news-details

استغلال العاملات والعمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل اسرائيل| دخيل حامد

أصبحت ظاهرة الاستغلال والمعاناة مشهدًا يوميًا، إذ نُعاين صبيحة كل يوم تدفق آلاف العمال الفلسطينيين على بوابات الحواجز العسكرية الإسرائيلية وذلك قبل بزوغ الفجر، حيث يتعرضون لفحص أمني يومي دقيق ومهين، وأصبح هذا المشهد المذل جزءًا من حياتهم، يصبرون ويتحملون هذه المشاق وهذا الإذلال من أجل تأمين لقمة العيش لأفراد العائلة، نعم.. يمرّ هؤلاء العمّال والعاملات درب الآلام يوميًا.

يقدر عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل الخط الأخضر قرابة 65 ألف عامل وعاملة، وهذا الرقم يشكل قرابة %72 من عدد العمال الفلسطينيين المنخرطين في سوق العمل الإسرائيلي، وقد حصلوا على تصاريح عمل رسمية، اذ تتراوح أسعار التصاريح ما بين ألفين حتّى 3 آلاف شيكل، يقوم العامل بدفعها شهريًا حفاظًا على تصريحه لأنه خلافًا لذلك سيتم إلغاء التصريح، ومن ثم فقدان مكان العمل. ويضطر العامل الخروج من بيته مع دخول صلاة الفجر ويعود مع حلول آذان المغرب أي أن يوم عمله يصل إلى قرابة 15 حتّى 16 ساعة. لذا نقول نعم لقمة عيش الفلسطيني مغموسة بالعرق والدم والإذلال والخوف، وهذه القضية تحتاج لعمل مشترك ولتضافر الجهود من قبل الجهات المختلفة للتخفيف من هذه المعاناة المستمرة.

يُشار إلى أن الأرقام أعلاه صحيحة قبل مباغتتنا لجائحة كورونا. ويوجد من يحملون تصاريح عمل تجارية يقدر عددهم بقرابة 10 آلاف عامل، ويحصل هؤلاء على تصاريح دخول لإسرائيل بواسطة الغرف التجارية. كما ان عددًا لا بأس به من العمال يدخلون عن طريق التهريب ويقدر عددهم بقرابة 37 ألف عامل، أضف الى هذه الأرقام 38 ألف عامل وعاملة ممن يعملون في المزارع الإسرائيلية بالأساس بالمستوطنات وداخل الخط الأخضر. وتكون تصاريحهم محددة لمكان العمل في المساحة التي يعملون فيها فقط. وجدير بالذكر ان الغالبية العظمى من العمال الفلسطينيين الذي يعملون في اسرائيل هم من الرجال.

في المسح الذي أجري للعمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر سنة 2018 سجلت التفاصيل التالية: عدد العمال 104400 وعدد العاملات 700، والمجموع 105100 (المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2019 (قاعدة بيانات القوى العاملة، 2018 رام الله فلسطين).

وانتشرت منذ سنوات بشكل واسع ظاهرة السماسرة الذين يتاجرون بتصاريح العمل، وهؤلاء السماسرة هم من الجانب الاسرائيلي وللأسف من الجانب الفلسطيني ومن العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. فبالإضافة للمخاطر اليومية التي يتعرض لها العامل الفلسطيني يأتي هذا الإستغلال وهذا الابتزاز، أي أن تصاريح العمل تباع في السوق السوداء وتداخلت في هذه الظاهرة البغيضة الأدوار الأمنية والاقتصادية والشخصية. وغني عن القول أن هذه الظاهرة غير قانونية ومخالفة للاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهي منافية للقوانين وللاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية باريس الاقتصادية لا سيّما المادة (37) منها التي حددت مرجعية دخول وخروج العمال الفلسطينيين من وإلى اسرائيل من خلال مكاتب الاستخدام الاسرائيلية والفلسطينية وليس سماسرة بيع التصاريح أو غيرهم.

كما أن ظاهرة السمسرة بالتصاريح تعتبر مخالفة لاتفاقية العمل الدولية (101) التي تمنع الدفع مقابل الحصول على فرصة عمل وهذه الظاهرة منافية لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (44) بشأن البطالة من العام 1934. وهنا لا بد من الإشارة الى أن ظاهرة السماسرة والسمسرة بتصاريح العمل بدأت منذ عام 2000 من خلال أشخاص وشركات وشبكات منظمة تقوم ببيع تصاريح العمل غير الرسمية للعامل الفلسطيني بنفس المبلغ الذي ذكرته آنفًا. ويقوم العامل بدفعه بشكل شهري للسماسرة حفاظًا على مكان عمله ويقدر حجم هذا السوق بقرابة 250 مليون شيكل.

وبالمناسبة هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على الاقتصاد الفلسطيني الذي يخسر بسببها حوالي مليار دولار سنويًا، وهذا ثمن 80 ألف تصريح تصدره الحكومة الاسرائيلية ليباع في السوق السوداء، أضف الى ذلك انخفاض القوة الشرائية في السوق الفلسطينية. ومحاربة هذه الظاهرة تتطلب التنسيق بين الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والهستدروت وأطراف أخرى، مثل الحكومة الفلسطينية ومنظمة العمل الدولية.

كما ذكرت سابقًا بموجب اتفاقية باريس يجب أن يتم منح التصاريح من خلال مكاتب الاستخدام التابعة لوزارة العمل الفلسطينية والاسرائيلية وهذا الإجراء كفيل بمحاربة هذه الظاهرة التي أصبحت تقض مضاجع النقابات والحكومة الفلسطينية، أضف الى ذلك أن يتم ملاحقة هؤلاء السماسرة من قبل الحكومة الفلسطينية، علمًا بأن عددًا كبيرًا من هؤلاء هم من حملة الهوية الاسرائيلية ويصعب ملاحقتهم ولكن ما هو مطلوب من الحكومة الفلسطينية هو ملاحقة واعتقال السماسرة الفلسطينيين.

اتحاد النقابات الفلسطينية ومن خلال التوجه للاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) والمنظمات التابعة له يطلب باستمرار التدخل لدى الطرف الاسرائيلي ووزارة العمل الاسرائيلية والهستدروت لإنهاء ظاهرة السماسرة والسمسرة بشراء وبيع التصاريح (تصاريح العمل)، ومطلوب إيجاد الحل لتراجيديا حوادث العمل وعلاج مشكلة عبور الحواجز العسكرية الاسرائيلية حيث يجرى تدافع ومشاكل عند دخول المعابر.

بلا شك أن الواقع الاقتصادي الصعب وسياسات الإغلاق والحصار واجراءات منع الاقتصاد الفلسطيني من الحصول على استقلالية، والانفكاك والتحرر من قيود الاحتلال وغيرها من إجراءات أدّى إلى إضعاف القدرات الانتاجية للاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وأسباب اجتماعية أخرى. وكل هذه العوامل مجتمعة وضعت وأدخلت العديد من الأسر والأفراد أمام قبول فكرة العمل في سوق العمل الإسرائيلي رغم الاستغلال والتمييز والغبن الكبير الذي يتعرض له العامل الفلسطيني مقارنة مع العامل الإسرائيلي، وذلك من حيث الحقوق ومكانته والامتيازات في مجال العمل.

 كل ما جاء أعلاه إضافة الى ارتفاع معدلات المخاطرة للمهن التي يتاح للعامل الفلسطيني القيام بها مقارنة مع غيره من العاملين، حيث ان معظم العمال الفلسطينيين يعملون في مجال البناء الذي يعتبر عملاً صعبًا وشاقًا، ورغم كل الصعوبات والاستغلال والتمييز الذي يتعرض له العامل الفلسطيني ولمواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها العامل وأفراد عائلته يقبل العمل في اسرائيل مخاطرًا بحياته أحيانًا من أجل ضمان لقمة العيش الكريم له ولأفراد عائلته.

يوجد حقيقة من المهم التطرق إليها وهي أن العامل الفلسطيني الذي يعمل بشكل نظامي (قانوني) داخل اسرائيل ويحصل على قسيمة راتب رسمية تحفظ له الحقوق المختلفة، كما أن العامل في مثل هذه الحالة يحصل على أجر أفضل الى جانب التأمين الصحي، وينطبق عليه اتفاقيات العمل الإسرائيلية. مثال على ذلك اتفاقية العمل الجماعية في فرع البناء، أما العامل الفلسطيني الذي يعمل في الزراعة فإن أجره اليومي 200 شيكل، بينما نظيره من اسرائيل يحصل على 400 شيكل إضافة الى عدم وجود تأمين صحي ولا تنطبق عليه/عليها اتفاقيات العمل الاسرائيلية.

لقد كتب الرفيق هادي نصار مقالاً مهمًا في جريدة الاتحاد يوم 2020/11/20 تحت عنوان حق العامل الفلسطيني بين مطرقة الاحتلال وسندان الرأسمالية. وتضمّن المقال محطات هامة وجوهرية وذلك بكل ما يتعلق بالعمال الفلسطينين الوافدين للعمل في اسرائيل (داخل الخط الأخضر)، وتطرق لموضوع السماسرة والسمسرة، بلا شك أن اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعت يوم 1994/4/29، وبقصد أو بغير قصد ربطت الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي وهذا الأمر منع الاقتصاد الفلسطيني لاحقًا من التطور بالوتيرة المطلوبة.

وبعد اتفاق باريس، وقع اتفاق آخر بين الهستدروت الجديدة والنقابات الفلسطينية تم الاتفاق بموجبه على توزيع ما يُجبى من العامل الفلسطيني الحاصل على قسيمة راتب رسمية مناصفة ما بين الهستدروت واتحاد النقابات الفلسطينية، وفي مرحلة من المراحل وصل المبلغ الإجمالي قرابة 29 مليون شيكل، وزعت مناصفة وبالتساوي بين الهستدروت والنقابات الفلسطينية، والتفسير الذي أُعطي لهذا الترتيب، هو أن النقابات الفلسطينية تقدم الخدمات النقابية للعامل الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية والهستدروت تعطي الخدمات للعمال الفلسطينيين داخل اسرائيل وتمّ جباية هذه المبالغ من قبل قسم المدفوعات مؤخرًا، وعلى ما أظن منذ شباط 2020 توقف قسم المدفوعات عن جباية هذه المبالغ ولم يتم ترتيب آلية جباية جديدة وبلا شك أن هذا الأمر يضر بالهستدروت ولكنه يضر بالنقابات الفلسطينية أضعاف مما يضر بالهستدروت لأن الهستدروت تمتلك مصادر دخل من قرابة 800 ألف مستخدم منظم في صفوفها يدفعون رسوم عضوية ورسوم تقديم خدمات ولا أحد يعرف ما إذا كان سيتم إيجاد آلية جديدة لجباية المبالغ أم لا.

وهنا من الأهمية بمكان أن نذكر أنه وبعد سنوات عديدة من المطالبة بتغيير طريقة تشغيل العمال الفلسطينيين، بحيث لا يتم تقييد العامل الفلسطيني بمشغل معين، صودق على الترتيب الجديد للتشغيل والذي بموجبه تمنح حرية اختيار مكان العمل للعامل الفلسطيني شريطة أن يكون حاصلًا على تصريح عمل، وهذا تغيير مهم جدًا ومن شأنه أن يخفف استغلال العامل الفلسطيني وفي النهاية لا بد من الإشارة الى أنه ورغم وجودنا في ائتلاف داخل الهستدروت ونعمت إلا أننا لا نرى العديد من الأمور من نفس المنظار، وعندما يحدث تقصير معين في موضوع معين نسمع صوتنا بكل وضوح ودون تردد وتأتأة لأننا نحلل الأمور طبقيًا ونرى العلاقة بين ما هو طبقي سياسي واقتصادي واجتماعي وقومي ونقابي، وبمنتهى التواضع أقول أنه بفضل نشاطنا وعملنا الدؤوب المثابر والمتواصل تم التوقيع على اتفاقية الأمن والأمان لعمال البناء. الاتفاقية وقعت سنة 2018 بعد أن أعلن عن نزاع عمل، وقد شملت الاتفاقية بنودًا مهمة جدًا، ولو نفذت الحكومة ما هو مطلوب منها لانخفضت حوادث العمل الى الحد الأدنى.

كان لنا دور كبير في دعم نضال مشغلي الرافعات، وشاركنا بشكل فعّال جدًا في نضال ذوي الإعاقة ونظمنا عدة مؤتمرات لهذه الشريحة الضعيفة من أجل نيل حقوقها. وشاركنا كذلك في نضال المستخدمين في السلطات المحلية، نضال العاملات الاجتماعيات، ونضال الممرضات والطواقم الطبية ونضال المتقاعدين ضد المسّ بمخصصاتهم التقاعدية، والعديد العديد من النضالات العمالية. ومن المهم التأكيد أننا سنواصل هذا النضال يهودًا وعربًا، تحت إطار شعارنا التاريخي يا عمال العالم اتحدوا.

*رئيس كتلة الجبهة بالهستدروت

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب