news-details

الانتخابات الأمريكية 2020 ونجاح الاستئناف ضد انتخاب (أوباما)| أحمد أشقر

عنصرية ونظام انتخابي غير عادل

لا نكشف شيئًا جديدًا عندما نعود إلى التأكيد أن أمريكا أكبر مؤسسة إرهابية وعنصرية في التاريخ، تم إنشاؤها من قبل الخارجين عن القانون الذين باعتهم الإمبراطورية البريطانية إلى المُستعمرين الجدد في مواطن الهنود الحمر التي باتت تعرف فيما بعد أمريكا، كذلك المجرمين والعصاة وتجار البشر (العبيد). وبما أنها مؤسسة عاقلة- وليست عقلانيّة- فإن بنيتها تدرك وتعي مخاطر عنصريتها، لذا تمكنت من تداركها بنظام سياسي معقد جدًا يصعب على خبير واحد أو مجموعة صغيرة من الخبراء الإلمام بتفاصيله كافة، كما يصعب على الناس التقيّد به حتى بات يقبع في سجونه 25% من سجناء العالم، علمًا أن نسبة سكانها من مجمل سكان العام هو 4,5%، يعمل 25% منهم كعبيد عند الشركات التي تشغل مجموعات ضغط في الكونجرس من أجل سنّ قوانين أكثر تشددًا لسجن أكبر عدد من المخالفين و"الجناة" فترات أطول مما هو عليه الآن وفقًا لـ(ديف هوجز) صاحب موقع ( The Common Sense Show) .

كما اجترح هذا النظام التخصصات الرئيسية ثم الفرعية والفرعية للفرعية وهكذا حتى يضيع جوهر بنيتها العنصرية. ومن أجل التعمية على هذا الواقع وتضليل الرأي العام وإحكام السيطرة عليه منع النظام إنتاج مجتمع بالمفاهيم الأوروبية والصينية والآسيويّة، وجعل من الناس في أمريكا أفرادًا يتوهم الشخص منهم أنه عالم قائم بذاته يعيش بحريّة ويتكلم ويثرثر متى يشاء وفي أي موضوع، لكنه لا يضمن لملايين الناس قوت يومهم. ولضمان ذلك طوّر النظام جهازًا إداريًّا معقدًا تتداخل فيه إدارة الولاية مع الإدارة الفدرالية. كما أنتج نظامًا انتخابيًّا ثابتًا مكونًا من حزبين لا يمكن اختراقهما من قبل حزب ثالث. كما أنه غير عادل فبإمكان أحد المُرشحيّن للرئاسة أن يحصل على أقل من 3% من أصوات الناخبين الذي حصل عليهم منافسه وأن يصبح رئيسًا. وتمّ إنتاج هذه الحالة غير العادلة باتفاق القوى التي وضعت الدستور كي تتمكن من اختيار من يمثلها عندما تكون بحاجة إلى وجه جديد لها في حال عدم حسم المصوتين لخيارهم بصورة صارخة كما حصل سنة 2000 مع (بوش) الابن الذي حصل على أصوات أقل من (آل غور) إلا أن المحكمة العليا أعلنت فوزه. لذا يمكن القول إن ادعاءات (ترامب) عن سرقة انتخابات 2020 فيها من الوجاهة بعض الشيء. كما أن هذا النظام أنتج نظامًا إعلاميّاَ على شكل ماكينة ضخمة تقوم بالدعاية له، ويتقاضى العاملون فيه ملايين الدولارات سنويًّا وفيها توّزع إعلامية من أصول إفريقية سيارات فاخرة على ضيوف برنامجها. هل يريد بسطاء الناس أروع من هذه الإعلامية السمراء وسياراتها؟!

 

الأميركيون من أصول إفريقية، برميل البارود و(أوباما)

بعد أن تمكن المستعمرون من إبادة سكان البلاد الأصليين من (الهنود الحمر) سرقوا واستجلبوا عشرات الملايين من الأفارقة من مواطنهم وحوّلوهم عبيدًا كي يضمنوا مكانهم ومنافستهم في النظام الاستعماري الحديث. وبحسابات المؤسسات العاملة في حقوق الاقتصاد والاستغلال جنت هذه القوى والنظام الأمريكي الذي لا يزال حاكمًا ما يعادل 600 ترليون دولارًا وفق حسابات نهاية القرن العشرين من قيمة عمل الأفارقة (العبيد)، لكنه لا يعترف بضرورة الاعتذار لهم وتعويضهم ولا يزال يستغلهم ويحدّ من مكانتهم ويمتهن كرامتهم بتبنيه تاريخ ورموز من استعبدوا أسلافهم (سؤال- ماذا سيتبقى من أمريكا لو دفعت مستحقات الأفارقة وتمّت هزيمة الدولار؟). لذا تدرك نُخب هذا الكيان أسباب احتقانه الاجتماعي ودور الأمريكيين من أصول أفريقية كفتيل محتمل لانفجاره. وكي تؤجل انفجاره وتزيد من حدّة الصراع الداخلي اجترحت "حقّ" الناس في حيازة الأسلحة في الحيّز العام. فهذه الأسلحة تودي بحياة الآلاف في كل سنة، مثلًا أودت بحياة 8 آلاف و 837 شخصًا، وإصابة 17 ألفا و 501 شخصًا سنة 2019. كما أن النظام يُدرك أنهم برميل بارود لذا تقوم شرطته بقتل نحو 500 أمريكي من أصل أفريقي سنويا لترويعهم وإرهابهم على مدار الساعة. وقد كشفت حادثة خنق (جورج فلويد) في الخامس من شهر آيار من سنة 2020 وما تلاها من احتجاجات جوهر موقف النظام من الأمريكيين الأفارقة ومفاصل تصدعاته، وتحديدًا تهديد الرئيس (ترامب) باستخدام الجيش لقمعها. هذه الاحتجاجات على أهميتها القصوى افتقدت للتضامن الأممي من قبل مظلومي العالم وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني.

لم يكن انتخاب (باراك أوباما) أسود البشرة، الذي يعود إلى أصول أفريقية بعيدًا عن هذه المناخات والسياقات. فأريدَ له أن يبرّد من شدة سخونة برميل البارود وتخفيف حدةّ الاحتقانات. لذا تمّ انتخابه لفترتين متوالتين (2008- 2016). وبما أننا نعرف بوجود نُخب نازيّة النزعة في هذا النظام، فقد وجدت بانتخابه ضالتها بالتحريض عليه لأنه جعل من أمريكا ضعيفة في العالم، وفعلًا أوحت وسائل الإعلام الأمريكية بضعف أمريكا أثناء ولايته، علمًا أنه قام بكل ما يقوم به أي رئيس أمريكي آخر، حتى وأنه هو المحامي والحقوقي أسود البشرة لم يفكر مرّة واحدة بفكّ "سرّ" قيام شرطة نظامه بقتل 500 فرد كل سنة من أبناء جلدته، رغم ذلك يتوجب الاستئناف عليه برئيس مثل (ترامب) يعمل على خلط الأوراق بصورة تبدو للعوام عفويّة؛ في ظل رئيس غير متزن ومعتوه بشهادة بعض المُختصين النفسيّين كما أشيع، وكأن تعقيد النظام الأمريكي وعنفه غير قادر على ضبطه، بينما تمكن من ضبط (جون كنيدي) باغتياله على الملأ سنة 1963 وإلى الآن لم يُعرف من هو القاتل الفعلي.

في كتابه، "الأرض الموعودة"، الذي صدر في تشرين الثاني 2020 والذي يعرض فيه أوباما حياته السياسية والشخصية، أشار إلى هذه النقطة حصريًّا بالقول: "كان الأمر كما لو أن وجودي في البيت الأبيض أثار ذعرا عميقًا، وشعورًا بأن النظام الطبيعي قد تعطل. وهذا بالضبط ما فهمه دونالد ترامب عندما بدأ في الترويج لادعاءات بأنني لم أولد في الولايات المتحدة، وبالتالي كنت رئيسًا غير شرعي". وأضاف: "ترامب وعد ملايين الأمريكيين الذي أرعبهم وجود رجل أسود في البيت الأبيض، بإكسير لقلقهم العنصري".

 

(ترامب/ هـ. كلينتون) والاستئناف على (أوباما)

مع اقتراب انتخابات 2016 تمكنت ماكينات النظام الأمريكية الجمهورية والديموقراطية من فرز كلًا من (دونالد ترامب) عن الحزب الجمهوري و(هيلاري كلينتون) جمهوريّة النزعة عن الحزب الديموقراطي حيث كانت وزيرة خارجيّة (أوباما). تمّ هذا ضمن تقاسم وظيفي. وكي نتعرف على الفروقات بينهما نعود إلى السؤال الافتراضي الذي أطلقه معارضوها الذين شخصوا مدى شراستها وعدوانيتها متسائلين فيه: هل سيقدم (ترامب) على شن حرب عالمية ثالثة؟ لا. لقد بدأتها (كلينتون) من الآن. كان جوابهم. وعلى ما يبدو التقط (ترامب) هذه الفكرة وصاغها على شكل تحليل صرح فيه في السادس والعشرين من تشرين الأول سنة 2016 بقوله، إن خطة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون بشأن سورية سوف "تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة" بسبب احتمال نشوب صراع مع القوات الروسية. بالنسبة لحرب عالمية ثالثة ضد روسيا ليس باستطاعة أحد شنّها (...)، أما عداء (كلينتون) لروسيا فله ما يبرره لأنها تعتقد وفقًا لتصريحاتها هي أن روسيا بلاد شاسعة جدًا وعدد سكانها قليل لذا لا يمكن القبول بهذا الوضع. أي أنها كانت تريد التصعيد مع روسيا، بينما صعّد (ترامب) مع الصين بناءً على التقاسم الوظيفيّ ولا يهم على من يرسو العطاء بواسطة الانتخابات فكليّهما في خدمته- فاز (ترامب.(

اتسمت ولاية (ترامب) بتصعيد العداء المدروس والواعي من قبل مُشغليه ضد الشعب الفلسطيني، سورية وإيران (محور المقاومة) كذلك روسيا والصين (...). أما الماكينة الإعلامية فعملت على شخصنة هذه السياسة وتعزوها بالأساس إلى شخصية (ترامب) "غير المتزنة" و"المعتوه"- وليس إلى القوى والنظام الحاكم في أمريكا. هل تقبل هذه القوى والنظام بوجود معتوه على رأسها؟ لا طبعًا. وعندما كان (ترامب) يزعق ليل نهار بأنه يريد "استعادة أمريكا" و"أمريكا أولًا"، كان يستأنف على ولاية (أوباما) التي وصفتها هذه الماكينة بالضعيفة. بناء على هذا: يجب عدم المبالغة في رفض كامل ادعاءات (ترامب) بالتزوير التي ينقصها بعض الوجاهة أحيانا والقائلة بتزوير الانتخابات لأنه يعي ما يقول.

 

(بايدن) ونجاح الاستئناف

إن احتكارات المصارف والبورصة والسلاح التي قبلت بوجود شخص "غير متزن" و"معتوه" على رأسها هي التي رفضت (بيرني ساندرز) أكثر المُرشحين في تاريخ أمريكا اتزانًا وحساسيّة تجاه العمال والمُستضعفين (وننتظر أن تكشف لنا المحفوظات مستقبلًا عن أسباب استبعاد ساندرز من الترشح للانتخابات)، وكيف عملت على استبداله بـ(بايدن) الذي كان نائب (أوباما) وأُريد له أن يكون كفاّرة ليس عن انتخاب (ترامب) بل كفّارة عن انتخاب (أوباما)، الذي شكّل عقدة لدى قطاع واسع من بيض البشرة والمهووسين بقوة وشراسة أمريكا. و(بايدن) رجل معتلّ الصحة كثيرًا، تحوم حوله وحول عائلته شبهات فساد، وهو رجل كذّاب وحبل كذبه طويل كما أن إحدى النساء اتهمته باغتصابها. وهذا على شاكلة أمريكا يعبر بصدق وأمانة عنها. كما أن لنائبته (كاميلا هاريس) الملونة رمزيّة عالية في السياق الأمريكي مفادها كل ما يحيط بمفهوم ومهنة (الشغّالة). بعد فوزها صرحت أن ظهرها "انكسر" من كثر ما حملت صناديق لجمع التبرعات للكيان (للتوضيح- ليست صناديق سكّر وملح وعدس وسردين، بل أموالًا)!

مارس (ترامب) ولايته في العلاقات الدوليّة ممارسة إمبراطورية قد تبدو للبعض خبط عشواء، لكنها كانت مدروسة بعناية. فالهجوم على أموال الخليج ودفع حكامه إلى الاعتراف علانيّة بالعمالة لليهود وليس "الإسرائيليين" فقط، والعقوبات ضد كل من إيران وروسيا والصين، أُريد منها بثّ الرعب في الإنسانية جمعاء وليس في حكّامها فقط. كما أن انتخابه وحكمه شكّل نموذجًا لبعض الحكام الفاشيين الشعبويين في أمريكا اللاتينية وأنعش الأحزاب الفاشيّة في أوروبا حيث نقلت صحيفة الـ(لوفيجارو، 11. 11. 2020) عن (ماري لوبين) زعيمة الفاشيين الفرنسين قولها: "أنا من بين أولئك الذين لا يهنئون الرئيس الأمريكي المقبل، لأنني لا أعتقد أنه يمكن اعتبار المباراة انتهت، إذ لم ينتهِ الوقت الإضافي بعد". لكنها في المقابل كشفت عن تحولات لم يقبل النظام الأمريكي الاعتراف بها أو لم يرصدها بدقة مثل التدخل الروسي في سورية وتبلور محور المقاومة فيها وظهور إيران مركبًا بارزا فيها يتواجد بالقرب من حدود فلسطين. كما أنه لم يدرك أهمية القرم لروسيا كممر استراتيجي للمياه الدافئة ولا أهميّة (فنزويلا) في الساحة الخلفيّة لأمريكا. وباتت الصين قوة عظمى في الإنتاج المتطور والتقنيات الحديثة تسبق أمريكا بسنوات حيث أطلقت بعد الانتخابات الأمريكية بأيام قمر اتصالات الجيل السادس، بينما الجيل الخامس الأمريكي لم يجهز للاستخدام بعد. وتستمر الصين في إنشاء أكبر مشروع استراتيجي تقوم به دولة وحدها ألا وهو "طريق وحزام واحد". كما أن قدرتها واضحة على محاصرة انتشار فايروس (كورونا) في بلاد شاسعة يشكل سكانها نحو 15% من البشرية كلها. هذا ناهيك عن الاتفاقيات التجارية والصناعية بين هذه الدول ودول أخرى في جوارها والعالم. لهذا السبب على ما يبدو أطلقت مؤسسة الاحتكارات الأمريكية يد ولسان (ترامب) بالعبث في العلاقات مع هذه الدول. وجاء الآن الدور على (بايدن)، كفّارة (أوباما) لتحسين صورة النظام وإعادة الثقة به، لكن حفلة (ترامب) عن تزوير الانتخابات لن تنتهي إلا عند دخول (بايدن) البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني 2021... لننتظر.

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب