوجته أم السيد، وأخوية الصديقين الشاعر كاظم مواسي وإدريس مواسي، وسيكتب الأدباء والباحثون عن هذه الشخصية الأدبية والثقافية بحلاوتها وسلبياتهاككل إنسان، ونأمل أن تقوم بلدية باقة الغربية والمؤسسات الثقافية التي علم بها وخاصة كلية القاسمي بتخليد ذكراه بما يليق بهذه الشخصية الفذة والصادقة مع نفسها ومع من عرفها وتعامل معها.

(عرعرة– المثلث)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب