news-details

الانتخابات في (إسرائيل): يهودية- يمينية- متطرفة مقابل يهودية- يمينية- ليبرالية| أحمد أشقر

في البداية يجب القول بأن لا أهمية لأصوات العرب إن تمكن المعسكر البرلماني (من عسكر) الذي يرأَسه (نتنياهو) من العودة وتشكيل الحكومة القادمة كنتيجة لانتخابات نوفمبر 2022؛ كما لا أهميّة لهذه الأصوات إن تمكَّن المعسكر المنافس له من تشكيل الحكومة، لأن الاختلافات والتنافس بين المعسكرين هو على مصادر وسلّة الثروات الأيديولوجية المعنويّة القيميَّة، اليهوديّة- اليمينيّة، ومنسوب الليبراليّة عند كلِّ معسكر. فثبات الأيديولوجيّة اليهوديّة- اليمينيّة بات مركباً أساسيّاً عند القوائم الانتخابيّة ولا فرق بين الجنرال إحتياط ونائب لقائد أركان سابق وعضو الكنيست عن ميرتس (يائير جولان) "يسار- مركز" والفاشي (بن جفير) الذي يستمد شرعية فاشيته من اليهوديّة وكيانها الاستعماريّ وقرارات المحاكم اليهوديّة الليبراليّة التي بيّضت كل ممارساته السوداء- وغيره من الفاشيّين- ضد العرب على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، والذي يريد أن يحكم الكيان بحسب قوانين (نيرنبرج النازيّة). فما يجمع المُعسكرين هو هوية الدولة اليهوديّة التي تستند على شرعيّة دينية لا يوجد مثيلاً لها في العالم.

تعجّ الحياة الانتخابيّة اليهوديّة وتزدحم بقوائم وتحركات أشخاص من هم على شاكلة (بن جفير) وFascism by Ayelet Shakd)) الذين يتخذون من اليهوديّة- اليمينيّة منهجاً وطريقاً لحياتهم السياسية، محورها العداء والممارسات العدوانيّة ضدّ العرب. إذ لا مبرِّر لوجودهم دون هذا العداء الذي تتم ترجمته بصياغة السياسات، وسنّ القوانين العنصريّة، وأخطرها (قانون القوميّة لسنة 2018) والممارسات العدوانية (سلب ومصادرة الأراضي وقتل أصحابها العرب) والتصريحات العدائية العدوانيّة (التهديد بنكبة ثانية ستكون نكبة سنة 1948 "دحّ" مقارنة بالثانية، كما صرح كلّ من الوزيرين السابقيّن (يسرءيل كاتس ومتان كهانا))، على خلفية قيام الطلبة العربي في جامعتي تل أبيب وبئر السبّع إحياء ذكرى النكبة في أيار 22. من جهتي حذرت من هذا في مقالي المُعنّوَن (مجزرة الطنطورة، طرد الـ"نيتساف" حكروش وقتل المُسنّ أسعد: حذارِ أيها العرب! في الإتحاد، 18. 3. 18). بعد التمعن في مركبات هذه الحركات وخطابها الأيديولوجيّ السياسيّ يتضح أنه يهوديّ يمينيّ. لذا يتوقع خبير الاستطلاعات في صحيفة (معَريف) (مناحم لَزار) بدراما انتخابية جديدة في المعسكر الديني الصهيونيّ، أي أن هذا التيار هو من سيقرر قوام الحكومة (موقع سِروجيم، 5. 8. 22). يتفق معه (عوذي برعام)، أحد أركان حزب العمل في السابق، لكنه يحمّل العرب مسؤولية فوز الكتلة اليهوديّة- اليمينيّة بالقول "إذا لم يصوّت العرب، فإن المتديّنين الوطنيّين هم سيحسمون الانتخابات" لنفس التيار المذكور. ويؤكد أنّهم يهود يمينيون لا يهمم من الديموقراطيّة إلا وصولهم للسلطة لتحقيق أجنداتهم (هآرتس، 9. 8. 22). إن تحميل (برعام) إحجامِ العربَ عن التصويت مسؤولية 'اليمين' فيه وجاهة استعماريّة لأن أصوات كِلا المُعسكرين باتت ثابتة تقريباً كما تؤكد نتائج الإنتخابات في العقد الأخير على الأقل، والمرشح أن يكسرها هو ارتفاع نسبة تصويت العرب التي تخصص لها حكومة إسرائيل وقوى إقليميّة وأمريكيّة عشرات الملايين من الدولارات. وما نشاهده من حملات لرفع نسبة التصويت عند العرب أقل بكثير مما يُرصد لها من أموال! بالمناسبة: كان (لابيد) قد اجتمع بأحمد الطيبي وأيمن عودة وطالبهما برفع نسبة التصويت فقط. نعود إلى (برعام)- هذا السياسي الخرف الذي لم يترك حزبه ودولته جريمة في سفر جرائم التاريخ إلّا ونفّذها ضد العرب، وعندما بات يخشى تغوّل اليهوديّة اليمينيّة على يهوديّته الليبراليّة حمّل العرب هذه المسؤوليّة، علما أن حزبه هو الذي أنتج ورعى اليهوديّة اليمينيّة منذ الانتخابات الأولى سنة 1949 مروراً بمشروع الاستيطان سنة 1976 إلى يومنا الراهن. فتحميل العرب مسؤوليّة ومحاسبة وصول اليمين للسلطة كان دائما اتهاماً من اليسار اليهودي وبعض العرب الذين لن نذكر أسماءهم (أحدهم "شاعر كبير" كما قيل) لأنهم انتقلوا إلى "دار الحقّ". كان ذلك عندما قاطعت جماعة لا بأس بها انتخاب (شمعون بيرس) في انتخابات برلمانيّة مباشرة، وفاز (نتنياهو) عليه في أيار 1996 بأكثر من 29 ألف و500 صوت.

 

فهم السُّلوك الإنتخابيّ لليهود

تفيض الأدبيّات، الدراسات، الأبحاث والتنظيرات الفكريّة اليهوديّة التي تتحدث وتبحث في السُّلوك الإنتخابيّ للمستعمرين اليهود في فلسطين الذي يتراوح ما بين السلوك التقليدي، القبليّ، المصلحيّ، الطبقيّ والهُويّاتي؛ من طرفنا سنقوم بعرض ومناقشة السلوكيّن الطبقيّ والهوّياتي لحصافة الأرضيات الفكريّة التي ينطلق منها كلُّ من (داني جوطوين) و(وجييل طالشير) والنتائج التي يصلان إليها. فقبل البدأ بعرض ومناقشة طرحيّهما عليّنا الحديث عن الخلفيّة الاقتصاديّة- الاجتماعيّة- الأيديولوجيّة التي يستند الباحثان عليها (وكل الباحثين تقريبا). منذ النكبة سنة 1948 وإقامة الكيان الصهيونيّ تعاقبت على تطوره ثلاثة تشكيلات اقتصاديّة اجتماعيّة وسياسيّة هي:

الأولى- تستند إلى الغنائم والمسروقات التي نهبها يهود الكيان من عرب فلسطين قبل النكبة، وخلالها وبعدها، والمساعدات التي تدفَّفت عليهم كالأنهر من ألمانيا، وأوروبا وأمريكا. انتهت هذه الفترة رسميّاً بخسارة حزب (المعراخ/ العمل) وحلفائه السلطة أمام حزب (الليكود) وحلفائه سنة 1977. تميّزت هذه التشكيلة بقطاع عام واسع في التشغيل وتقديم الخدمات استأثر اليهود (الأشكناز) الذين هم من أصول غربيّة على حصة الأسد فيه. فبقي اليهود من (الطوائف الشرقيّة) وما تبقى من عرب فلسطين خارج توزيع الثروات الحقيقية والكبيرة للقطاع العام. كانت انتخابات سنة 1977 إيذاناً بانتهاء دور هذا القطاع لعدة أسباب أهملها: بقاؤُه في سياق العقليّة الاستعماريّة، والفساد الذي ساد فيه نتيجة لسياسيته العنصريّة ضد اليهود الشرقيّين والعرب وشلّ قدراتهم الشخصيّة والجمعيّة عن الإنتاج، وتكدُّس ضباط الجيش المتقاعدين حديثاً في إدارة العديد من المصانع الحكومية والهستدروتيّة. فهل سيعمل هؤلاء الّذين امتهنوا تقتيل عرب في كلّ مكان في العالم في إنتاج الملابس والأغذية؟! وبما أن الكيان كان ولا يزال ضمن التشكيلة الرأسماليّة نشأت داخله مجموعات طبقية تريد التعبير عن نفسها في هذا السياق.

الثانية- بعد أن أصبح المعسكر (الليكودي) جزءاً من نظام السلطة في الكيان سواءً لوحده أم بالتناوب مع (المعراخ) بدأ في بيع القطاع العام والخصخصة. فتبنّى (الفريدمانية، نسبة لعالم الاقتصاد ميلتون فريدمان) المنضبطة نوعاً ماً مقابل (الكينزية، نسبة إلى عالم الاقتصاد ألفريد كينزي) التي تبناها سلفه (المعراخ). خلال هذه الفترة حدثت أكبر كارثة اجتماعيّة سياسيّة في القرن العشرين ألا وهي انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكيّة التي كان تأثيرها على الكيان والدول الأوروبية كبيراً فسارعت إلى القضاء على القطاع العام والمكتسبات العمالية والانقضاض عليها كما حصل في بريطانيا (التاتشرية)، واليوم فرنسا (الماكرونيّة) التي أعلن رئيسها في شهر تموز 22 أن مجتمع الوفرة في فرنسا قد انتهى، (والكيان اليهودي كذلك). وقد ضعفت وانهارت هذه التشكيلة مع انتخاب اليهوديّ الأمريكيّ في كل شيء، (بنيامين نتنياهو) للمرة الثانية سنة 2009.

الثالثة- منذ أن وصل (نتنياهو) إلى الحكم إلى يومنا هذا سارع إلى إجراء تغييرات عميقة في هيكل الدولة عن طريق خصخصة الخدمات الحكوميّة في كلِ قطاع تقريباً؛ وتعزيز دور القطاع التعليميّ المدرسيّ والجامعيّ الخاص مقابل الحكوميّ العام؛ وتشكيل مجموعات من أعضاء الكنيست والسياسيّين من اليهود الشرقيّين متوسطي الكفاءة بعض أفرادها فاسدون لا تخلو أقسام الشرطة منهم كحاشية له، وتجلّت حالة الولاء المذكورة بقلادة "الدابّة" (ميري ريجيف) كما وصفها سنة 2015 (مناحم إيشل) أحد المقربين من (نتنياهو)؛ إحداث تغيرات عميقة في جهاز القضاء يتخلّى على الجذور (الأنجلوسكسونيّة) لصالح منهج السيادة الشعبيّة الذي يُعدّ أبرز منظريها الفيلسوف (كارل شميدث/ 1889- 1985) أحد منظري الرايخ الثالث (راجعوا مقالي: (كارل شميدث): (ما بين كفر برعم 1951 و(أدلشطاين) 2020). فأثناء توليّ الفاشيّة (أييليت شاكيد) منصب وزيرة القضاء عيّنت 300 قاضٍ وموظفٍ كبيرٍ في الوزارة لهذا الغرض. من السَّعي نحو هذا المنهج يريد المتهم الفاسد (نتنياهو) تفكيك قاعدة "المُتَّهم بريءٌ ما لم تُثبت إدانته" وتحويل المتَّهم إلى جماعته التي أقسموا يمين الولاء له لمحاكمته دون محكمة طبعاً وتحويل (إسرائيل) كياناً فاسداً شرعاً! وشكلّت هذه الفترة شهر العسل للرأسمال والفاسدين اليهود الذين واصلوا مراكمة السيطرة الاقتصاديّة والماليّة في مفاصل حياة اليهود والكيان على حساب جودة المنتجات التي ليس آخرها فضائح حلويات (شطراوس) والمفرزات (سنفروست التابعة لشركة تنوفا)، التي وُجدت فيها بقايا أفاع (يمكن أكلها لأنها غير سامة كما كتب محامو الشركة لوزارة الصحّة!) وفئران، واستعادة مئات المنتجات الغذائية كلّ سنة لعدم مطابقتها معايير الجودة، ومقتل عشرات العمال الذين غالبيّتهم من العرب كل سنة بسبب انعدام الأمان المهني، ودون أن يكون لهم رأيّ مغاير لما يحدثه المتهم (نتنياهو) الذي يحاول التملص من محاكمته بدعم مبدأ "السيادة الشعبية" فيها يتم تركيز السلطات بأيدي الإئتلاف الحكومي ورئيسه دون أن تتمكَّن السلطات الأخرى من مراقبته وضبطه كما في الأنظمة التي تعتمد مبدأ فصل السلطات. هذا معناه تكثيف إضعاف العرب وقمعهم من الذين يتوهمون أنَّ جهاز القضاء يحميهم من قمع السلطات وتنكيلها بهم. يُؤكّد هذا كثرة الجمعيّات الحقوقية وكميّة القضايا التي تخص العرب التي تُرقع إلى المحاكم، لكن دون نتائج مُرضية.

على خلفيّة التشكيلة الثالثة التي لا تزال تحكم إسرائيل بدأت الهوية "الإسرائيلية" التي أرادها (بن جوريون) جامعة فيها عديد من المركبات المدنيّة تضعف وتتفكك إلى هويات فرعية إثنية ومجموعاتيّة، جندرية وجنسيّة والتي وصلت 17 هويّة. فكان أبرزها نشوء حركات دينية سياسيّة خاصة باليهود الشرقيين مثل حركة (تامي/ أبو حصيرة، 1977- 1988) التي تفككت واندمجت في (حركة شاس) التي أصبحت لاعباً مركزيّا في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة لأبناء الطوائف الشرقيّة واليمين اليهوديّ المتطرِّف في الكيان. إضافة إلى ما تقدم يمكن الحديث عن عوامل أخرى متناقضة، بعضها في تقويّة وتعزيز الهُويّة اليهوديّة، مثل الشرعيّة الدينيّة اليهوديّة التي تستند عليها (إسرائيل) الذي تتبناها وترعاها أجهزة التربيّة والتعليم والإعلام على مدار الساعة؛ هزيمتها في لبنان سنتي 2000 و- 2006، وعدم مقدرتها على مواجهة التحدّيات منذ تأسيس حزب الله (ومحور المقاومة فيما بعد، دون حماس طبعاً)؛ والانتصار- التطبيع مع كيانات الخليج والمغرب وبعض الدول الإسلاميّة، الذي يعتبره اليهود (في لاوعيهم على الأقل) تحديّاً لهويّتهم التي اعتادت العيش بمعزل عن الأقوام والشعوب التي عاشوا بين ظهرانيتها، كـ(الجيتو) في أوروبا.

يمكن القول إن تفكيك هوياّت الكتل الموحدة والكبيرة إلى هامشيّة ومفخخات كان من هندسة وتنفيذ المنتصر في الحرب الباردة، الولايات المتحدة ودرعها الرأسمالي في كل مكان العالم. لكن ما حدث في إسرائيل يبقى الحالة الفردية الوحيدة في العام التي فيها تمت تقوية وتعزيز الهويّة اليهوديّة- والتشديد على اليهوديّة- كما سنرى فيما بعد- بينما تم تفكيك وفكفكة الهوّيات القوميّة والدينيّة (مثل العالم العربي وروسيا- أوكرانيا والقائمة تطول وتطول).

 

//"انتخابات طبقيّة" مقابل "انتخابات هويّاتية"

يتّفق كل من (داني جوطوين) و(وجييل طالشير) على أن التغيّرات التي أحدثها (نتنياهو) منذ سنة 2006 هي التي تحكم السلوك الإنتخابي لليهود اليوم. يقول (جوطوين)، وهو مؤرخ اقتصادي اجتماعي، إن سياسة الإفقار أدت إلى إنتاج التصويت الطبقي عند المتديّنين وأبناء الطوائف الشرقيّة. ثم يشرح ذلك بالقول: "في ظل نظام الخصخصة الإسرائيليّ، أعطى اليمين لمصطلح "يهوديّ" مضمونًا اقتصاديًا توزيعيًا. أي أن "اليهوديّة" استخدمت كمعيار للفوائد الاقتصاديّة. هذا هو التفسير الذي يجعل الطبقات الدنيا التي تصوت لليمين أكثر "يهوديّة"، في حين أن الطبقات القائمة التي تصوت لليسار هي "ليبرالية" أكثر". يقصد بهذا المؤسسات التعليمية والخدمية التي أنشأتها وتنشئها الحركات الدينية اليهوديّة تتلقى دعماً حكوميّا كبيراً عند كل تشكيل حكومة وإقرار الميزانيّة العامة (/danigutwein.wordpress.com/2017/11/30). فيما بعد يواصل (جوطوين) تطوير وجهة نظره بالقول: " استخدمت القطاعات سقالات لتأسيس نظام الخصخصة في إسرائيل، وعندما ترسخت، تركتها زائدة عن الحاجة، واصطدمت الزيادة المستمرة في ميزانياتها مع المنطق النيوليبرالي. تبلور هذا الصدام في شكل معارضة للقطاعات بين بعض الفئات اليمينيّة المؤيدة والراسخة، التي سعت لتطهير الليبراليّة الجديدة من عقلية القطاعات، أي من حكومة نتنياهو. فقدم لهم ليبرمان وساعر وبينيت خطابًا سياسيًا، وأدى مع الطبقات الراسخة من يسار الوسط إلى ثورة 2021 وتأسيس حكومة التغيير" (هآرتس 23. 4. 22). سنعود إلى مناقشة هذا المنطق لاحقاً.

أما (جييل طالشير) من قسم علوم الدولة في الجامعة العبريّة بالقدس، فتعتقد أنّ التصويت هوّياتي صرف والخلاف هو على الهويّة اليهوديّة التي يمثلها السواد الأعظم من معسكر (نتنياهو والليكود) مقابل الهوية الإسرائيلية التي يمثلها معسكر حكومة (بينيت- لبيد- جانتس) الحاليّة. فتقول: "بعد هذا السقوط [عندما حصل حزب الليكود في انتخابات 2006 على 12 عضواً في الكنيست]، أقرّ نتنياهو مبدأ "شركائنا الطبيعيّين "مع الأحزاب الدينيّة، وأدرك أنه بغض النظر عن وجهة نظره الاقتصاديّة، فهو يقف إلى جانب الأرثوذكسيّة المتشددة والمتدينين. لذلك، منذ ذلك الحين، بالغ في وجهة نظره حول محور الهويّة القوميّة اليهوديّة. هذا يعني قيام دولة يهوديّة على حساب الديمقراطيّة، التي يتمثل تعبيرها الرئيسيّ في قانون القوميّة [سنة 2018] الذي كتبه خبراءُ في معهد الاستراتيجيّة الصهيونيّة، حيث يتحكم به المستوطنون، والتي تركز على التأكيد على الشعب اليهوديّ على حساب القوميّة الاسرائيليّة" (عند ندان فِلدمان themarker.com/magazine/2019-02-23). ثم عادت وأكّدت على وجهة نظرها هذه في مقال مستقل أضافت عليه نقدها لقانون القوميّة دون أن تطالب بإلغائه. كما نصحت وجهاء هذا المعسكر التوجه إلى الناخبين العرب قائلة: "قبل كل شيء، هو إسرائيلي وليس صهيونيّاً (فقط)- ومنفتح على شراكة مدنيةّ وسياسيّة مع عرب إسرائيل. ثانياً، هو ديمقراطيّ ليبراليّ، بمعنى أنه يضع الفرد وحقوقه وتحقيق الذات كأساس للنظام والدستور" (هآرتس 28. 7. 22).

حسناً، دعونا نفهم سويّة كلاً من (جوطوين) و(طالشير): ينطلق الإثنان من قاعدة نفي كون دولة (إسرائيل) كياناً استعماريّا، ويعتبران وضع ومكانة كل من أبناء الطوائف الشرقية وعرب 48 (لم يتطرقا إلى جيتو غزّة ومعازل الضفة الغربيّة) نتيجة تمييز يمكن تداركه بواسطة سنّ قوانين وتبني قِيَم محورها (إسرئيل) التي هي دولة يهوديّة وديموقراطيّة، وعدم رؤية التناقض بين عقيدة الجوي [goy] في اليهوديّة وحقوق الفرد الليبرالية. فمكانة الجوييم كانت العقيدة والقاعدة الذي انبثق منها قانون القوميّة. هنا يغفل الباحثان مسؤولية العقيدة اليهوديّة وفقهها المعاصر الصهيونيّة وإسرائيّل في التسبب بنكبة عرب فلسطين. كما أنّهما يغفلان أنّ تدني مكانة أبناء الطوائف الشرقية هو نتاج تمييز استراتيجيّة طبقة أبناء الطوائف الأشكنازيّة الغربيّة. كما أنهما يعتبرانّ الديانة اليهوديّة أنها 'القومية الإسرائيليّة' متناسين تطوّر وفلسفة الحركات القومية في العالم التي نشأت بالضرورة تحديّا للأديان المختلفة وتجاوزاً لها وليس منبثقة عنها. أي أنها يعتبران اليهوديّة مركّباً ماهويّا ليس من الواجب فتح ملفاته وتأثيرة على حياة اليهود ونكبة عرب فلسطين. بكلمات أخرى يعملان على تحييد اليهوديّة وتبرئتها عما يحدث ويضعون اللّوم على اليهود الإسرائيليين، رغم أنهما يقبلان بدولة إسرائيل هي دولة يهودية وديموقراطية جامعيّن الضديّن في وحدة مثل النار والهشيم، نار اليهود وهشيم العرب. كذلك يتناسيان أنّ الذي سنّ قانون القوميّة لسنة 2018، برلمانهم التشريعي الذي يعمل بروح السنهدرين اليهودي. والأنكى من ذلك يقترحان أفكارا وخطوات من أجل عودة "المركز- اليسار" إلى السلطة دون أن يفكرا ولو بإمكانية إلغاء هذا القانون، الذي اعتبر ليس عرب فلسطين فحسب، بل كل العرب الذي يتوارثون الأرض الممتدة من سواحل المتوسط الشرقيّة إلى تخوم الأنبار العراقيّة هم جوييم، سكان دون حقوق مواطنة. فمعسكر (بينيت- لبيد- جانتس) يعجّ بالعنصريين وبعضهم أكثر شراسة في عدائهم وعدوانيتهم للعرب من الفاشيّة (شاكيد)، "الدابّة" (ريجيف) وأبو النكبة الثانية (كاتس- كهانا). فـ(ساعر) و(ماعر) وأبو دربكة ذهنيتهم وقيمهم تتراوح ما بين (كهانا الأول) و(كهانا الثاني، بن جفير). وعليه يمكن تعديل ما جاء به (جوطوين) و(طالشير) والقول إن الخلافات الإنتخابيّة في الكيان لسنة 2022 هي بين معسكريّن: يهوديّ- يمينيّ- متطرف مقابل معسكر يهوديّ- يميني- ليبرالي يحمل ويدافع عن موبقات الأقوى والأغنى الذين هم اليهود، ولا يهمنا إن كانوا من الشكناز أم السْفاراديم- كما اعتاد كبار السنّ منّا لفظهم!

 

//(بن جفير، كهانا الثاني)

نعود إلى خبير الاستطلاعات في صحيفة (معريف)، (مناحم لازر)، الذي أتيت على ذكره في مقدمة المقال؛ ففي الثاني والعشرين من شهر تموز 22 قدم (لازر) أطروحة الدكتوراه عن اليهوديّة الصهيونيّة. وفقاً لما قاله مشرفه، (آشير كوهن)، في (ريشت بيت/ الشبكة الثانية) بذلك اليوم، استنتج (لازر) أن الصهيونية الدينية تعمل حاليّا على توزيع وتغلغل أتباعها وأفكارها في المؤسسات المختلفة في الدولة. وعندما تتم مناقشتها والمصادقة عليها ستكون لنا وقفة جادة معها، خاصة وأنها تشير إلى تكثيف الاستيطان والاعتداء على ممتلكات العرب في الضفة، وإقامة وحدات موازية للجيش والشرطة لقمع الفلسطينيّين في كل مكان في فلسطين هو أمر مدروس.

يتبلور (بن جفير) سواءً كان عضو كنيست، أم وزيراً أم دون منصب رسمي كزعيم وقائد للصهيونيّة الدينيّة في الكيان. فالشاب الذي بدا معتوهاً، يعاني من فرط الحركة ويمتهن الاعتداء على العرب وممتلكاتهم في كلّ مكان في فلسطين، تتنبأ له الاستطلاعات بين 10- 12 عضواً في السنهدرين كما يريد للكنيست أن تتحول. فهو ليس حالة فرديّة، بل نتاج تضافر جهود وعوامل عدّة من السياسيّة الرسميّة التي عداؤها للعربيّ ماهويّ، وسائل الإعلام، ليس من أجل "الريتينج" كما يُشاع بل لأن هذا الإعلام هو "نار القبيلة" اليهوديّة- كما يوصف- هدفه جمع القيبلة على رأي واحد. وجهاز القضاء الذي مَثُل أمامه (بن جفير) بحدود 30 مرّة! هو الذي قام بتبييض وشرعنة جرائمه ضد العرب. فجهاز القضاء في (إسرائيل) يعمل في السياق الاستعماريّ الذي معناه أولويّة الدولة والأغلبية اليهوديّة على حساب العرب حتى ولو كانوا من جماعة فطين الملّا وحسين الهيب الأول والثاني وابتسام مراعنة- منوخين.

قام الباحث (تومر فريسكو)، الناشط في جمعية "قولوت/ أصوات" والباحث في معهد "هارطمان" بعقد مقارنة بين سياستي (الرابي مئير كهانا) و(بن جفير) فخرج بالنتيجة التالية قائلاً: "لا تتظاهروا أنكم تفاجأتم. في النهاية كما في البداية، كان بن جفير كاهنيّا [من مريدي الرابي النازي مئير كهانا]. لذلك، فإن رؤيته للعالم لا تشمل فقط العنصريّة الخبيثة، بل تشمل أيضًا كراهيّة اليسار، ورفض شرعيّة الإطار الديمقراطيّ، ويطمح إلى جعل إسرائيل دولة شريعة، نعم، ورغبة عميقة في الانتقام من الجوييم. كما جرت العادة أن نقول، هذا هو الحمض النووي للكهانيّة". حسنا فعل عندما عنون مقاله (هل بن جفير هو الكهانية للعائلة كلها؟ (تومِر فريسكو، هآرتس 25. 8. 22). يقصد القبيلة، العائلة، إسرائيل اليهوديّة برمتّها، الاحتلال والاستعمار، قوانين مصادرة الأرض وتشتيت الأسر الفلسطينيّة... وقانون القوميّة.

وعليه نعود لنعبر عن اطمئنانا الفكري للنتيجة التي توصلنا إليها القائلة إن الخلافات الإنتخابيّة بين يهود الكيان هي على سلال الدم وانهب والمسوقات: الدولة والحياة اليهوديّة- اليمينيّة- المتطرفة مقابل الدولة والحياة اليهوديّة- اليمينيّة- الليبراليّة التي تريد أن تحتفظ بجوهرانيّة يهوديّتها مقابل قبول مجاميع العرب بمكانة الجوييم- السُّكان والاستمرار بعمل مُهرِّجي السيرك في الحياة السياسيّة في الكيان.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب