news-details

الأوضاع تسوء. حان الوقت لنهضة نضالية عمالية


*قراءة في تقرير نقابي دولي صادر عن الإتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2019*

 

 البداية ... هل من ضمان للحريات النقابية؟

بالتزامن مع صدور تقرير الإتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2019 ،عُقد المؤتمر المئوي لمنظمة العمل الدولية في الفترة 10-21 حزيران يونيو 2019 ، حيث جرى خلال المؤتمر وأبحاثه التأكيد "من جديد أن العمل ليس بسلعة" كما يحلو لأصحاب الفكر النيوليبرالي وصفه باضطراد، وفي الوثيقة الختامية لمئوية منظمة العمل الصادرة عن المؤتمر المذكور أعلاه جاء : يُعلن المؤتمر:

  1.  أن منظمة العمل الدولية تحتفل بمئويتها في وقت يشهد تغييرًا تحويليًا في عالم العمل ، تحفزه الابتكارات التكنولوجية والتحولات الدمقراطية وتغير البيئة والمناخ  والعولمة، وفي وقت يشهد أيضا استمرار أوجه انعدام المساواة التي تُخَلّف آثارًا عميقة على طبيعة ومستقبل العمل ومكانة الناس وكرامتهم.
  2. انه لا بد من التحرك على وجه السرعة لاقتناص الفرص ومواجهة التحديات من أجل رسم معالم مستقبل عمل عادل وشامل وآمن تترافق معه العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية وفرص العمل اللائق للجميع."(1).

على ضوء أن الوضع ما زال يواجه: "استمرار أوجه انعدام المساواة" ومواصلة العمل في بيئة عمل غير آمنه وخطرة، واستمرار العديد من دول العالم التنكر للاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية مثل اتفاقيتي  87 و 98 بخصوص حرية التنظيم النقابي وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية ، وفي ظل رفض العديد من الدول المصادقة على هاتين الاتفاقيتين (2)، تتواصل سياسات القمع ضد النقابات والنقابيين ومنها دول مركزية ضمن ما يُعرف بمجموعة الـ 20.

 عندما نقرأ وندقق في هذه الوثيقة بمجملها ربما سنجد جزءًا مركزيًا من التفسير لما جاء في تقرير الإتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2019 والذي يكشف لنا معطيات رهيبة وقاسية بل بشعة بمضمونها ، في تعامل حكومات الدول وقياداتها المدعومة من قوى رأس المال - منها من تدعي الدمقراطية - مع النقابيين والنقابات والعمال، مثل الاعتقالات بل والقتل والملاحقة ومنع الحق بالإضراب والحق بالتنظيم النقابي وغيرها من الممارسات الظالمة والظلامية بحق الطبقة العاملة وقياداتها النقابية في مختلف دول العالم. 

لكن ونقولها بأسف وهو ما لفت نظرنا الى قيام البعض من قادة هذه الدول الكيل بمكياليين، ففي خطاباتهم التي القوها امام هيئة مؤتمر العمل الدولي الأخير تحدثوا عن ضرورة ضمان الحريات النقابية وفي الوقت نفسه يواصلون القمع بحق النقابيين مثل الهند وكازخستان (جرى الحكم بالسجن لمدة 7 سنوات على  النقابي إيرلان بالتاباي رئيس نقابة عمال النفط والطاقة) وغيرها من الدول، لذلك نتساءل وبحق هل هناك ضمان للحريات النقابية في عالمنا اليوم؟

محاولات لإسكات صرخة غضب العمال

تحت عنوان "الدمقراطية في أزمة استخدم القمع الوحشي لإسكات صرخة الغضب"،  جاء تقرير الحقوق العمالية للإتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2019 "(3) ، في مقدمة هذا التقرير جاء بأن: "التفكيك المنهجي للأسس الدمقراطية في مكان العمل والقمع العنيف للإضرابات والاحتجاجات يعرضّان السلام والاستقرار للخطر"، كما ويؤكد التقرير أنّ الوضع النقابي شهد حالات من العنف الشديد جرى ممارسته ضد المناضلين والمدافعين عن حقوق العمال في مكان العمل، حيث جرت عمليات اعتقال واحتجاز واسعة في الهند وتركيا وفيتنام".

وقالت شاران بورو الامين العام للإتحاد الدولي لنقابات العمال في البيان عند صدور التقرير "من هونغ كونغ الى موريتانيا ومن الفلبين الى تركيا تحاول الحكومات إسكات صرخة الغضب من خلال تقييد حرية التعبير والتنظيم النقابي"، وأضافت بان 72% من البلدان لم تُمكّن العمال من الوصول الى القضاء بل اعتقالهم لمحاولاتهم هذه حيث جرى تلقي بلاغات خطيرة بدول مثل كمبوديا وإيران وزيمبابوي.

 

قتل نقابيين في الفلبين والسعودية وكولومبيا وتركيا وإيطاليا

وضمن الإشارة الى أن الدمقراطية في أزمة حقيقية في معظم الدول وعلى وجه الخصوص في مجال حرية التنظيم النقابي والنضال النقابي يُشير التقرير الى أن هناك حالة من الانهيار والشلل للعقد الاجتماعي ما بين العمال والحكومات وقطاع الاعمال ، مما أدى الى زيادة في عدد الدول التي تمنع العمال من الحق في تشكيل نقابة عمالية أو الانضمام لعضوية النقابات: " من  92 دولة في عام 2018 الى 107 دولة في عام 2019 حيث حدثت أكبر زيادة في أوروبا" (4). على ما يبدو بسبب صعود قوى اليمين للحكم في معظم هذه الدول. لكن التقرير يؤكد ان منطقة الشرق الأوسط تعتبر أسوأ منطقة في التعامل مع النقابيين وفي موضوع حرية التنظيم النقابي ، حيث أشار التقرير هنا الى ما يلي: "كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا مرة أخرى أسوأ منطقة في معاملة العمال ، حيث استمر نظام الكفالة واستعباد العمال المهاجرين وهم الغالبية العظمى من القوى العاملة ، ولا توجد لهؤلاء العمال أية حماية وأن 90% من القوى العاملة غير قادرة على الحصول على حقوقها أو تشكيل نقابات أو الانضمام للنقابات بل بقي الحرمان المُطلق لحقوق العمال الأساسية ساري المفعول في المملكة العربية السعودية حيث أُعدم عامل أندونيسي سرًا."

أما في آسيا والمحيط الهادئ فيؤكد التقرير على استمرار تدهور الاوضاع فيها أكثر من أية منطقة أخرى "مع زيادة العنف وتجريم الحق في الإضراب ومهاجمة العمال بعنف حيث قُتل عشرة نقابيين في الفلبين عام 2018."

وفي أفريقيا جرى اعتقال العمال والنقابيين في 49% من الدول الإفريقية وبلغت الهجمات العنيفة من قبل السلطات الحكومية بحق النقابيين العمال مستويات غير مسبوقة من العنف في كل من الكاميرون وزيمبابوي وغيرها حيث أطلقت قوات الامن الرصاص الحي على العمال المحتجين والمتظاهرين .

كما يؤكد التقرير بخصوص وضع الحركة النقابية والنقابيين وقضايا الحق بالتنظيم النقابي في كل من امريكا الشمالية وأمريكيا الجنوبية والوضع المتعلق بالحريات النقابية بأن: " المناخ السائد هو العنف الشديد والقمع ضد العمال وأعضاء النقابات، في كولومبيا وحدها قُتل 34 نقابيا في عام 2018 مقابل 15 قُتلوا في عام 2017 مما يعتبر زيادة هائلة"، الأمر الذي يعني استمرار التدهور في موضوع الحريات النقابية.

كما يؤكد التقرير على تدهور كبير في موضوع الحريات النقابية في البرازيل وقيام حكومة اليمين المتطرف باعتقال وقمع الحريات النقابية والإضرابات ولا ننسى موضوع القيام بسجن النقابي لولا دا سيلفا الرئيس السابق للبرازيل بتهم ملفقة وواهية.

وفي أوروبا لم يكن الحال بأفضل مما هو في دول وقارات أخرى وفق التقرير جرى اعتقال العمال والنقابيين في 25% من الدول الأوروبية وتعرض للقتل والاغتيال نقابيين في كل من تركيا وإيطاليا.

 

 أسوأ عشر دول في حقوق العمال

في كل عام وضمن تقرير مؤشر الإتحاد الدولي هذا يجري تصنيف أسوأ عشرة دول في العالم بموضوع تدهور الحريات النقابية ، وما تقوم به هذه الدول من عمليات قمع للحريات النقابية وقيامها باستعمال العنف والاعتقال بل القتل بحق النقابيين ويتضح أن قائمة العشر دول لهذا العام هي: كولومبيا وغواتيمالا والبرازيل والجزائر وزيمبابوي والمملكة العربية السعودية وبنغلاديش وتركيا والفلبين وكازاخستان.

"النقابات العمالية تقف في الخطوط الامامية في النضال للمطالبة بالحقوق والحريات النقابية والدمقراطية من سياسات  جشع الشركات – العولمية - التي تدعم بل استولت على الحكومات بحيث تنتهج هذه الحكومات سياسات معادية للعمال وحقوقهم" هذا ما يؤكده التقرير للمؤشر النقابي، ووفق المؤشر بخصوص الحقوق لنقابية للعام 2019 وموضوع الالتزام بالقانون والاتفاقيات الدولية أو عدم الالتزام به من خلال الممارسة الفعلية تظهر لنا نتائج مذهلة بكل ما يتعلق بالحريات والحقوق النقابية وهي:

- 85% من الدول انتهكت حق الإضراب.

-80% من الدول تحرم البعض أو جميع العمل من الحق بالمفاوضة الجماعية وتقوض دور النقابات.

- ارتفع عدد الدول التي تمنع العمال من الحق بتشكيل نقابات أو الانضمام إليها من 92 دولة عام 2018 الى 107 دولة عام 2019.

- 72% من الدول لم تسمح أو منعت العمال من الوصول الى القضاء.

- ارتفع عدد الدول التي فيها القاء القبض والاعتقال على العمال والنقابيين من 59 دولة عام2018 الى 64 دولة عام 2019.

- من بين 145 دولة شملها الاستطلاع 54 دولة تمنع أو تُقَيّد حرية التعبير وحرية التنظيم النقابي.

 

مؤشر الحقوق العمالية

أما مؤشر الحقوق العمالية الذي يشمل 97 مؤشرًا وضعها الإتحاد الدولي لنقابات العمال لمعرفة ما يجري بالنسبة لاحترام الحقوق النقابية والحريات النقابية، ويشمل هذا المؤشر جدولا من واحد الى خمسة زائد والأخير هو أسوأ حالات الوضع النقابي في تلك الدول وفيما يلي نتائج هذا المؤشر وفق تقرير العام 2019 أعلاه:


1. انتهاكات متفرقة للحقوق: 12  دولة بما فيها أيسلندا والسويد.

2. انتهاكات متكررة للحقوق: 24 دولة بما فيها بلجيكا وجمهورية الكونغو.

3. انتهاكات منتظمة للحقوق: 26 دولة بما فيها كندا ورواندا.

4. الانتهاكات المنهجية للحقوق: 39 دولة بما فيها تشيلي ونيجيريا.

5. لا يوجد ضمان للحقوق: 35 دولة بما فيها البرازيل وأريتريا.

5+ لا يوجد ضمان للحقوق بسبب انهيار سيادة القانون :9 دول بما فيها فلسطين والسودان وسوريا واليمن.

 

حان الوقت لأن تكون قواعد النضال أقوى

في ظل هذه المعطيات الخطيرة التي تؤكد أنّ القوى الرأسمالية يزداد توحشًا واستغلالا وقمعًا ، تجاه الطبقة العاملة عامة والحركة النقابية خاصة في مختلف دول العالم، نحن بحاجه وفورًا الى ترجمة شعار الإتحاد الدولي لنقابات العمال "حان الوقت لتغيير القواعد"، ليس بمفهوم توقيع عقد اجتماعي جديد يحمل مستجدات عالم العمل الحالية والمستقبلية فقط ، بل أن يكون هذا الشعار: حان الوقت لأن تكون قواعد النضال أقوى، أي لا بد من القيام بنهضة نضالية - كفاحية نقابية وطبقية ضد قوى رأس المال المتوحشة وضد الحكومات التي تحتمي بها لتنفذ سياساتها الاستغلالية ، معطيات هذا التقرير/المؤشر الهامة تناشد الحركات النقابية المحلية والعالمية توحيد نضالها أو تنسيق هذا النضال، وعدم مواصلة التهادن القائمة اليوم لدى العديد من النقابات الإصلاحية ، والتي ابتعدت عن الحس الثوري المطلوب لمناهضة هذا الظُلم وهذه المظالم القائمة بحق الحركة النقابية كممثلة للطبقة العاملة ، لأن شعار يا عمال العالم اتحدوا هو التجسيد الحقيقي للقوة النضالية من أجل دحر بل وكسر سياسة البطش بالحريات النقابية وبالحق بالتنظيم النقابي - كقوة لتحقيق المكاسب للطبقة العاملة في عالمنا اليوم وغدًا.

 

//إشارات:

1- إعلان مئوية منظمة العمل الدولية من أجل مستقبل العمل اعتمده مؤتمر العمل الدولي في دورته الثامنة بعد المئة - جنيف 21 حزيران/يونيو 2019 (النص العربي)

2- أنظر تقرير لجنة الخبراء بشأن تطبيق الاتفاقيات والتوصيات - تطبيق المعايير الدولية 2019 .

3- مؤشر الحقوق العمالية للإتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2019 الصادر يوم 19.6.2019

4- ن.م.

 

الصورة//مظاهرة عمالية في هنغاريا ضد خطوات حكومية ضد الحقوق النقابية

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب