news-details

الأزمة وبنيتها، من أجل اللحظة اللينينية (1-2)

 من مقدمة كتاب ماركس "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي": "... وفي مرحلة معينة من التطور تدخل قوى الانتاج المادية في صراع مع علاقات الانتاج السائدة أو - وكما يمكن التعبير عنه بمفاهيم قانونية صرف- مع علاقات الملكية القائمة كإطار عملت هذه القوى ضمنه حتى الآن. لتنقلب هذه العلاقات من صيغة تضمن تطور قوى الانتاج الى قيود تحدها. عندها تبدأ مرحلة الثورة الاجتماعية وتقود التغيرات في القاعدة الاقتصادية عاجلا ام آجلا الى تحول في صرح البنية الفوقية بمجملها. .... وكما لا يمكن الحكم على الفرد وفق ما يفكر فيه هو عن نفسه، كذلك لا يمكن للمرء الحكم على مرحلة التحولات هذه بواسطة وعيها هي، بل وعلى العكس من هذا فإن هذا الوعي يجب أن يفسر بواسطة تناقضات الحياة المادية، أي بواسطة التناقض القائم بين قوى الانتاج الاجتماعية وبين علاقات الانتاج" (ترجمتي الخاصة ه.ر.).

**

مع تجدد الصراع الاجتماعي الحاد الدائر في بلداننا بانتفاضتين متزامنتين في كل من الجزائر والسودان بعد أن بدا وكأن الموجة الأولى له قد تم استيعابها بالقمع الدموي أو التدخل العسكري الخارجي أو بالثورة المضادة بيد العسكر والإخوان المسلمين، اعرض هنا اليه لاجئا الى مصادر عديدة منها :"الشعب يريد" و "انتكاسة الانتفاضة العربية" لجلبير اشقر، " ثورة مصر" لسمير أمين و" مقدمات نظرية" لمهدي عامل كقاعدة نظرية من أجل تأسيس مقاربة نظرية يسارية جذرية؛ أي ماركسية وعودة الى موضوعات نيسان اللينينية التي يمر عليها الآن عامها الأول بعد المئة. بعيدا عن تناولٍ سجالي يبقى متمترسا في خندق ردود الأفعال المعتادة والمتداولة من هذا الطرف أو نقيضه فيما طفا على السطح من سجال سئمناه ولم يغننا عن جوع. وبالأخذ بعين الاعتبار اننا بصدد النظر في حدث ما زال جاريا ونحن ما نزال في خضمه فليست لدينا المسافة الكافية بعد لقراءته قراءة علمية منصفة.

وسيتم بناء هذه المقاربة بشكل متدرج، أفحص فيه هذه المواضيع:

 ا) الاقتصاد السياسي للمجتمعات العربية.

ب) الأزمة، الانتفاضة والانتفاضة في أزمة.

ج)"موضوعات نيسان" والخروج من الأزمة.

سأبدأ بملاحظة اعتراضية على عنوان الكتاب الاول "انتكاسة الانتفاضة العربية" (وهي الترجمة الدقيقة فعلا من الانجليزية لـ Relapse وهو العنوان بلغه المصدر)، فالانتكاسة تشير أولا الى عارض طارئ غير متوقع لأمر يسير على أتم وجه فإذ به ينتكس متراجعا الى الخلف وهي تشير ثانيا الى احتمال التجاوز القائم فيها بوصفها عارضا طارئا، احتمالٌ ينم عن قدر معين من التفاؤل. الا انني ارى اننا امام أزمة بنيوية عميقة وأمام بنية مولدة للأزمة بحد ذاتها، فيمكننا إذا نعتها بالمراوحة الآسنة، حيث لا يولد الجديد بتمام صحته وعافيته ولا يموت القديم تماما بل يتلبس لباس الجديد بديلا، وقد تستمر هذه المراوحة عقودا كما في الصين منذ حرب الافيون الأولى في منتصف القرن التاسع عشر وانتفاضة تايبنغ حتى الثورة الوطنية الديمقراطية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وماو تسيتونغ، أو أكثر، كما في حالة الإمبراطورية الرومانية. واجزم اننا امام احد خيارين لا ثالث لهما فإما البربرية وإما الاشتراكية. ويتوقف الأمر على مدى نضج الطليعة الثورية في تحويل مسار الانتفاضة من هذه المراوحة نحو الأفق الاشتراكي ذلك أن جميع عناصر الانفجار ما زالت قائمة تتراكم أمامنا. أما الأمر الثاني فهو استخدام اسم العلم المفرد؛ "الانتفاضة العربية" لوصف الانتفاضات القطرية التي لم تدعي أي منها انها انتفاضة عربية شاملة، ولم ترفع أي منها "الوحدة العربية" أفقا لها، واعتقد أن هذا هو أحد عناصر أزمتها وسأتناوله لاحقا.

 

  1. الاقتصاد السياسي للمجتمعات العربية .

سأستخدم هنا تعبير مهدي عامل:"نظام الانتاج الكولونيالي" لوصف البنية الاجتماعية-الاقتصادية لمجتمعات الدول العربية لإبراز الاختلاف الحاد والمفارق في تطور بلدان "الدول المتخلفة" أو دول الأطراف، أي المستعمرات السابقة وتطور بلدان الغرب الرأسمالي، تقود الى اختلاف في منطق التاريخ ذاته كما أدعى مهدي عامل محقا (مقدمات نظرية؛ ص 404-405). فالطبقة الرأسمالية هنا أي في بلدان "التخلف" هي طبقة مخترعة وريثة إقطاع سابق تحول الى طبقة برجوازية بالوراثة وبتوسط الاستعمار فلم تكن بحاجة الى جلب قيم جديدة معها أو الى تغير المجتمع وهيكلته عل نسق متطلباتها الإنتاجية ، بعكس البرجوازية الأوروبية التي نشأت طبقة مستقلة عن الإقطاع ولم تستطع السيطرة على المجتمع الا بالثورة على هذا الإقطاع لتحضر معها قيما اجتماعية وسياسية ثورية وتنظيما جديدا للدولة والمجتمع، لهذا فإنها كانت طبقة ثورية قلبت المجتمع القديم بالكامل وأدخلت بنية اجتماعية حديثة ومختلفة مكان تلك السابقة.  

أما الطبقة البرجوازية الكولونيالية فإنها جديدة في الشكل لا غير يكون الحاضر معها ماضيا يراوح معها التخلف متجددا. وليس هذا التخلف كميا مؤقتا يمكن تجاوزه بتحسينه بل هو تفارق على مستوى البنية يحدده مهدي عامل على أنه :" تفارق بنيوي في الوحدة البنيوية المعقدة... يظل فيه التفاوت دوما قائماً" ( مقدمات نظرية؛ ص 287).

وبناء على هذا فإن مهدي عامل ينفي القول بوجوب سيطرة "الرأسمالية الوطنية" أو "الديمقراطية البرجوازية الوطنية" كمرحلة ضرورية لا بد أن تمر فيها البنية الاجتماعية الكولونيالية لأن هذا الادعاء يخطئ حين يضع هذه البنية في علاقة تماثل بنيوي مع البنية الاجتماعية الراسمالية (في تمرحل التاريخ؛ ص 79) بينما هي بنية كولونيالية تابعة وملحقة ورثة.

وسأتناول هنا أهم النقاط التي تميز "نظام الانتاج الكولونيالي" على مستوى المنطقة العربية عموما أو قطريا اذا ما استوجب الأمر ذلك:

  1. أزمة تنموية حادة؛ فمن بين دول العالم المسمى ثالثا تشهد المنطقفة العربية (مينا MENA) أزمة تنموية اشد حدة من سائر هذه الدول. وبعد ستينات القرن الماضي الذي شهدت فيها دول اساسية في المنطقة سيطرة القطاع العام وجرت من خلاله تنمية قادتها الدولة –سميت رأسمالية الدولة أو الاشتراكية ذات الطابع العربي في حينه- فإن السياسات الاقتصادية الجديدة منذ أواخر السبعينيات والمسماة "انفتاحا"، حيث جرى تطويع وهكيلة السوق المحلي وفق متطلبات البنك الدولي وخصوصا في مصر لحاجات النظام الليبرالي الجديد (الشعب يريد، ص؛ 20). وقد يعتقد البعض أن سبب الاعاقة في معدل التنمية هو النمو السكاني السريع في هذه المنطقة وهو تفسير مغلوط جزئيا حيث أن معدل النمو السكاني هنا هو اعلى بمقدار 17% منه في جنوب آسيا لكن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي هو أدنى بمقدار 47% منه في جنوب آسيا في نفس الفترة (نفس المصدر ،ص 21). ومن الممكن التحقق من أن الاشكالية قائمة في مستوى الاداء السيء للمنطقة العربية حين نصطدم بمعطايات سنوات ال 2000-2008 حيث شهد السوق ارتفاعا هائلا في اسعار النفط الا أن "معدل النمو بقي أدنى بكثير منه في جنوب آسيا وشرقها، بل هو أدنى من نظيره في أفريقيا جنوب الصحراء" (نفس المصدر، ص 25). ومما يشير الى أننا امام أزمة بنيوية عميقة هو حقيقة أن هذه المنطقة هي منطقة غنية بالنفط والمواد الخام وذات رساميل هائلة ولا تنقصها اليد العاملة المؤهلة.
  2. الفقر، انعدام المساواة وانعدام الاستقرار. هنالك تفاوت ومقاييس مختلفة لتقييم وتعريف الفقر ولكن اذا ما اعتبرنا أن حد الدولار والربع وفق تعريف البنك الدولي هو ما يحدد خط الفقر المدقع لمن هم دونه، فإن نسبة هذا الفقر في المنطقة العربية متدنية قياسا بمناطق أخرى من العالم الثالث ولا تتعدى ال 2,8% بينما هي في امريكا اللاتينية 6,5% مثلا. أما اذا اتخذنا حد الدولارين كدخل يومي للفرد بما يعادل القيمة الشرائية فإننا سنجد انها تتراوح بين ال 14%- 20% في المغرب مصر سوريا العراق ولتصل الى ما فوق ال 45% في اليمن وموريتانيا. (لم نأخذ هنا قطاع غزة المعتبر في أدنى مراتب سلم الفقر). إلا أن هذه الارقام الباعثة على الحزن هي أرقام متفائلة ومتلاعب فيها فالصورة أكثر قتامة اذا ما تم فحص المعطيات بتعمق أكبر (الشعب يريد، ص. 29). أما بخصوص انعدام المساواة فهنالك "معامل جيني"الذي بواسطته يمكن قياس اللامساواة في الدخل والنفقات بين المواطنين، ويتراوح من الصفر في حال المساواة التامة الى ال 100 في حالة اللامساوة المطلقة والبلدان الاقرب الى المساواة عالميا هما اليابان والسويد حيث يشير هذا المعامل الى الرقم 25 تقريبا وتقع البلدان العربية (9 بلدان توجد عنها معطيات) في منطقة متوسطة الى مرتفعة في اللامساواة من ناحية الانفاق وهي تقريبا 31 في مصر مثلا، ولا تتوافر معطيات حول اللامساواة في المداخيل وهي بطبيعة الحال أكبر من هذا بكثير. ويشير تقرير التنمية الانسانية للدول العربية لعام2009 الى أن: "ثمة دلائل توحي أن اللامساواة في الثروة قد ازدادت سوءا.. ويظهر هذا جليا في تركز ملكية الأرض والأصول الاقتصادية ... مما يثير مشاعر الأقصاء لدى الفئات الأخرى.. ويفاقم هذا الاقصاء اكتظاظ الازقة المفقرة الى وسائل الصرف الصحي والمياه ومرافق التسلية والتيار الكهربائي ... وتعاظم نسبة القاطنين في الازقة المحيطة بالمراكز الحضرية ... وبلغت 42% في عام 2001 "(الشعب يريد ص.32 ). وتجب الاشارة هنا الى التفاوت الهائل القائم بين الدول العربية الغنية وتلك الفقيرة مما يدفع الى هجرة العمالة بين هذه البلدان وتوظيفاتها السياسية- الاقتصادية.
  3. العمالة، البطالة الهجرة وتشغيل النساء. تتميز البطالة في المنطقة العربية بأمرين اساسين وهما أولا انها منتشرة لدى الشباب بين 15-24 عاما ولهذا فإن بطالة الشباب تسهم كثيرا في رفع معدل البطالة العام، وثانيا انه كلما ازدادت سنوات تعليم الشاب قلت فرصه في ايجاد عمل. لكن هذه النسبة التي تحوم حول رقم 23-25% تشير الى هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن عمل وتهمل هؤلاء المعطلين غير المسجلين وهؤلاء الذين تسمح لهم ظروفهم عدم البحث عن عمل وعندها فإن هذه الارقام سوف تزداد بشكل كبير. ويفسر البعض ازدياد البطالة بين الشباب في المجتمعات العربية بأن هذه المجتمعات فتية بشكل استثنائي وهذا تفسير غير صحيح جزئيا ذلك ان هنالك مجتمعات اكثر فتوة منها ولكن نسبة البطالة فيها أقل. والاستثنائي حقا هو هذه النسبة المرتفعة لبطالة الشباب والتي لا تجد لها تفسيرا في نظرية " تضخم نسبة الشباب" (Youth bulge) والتي جرت صياغتها في وكالة الاستخبارات الامريكية (الشعب يريد، ص. 41). ويتفاقم التأثير الاجتماعي الاقتصادي السلبي للبطالة ويتعاظم نظرا لأن معظم الدول العربية تحتل قاع الترتيب العالمي من حيث تأمين البطالة والحاصل فعلا هو أن أجمالي العاطلين عن العمل لا يتلقى اية اعانة من قبل الدولة (الشعب يريد، ص 38). ومع أن الهجرة تشكل صمام أمان لاستيعاب جزء من البطالة الا أن فعاليتها تقلصت في السنوات الأخيرة نتيجة تحولات سياسية وقيود على الهجرة في دول اوروبا وتفضيل دول الخليج العمالة الاجنبية على تلك العربية منذ حرب الخليج وهكذا فإن نسبة المهاجرين الى مجوع السكان في المنطقة العربية قد تراجعت مقارنة بين ستينيات القرن الماضي مع العقد الأول للقرن الحالي من حوالي ال 9% ككل حينها الى ال 3,4%. السمة الاضافية الكبرى هي تعطيل دور النساء وحقهن في العمل في المنطقة العربية. فالنسبة المئوية للنساء العاطلات عن العمل تزيد عن ضعف مثيلاتها بين الرجال وهي ضعف نسبة العاطلات عن العمل في المنطقة التالية بعدها من حيث معدل البطالة بين النساء وهي أفريقيا جنوبي الصحراء. وهي ثلاثة اضعاف نسبة البطالة في دول آسيا عموما (الشعب يريد ص 43) . وسأتناول هذه القضية لاحقا عند بحث بنية التبعية التي تميز "نظام الانتاج الكولونيالي" .
  4. النظام الميراثي ومنظومة التبعية. ويكاد يكون النظام الميراثي أو النيوميراثي (Patrimonialism) هو الصفة الملازمة للمجتمعات العربية. وهو وفق ماكس فيبر سلطة مستبدة مطلقة ووراثية تعتمد على 1) قوات مسلحة ولائها هو للحاكم لا للدولة و 2) الوسائل الاقتصادية 3) الأدارة. وتتميز فيه برجوازية الدولة بالولاء المطلق للحاكم وتخضع فيه برجوازية السوق (اي البرجوازية الناشئة بقواها الذاتية) لابتزاز اشخاص النظام. والنظام النيوميراثي هو نظام جمهوري سلطوي له بعد بيرقراطي. وفي كلتا الحالتين تسود المحسوبية والانتفاع والفساد.

وفي معظم حالات هذه النظم فإنها اتت من داخل السيطرة الاستعمارية المباشرة أو برضاها وتشجيعها وسكوتها وربط اقتصاداتها ربطا تابعا لمتطلبات السوق الرأسمالية المعولمة مما ينفي عنها بعض الاستقلالية عن المركز الرأسمالي والتي قد يتوهم البعض وجودها . ولهذا فإن الشكل الميراثي الذي اتخذه نظام الحكم السائد عربيا هو جزء من منظومة التبعية وديمومتها.

 

  1. التبعية بما هي بنية "نظام الانتاج الكولونيالي". إن ما يحدد بنية نظام الانتاج في المنطقة العربية هو تبعيته للاقتصاد الرأسمالي المعولم والذي يفرض تطورا يدعى لامتكافئا على الصعيد العالمي يؤدي به الى تحصيل معدلات نمو هي الأدنى مقارنة بمناطق العالم النامي هذا بالرغم من غناها بعوامل الانتاج رأس المال الموارد الطبيعية والسكانوقصور في معدلات تشغيل السكان. بعد فترة قصيرة لتجارب سميت "اشتراكية" في كل من مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي، ورغم النتائج الجيدة نسبيا دخلت كامل المنطقة في السوق النيوليبرالي منذ آواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم وبادعاء أن الاقتصاد الموجه قد فشل في تجاوز التخلف بدأ بسياسة "الانفتاح" الاقتصادي النيووليبرالي والانصياع لأوامر البنك الدولي. استمر منذ ذلك الحين الهبوط في معدلات النمو رغم التباطئ الواضح في الزيادة السكانية ويراوح الآن في معدل منخفض لا يستطيع تجاوز الفجوة التنموية القائمة واستدراكها.

وأحد اشكال هذه الأزمة هو النسبة المتدنية لمعدلات الاستثمار الثابتة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي؛ فحيث تصاعدت هذه المعدلات في دول جنوب شرق آسيا من 16% الى 30% عشية أزمة 2008 العالمية فإن هذه النسبة بلغت 23% في المنطقة العربية . وفي نفس الوقت الذي تشير فيه معدلات الاستثمار العالية الى الدور الذي تلعب فيه الدولة في دول شرق آىسيا وما يرافقها من نهوض في معدلات النمو المرتفعة مما يفند مسلمات الاقتصاد السياسي النيوليبرالي. وتشير مجلة الايكونومست في هذا الصدد الى أن " الاستثمار وليس الصادرات هو ما يقود الاقتصاد الصيني، لقد مثل الانفاق على المصانع والالات والمباني والبنية التحتية حوالي 48% من الناتج المحلي الاجمالي للصين عام 2011 والنصيب الاكبر لهذه الاستثمارات تقوم به الشركات المملوكة من قبل الدولة" (الشعب يريد ص 59 ) . إن النمو الضعيف لنصيب الفرد من الناتج الاجمالي ومعدلات البطالة القياسية هما النتيجة المباشرة لتراجع الاستثمارات الثابتة في المنطقة العربية. ويأتي هذا في الاساس على حساب تراجع دور استثمارات الدولة الذي تم تبنيه في النموذج الاقتصادي الاقليمي والعالمي. ومع أن جميع دول العالم الثاني تقع ضمن اطار التطور اللامتكافئ او التابع للمركز الرأسمالي بهذا الحد أو ذاك الا أن ما يجعل من التبعية تبعية بنيوية في الحالة العربية هو الطابع الريعي الذي يكاد يكون أوحدا للاقتصاد. والريع هو الدخل الثابت الذي يحصل عليه صاحبه دون عمل أو استأجار، وشكله السائد هنا هو الريع المنجمي- غازا ونفطا ومعادن- (وهو احتكار لقطعة من كوكبنا الارض بتعبير ماركس). وهنالك الى جانبهذه الريوع المنجميه ريوعا جغرافية كالرسوم الجمركية للعبور في مضيق او قناة وعبور الانابيب داخل حدود دول أخرى. وهنالك الريوع التي تأتي لدولة من دولة أخرى لقاء خدمات عسكرية أو لاعتبارات أمنية ("المعونة" الامريكية لمصر والاردن واليمن مثلا) ، او المدخولات التي كانت تدخل خزائن "دول المواجهة" من اموال الريع الخليجية. وفي كل الاحوال يهيمن الريع المتأتي من النفط والغاز على المنطقة العربية الى الحد الذي يوصف فيه العصر بالعصر النفطي كما يشير حازم ببلاوي (الشعب يريد ، ص 76). ويشكل اعتماد الحكومات على الريع اساسا في بناء مزينياتها دون الحاجة الى الاعتماد على تحصيل الضرائب من السكان مدخلا لفهم الاستقلال الاقتصادي للدولة الريعية ازاء السكان ولاستلاب المواطنة. (No TaxationWithout Representation).

 

  1.  وبناءا على 4 و 5 يمكننا مشاهدة الخواص التالية في المنطقة العربية:
  1. يتصرف الحاكم العربي وكأنه ما زال أقطاعيا فتغيب العقلانية البرجوازية في ادارة الريع، ويوظف الدخل على شكل رساميل الدولة وكأنها ملكية خاصة بالفئة الحاكمة في بنوك السيد الامريكي.
  2. ويؤدي توظيف الريوع العربية لشراء سندات الحكومة الامريكية خصوصا الى "اطلاق الدين العام... واقتصاد الاوراق المالية وعمليات المراهنة والمضاربة" كما حدده ماركس والى ازدهار رأسمالية المضاربة واقتصاديات البورصة التي يتسم بها عصرنا النيوليبرالي.
  3. وما يعنيه هذا هو الابتعاد عن توظيف المداخيل كاستثمارات في البنية التحتية لتأهيلها لنمط انتاج تنموي من نوع مختلف.
  4. ويضع اعتماد اقتصاديات المنطقة على النفط والغاز الاستقرار الاقتصادي رهينة للاستقرار السياسي .
  5. ويضع اعتماد الاقتصاد العالمي على احتياطات النفط والغاز في المنطقة العربية، هذه المنطقة تحتأشكال سيطرة مباشرة وغير مباشرة للقوى الامبريالية ؛ العسكرية والاقتصادية والسياسية والايديولوجية.
  6. إن طابع الطبقة البرجوازية الحاكمة هو طابع كومبرادوري تهيمن عليه "رأسماليات المغامرة والمضاربة والتجارة" والسعي وراء الربح السريع. لذا يشكل فرع البناء الفرع الاكثر ازدهارا في هذا الاقتصاد الذي يبتعد عن الاستثمار في الصناعات التحويلية مقارنة مع دول شبيهة.
  7. تستورد البلدان الخليجية المصدرة للنفط بسبب ارتفاع قيمة عملتها الوطنية عمالا مهاجرين بأبخس الاسعار محرومين من ابسط الحقوق المكفولة للعمال المهاجرين.
  8.  

(الكرمل – حيفا)

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب