news-details

التربية الدائمة أو المستدامة| مفيد صيداوي

في التربية والتعليم: هي فكرة قديمة لها في تاريخنا التربوي جذور.

أخذت في العصر الحديث مناحي جديدة.

 

يتنادى وزراء التربية وعلماء التربية في هذا العصر لموضوع التربية الدائمة أو التربية المستدامة، فهل لهذه التربية جذور في تاريخنا الثقافي والتعليمي؟ وماهي التوجهات الجديدة لهذه التربية؟، وأين نحن منها الآن؟

    لقد نادى المنادون بالتربية الدائمة، وقد كان فلاسفة اليونان يلتقون الأطفال والشباب على قارعة الطريق ويسألونهم الأسئلة الفلسفية ويجيبونهم عند الحاجة ويناقشونهم، وكانت هذه إحدى وسائلهم لتربية الأجيال.

    وفي تاريخنا العربي العريق نجد التبشير بالعلم من المهد إلى اللحد، ونذهب إلى ميراث الرسول محمد (ص)، بقوله: "يّظّلُّ المرءُ عالما ما طلب العلم فإن ظنَّ أنه علم فقد جهل" ومن أقواله أيضا:"منهومانِ لا يشبعانِ، طالبُ عِلمٍ وطالب مالٍ".وجاء في القرآن الكريم:" ربِّ زدني علما "(سورة طه الرقم 20 الآية 114)، وهذه الآية تحمل معنى زيادة العلم وتسند الأحاديث السابقة.

   ومع ذلك فقد تغيرت ظروف العصر وفتحت المدارس في المدن والقرى في العالم والعالم العربي أيضا وفي بلادنا بشكل ومضمون يختلف إلى حد بعيد عمّا كان عليه الأمر في العصور السالفة، واعتقدَ بعض المربين وأصحاب القرار أن التعليم في هذه المدارس والمعاهد تكفي الطلاب لنيل العلم على أنواعه علميا ومهنيا يتم في هذه المدارس، واعتقدوا أن عبور هذه المدارس نهاية المطاف في المعرفة والإعداد للمهنة ،وليس بعد ذلك فضل لمستزيد،إلا ما كان من توسيع عفوي لآفاق الثقافة وتحسين غير منظم للإعداد  عن طريق مزيد من الخبرة ومن سنوات العمل ، وإذا بالثورة التكنولوجية تداهمنا لتؤكد مرة أخرى أن ما نتعلمه ونعلمه في المدارس ما هو إلا الجزء اليسير من العلم والتعليم والثقافة.

فلم تكتف فكرة التربية الدائمة – كما ظهرت في السنوات الأخيرة القريبة- بتأكيد أهمية تربية الانسان منذ نعومة أظفاره حتى شيخوختهِ ( أطلب العلم من المهد إلى اللحد)، أو كما قال جان جاك روسو(1712- 1778)،تبدأ تربية الطفل مع الولادة أو قبل الولادة( عن طريق أنواع العناية التي تُقَدَّم للحامل)، ويعرف رواد وطلاب أدب الأطفال النظريات التي تطالب بقص القصص للطفل وهو في بطن أمه، وتمتد إلى العناية بالشيخوخة وعن طريق تهيئة الشيخ لفكرة الموت،ومن ناحية أخرى تهيئته للتمتع في حياة الشيخوخة ، بل تذهب أبعد من هذا وإلى غيرهذا ، وتدخلُ معنى جديدا على هذه التربية المستمرة للكائن، إنها ترى في خاتمة المطاف أن أشكال التربية التي تقدم للإنسان ، عن طريق ما يُسمى التربية المدرسية النظامية، بدءا من رياض الأطفال حتى خاتمة الدراسة العليا، ليست كل ما في التربية، بل قد لا تمثل أهم ما فيها.

   من هنا جاءت التربية الدائمة أو المستدامة في مفهومها المحدث، في أنها تريد أن ترى الاعداد الذي تأتي به مراحل التعليم الرسمية والنظامية جزءا، بل جزءا يسيرا من عملية إعداد منظَّمة يجب أن يُنظَر إليها على أنها تمتد طوال مراحل العمر.

     وهكذا فالتعليم غير الرسمي والتدريب في غير عمر الدراسة النظامية،ينبغي أن يكون الأمل والجوهر في إعداد الانسان لعالم تتغير فيهِ المعرفة بشكل سريع جدا، وتتقادم وتتبدل المهن والأعمال وتتجدد.

      ومن هنا نخلص أنه لا قيمة لأنواع المعرفة والخبرة والتدريب في نظرنا التي يحصل عليها الطالب من على مقاعد الدراسة الرسمية، إن لم تغنها وتغذيها وتضف إليها وتجدد منها دوما وأبدا ضروب شتى من إعادة التأهيل وإعادة التدريب وإعادة التَّعَلُّم، حسب مستلزمات تقدم المعرفة وحسب مستلزمات المهن والأعمال والصناعات.

     وبتعبير آخر إننا نرى منطلق التربية الدائمة أو المستدامة الحديث أنه من المستحيل، في مثل عصرنا التي تتغير معارفه، المتحول في حاجات الطاقة العاملة وسوق العمل، أن نقدم خلال مراحل الدراسة، مهما تطُل، كل ما يمكن أن يحتاجه الدارس من زاد علمي.

   لذلك هناك واجب إنساني وفكري وتراثي كما أسلفنا في بداية المقال أن نطلب العلم من المهد إلى اللحد، لنطلع على كل جديد يفيدنا في حياتنا الشخصية ويعطي حياتنا معنى، وكذلك على المستوى المهني أيا كانت مهنتنا.

       والدول المتقدمة والتي تقدمت علميا وما زالت تقدم لموظفيها ولعمالها الدورات واللقاءات العلمية لتطلعهم على كل جديد في مجالهم العملي، وحتى في القطاع الخاص تقوم الشركات الكبيرة بـتأهيل جديد لعمالها واطلاعهم علىأهم المستجدات في مجالهم، ولكن كل هذا لا يغني عن العمل الشخصي للفرد في أن يعي هو أولا أهمية التربية المستدامة وأهمية السعي للمعرفة الجديدة والحديثة. ولنا بالعديد من مثقفينا ومعلمينا وأكاديميينا قدوة حسنة/ ومن تاريخنا قوة روحية هامة للتربية الدائمة.

(عرعرة– المثلث).

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب