news-details

التمييز ضد النساء، مصطلحات ومعارف أساسية| نادرة أبو دبي سعدي

يتناول هذا المقال موضوع التمييز كما عرَفته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). كما سأوضح معنى التمييز المباشر وغير المباشر والمركب وأخيرا سأحاول تعديد مظاهر التمييز على أساس الجنس، مبينة أكثر المظاهر انتشارا وانعكاساتها وأخيرا سنعرف بنطاق عمل الفريق المعني بمسألة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة المنشأ بقرار مجلس حقوق الإنسان. وفي النهاية سأستعرض تجربة فلسطينيات الداخل في هذا المجال.

يعني مصطلح التمييز ضد المرأة: أي تفرقة أو استبعاد أو تمييز يتم على أساس الجنس. ومن آثاره أو أغراضه المس بحقوق المرأة والحريات الأساسية في الميادين السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وأي ميدان آخر.

تعاني النساء في مجتمعاتنا عموما من التمييز بأشكال متنوعة: التمييز المباشر، التمييز غير المباشر والتمييز المركب الممارس ضد النساء.

التمييز المباشر: هو الذي يمارس من خلال أفعال أو أقوال وتتعرض له المرأة بشكل مباشر وبسبب جنسها أي باعتبارها أنثى وهو أكثر الأنواع المنتشرة في مجتمعاتنا وأوضح مثال عليه هو العنف الممارس عليها من قبل الرجال وهذا العنف يمارس فقط لأنها إمرة ويظهر بشكل مباشر وواضح سواء بالقول أو الفعل. وفي مجتمعاتنا العربية تساهم المنظومة الاجتماعية والاقتصادية بتعزيز هذا العنف من خلال انعدام ابسط وسائل الحماية كذلك التقاعس من قبل جهاز الشرطة والقرارات المخففة من الجهاز القضائي، لعدة اسباب منها السياسية ومنها المجتمعية الذكورية.

اما التمييز غير المباشر هو عدم توفير الإجراءات والآليات الخاصة المؤقتة التي يجب إتباعها لمراعاة وضع المرأة في المجتمع أي عدم اللجوء إلى التمييز الإيجابي.

أما التمييز الايجابي وفق المادة الرابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) فهي تدابير خاصة ومؤقته تقوم بها الدول تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة. إن تدابير التمييز الإيجابي ليس تمييزا بالتعريف المتعارف للتمييز، وذلك لأنها أولا تدابير مؤقتة ويجب أن ينتهي العمل بها فور زوال سبب وجودها وفق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، الا وهو تحقيق مبدأ العدالة والمساواة في النتيجة وليس فقط في الفرص. وحيث أن مجتمعنا مجتمع ذكوري ناتج عن إرث بطريركي متجذر لابد من إجراءات كذه تسهم في زوال هذا المفهوم وإرساء ثقافة العدل والمساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة واحقاقا للعدالة والانصاف.

التمييز المركب، يحدث عندما يمارس على الإنسان تمييز لأكثر من سبب ومثال على ذلك التمييز الذي يمارس على النساء ذوات الاعاقة فهنا يمارس عليها تمييزين: الأول كونها امرأة والثاني كونها من ذوات الاعاقة وهذا ما نسميه التمييز المركب وهو أقسى أنواع التمييز. ومن منظور آخر نستطيع القول ان هذا التمييز ضد النساء مع اعاقة أكثر من مضاعف في حالة المجتمع الفلسطيني بالداخل حيث أن المستوى الاول هو التمييز القومي كونهن فلسطينيات ينتمين لمجتمع مميز ضده سياسيا من ثم المستوى الثاني التمييز على اساس جندري كونهن نساء في مجتمع بطريركي ذكوري، والمستوى الثالث كونهن ينتمين لذوات الاعاقة المميز.

من المبادئ الدولية المستقرة في الإعلانات والمواثيق الدولية قبل نصف قرن، حق المرأة كانسان في أن تكون في مأمن من التعذيب أو الاستغلال والاعتداء، والحق في الحرية والأمن الشخصي وتحقيق الذات، لذلك يشكل العنف ضد المرأة بجميع اشكاله اولا مظهرا لعلاقات قوى غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ أدت إلى هيمنة الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها والإحالة دون نهوضها الكامل.

 

//فريق متابعة أوضاع النساء في الامم المتحدة

لمتابعة وضمان عدم التمييز باي شكل من الاشكال ضد المرأة أنشأت الامم المتحدة فريقا لمتابعة أوضاع النساء وقد حدد القرار مدة ولايته بثلاث سنوات يتألف من خمس خبراء وقد راعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي المتوازن. ويعنى بالتمييز ضد المرأة قانونيا وبالممارسة.

 من المهام المنوطة بهذا الفريق:

-           القيام مع الدول وكيانات الأمم المتحدة المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وخبراء متخصصون بالقانون من أجل إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة وإعداد خلاصة بأفضل الممارسات بهذا الصدد.

-           القيام مع الدول وكيانات الأمم المتحدة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع بإعداد دراسة تتضمن أفضل السبل التي يجب أن يتبعها الفريق من أجل التعاون مع الدول للإيفاء بالتزامها بالقضاء على التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة.

-           تقديم التوصيات من أجل تحسين التشريعات وتحقيق التنمية الألفية ولا سيما بشأن تعزيز المساواة بين الجنسين.

-           التنسيق الوثيق مع كل كيانات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها لجنة وضع المرأة وجهاز الأمم المتحدة المعني بشؤون المرأة، واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة من أجل تفادي الازدواجية التي لا لزوم لها.

-           مراعاة آراء أصحاب المصلحة الآخرين مثل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وآليات حقوق الإنسان الإقليمية ذات الصلة ومنظمات المجتمع المدني.

-           تقديم تقرير سنوي للمجلس تبين حالة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة والممارسات الجيدة للقضاء على التمييز بالاستناد إلى آليات الأمم المتحدة.

 

//تجربة فلسطينيات الداخل:

جمعيات الداخل الفلسطيني النسوية والحقوقية تنبّهت لهذه الالية وبدأت منذ العام 1997 بتقديم تقرير الظل عن مكانة النساء الفلسطينيات المواطنات في اسرائيل، وجاءت كتابة التقرير الاول بعد وصول النسخة الاولى من التقرير الذي قدمته الحكومة الاسرائيلية عن واقع النساء في البلاد وقد لاحظت الجمعيات النسوية الحقوقية تجاهلا تاما لواقع النساء الفلسطينيات في الداخل الشيء الذي لم يختلف بجوهرة ولا مضمونه على النهج العام المهمش والمتجاهل والعنصري بإسقاطاته تجاه المجتمع الفلسطيني ككل سرعان ما شكلت هذه الجمعيات لجنة للعمل حول مكانة المرأة الفلسطينية في اسرائيل وبدأت بكتابة تقريرها الاول ردا على تقرير الحكومة الاسرائيلية.

كان لا بد من تقرير يشرح بداية الرواية لسيرورة المرأة الفلسطينية المواطنة في اسرائيل منذ الانتداب، فقيام الدولة ويفند واقعها والتمييز المركب الذي يقع عليها كامرأة ضمن أقلية وطن مميز ضدها وكونها امرأة في مجتمع ذكوري في بيئة مليئة بالصراعات المتواصلة وبكل الاشكال.

ومن اسقاطات التاريخ والواقع تطرق التقرير الاول عام 1997 الى قضايا المشاركة السياسية، الحياة العامة التمثيل الدولي، التربية والتعليم للنساء والعمل، صحة النساء الفلسطينيات وقوانين الحوال الشخصية.

وقدم هذا التقرير في محليا أمام ممثلي الحكومة في البلاد وممثلي المجتمع المدني وايضا من خلال المنصة الدولية حيث تم تقديمه في الامم المتحدة. لقد كانت تجربة كتابة التقرير الاول فرصة فتحت الباب اما المجتمع المدني المعني بقضايا النساء للوصول الى امكانيات جديدة وهامة جدا بالمرافعة اما هيئات دولية ومتابعة تطبيق اتفاقية منع كافة اشكال التمييز ضد المرأة عينيا.

تأتي أهمية هذه الخطوة سياسيا لإبراز تكامل النضال الفلسطيني كأقلية وطن للمرافعة عن المجتمع بصورة عامة وفضح سياسات واجراءات التمييز الحكومية ضد المجتمع الفلسطيني ككل من خلال تقديم التقارير والبيانات المهنية الداعمة والتي تبين تأثير سياسة التمييز العنصري على المجتمع عامة وعلى النساء بصورة. تتحدث هذه التقارير بمفهومها العام عن سياسة الافقار الممنهجة ضد المجتمع الفلسطيني في الداخل، من خلال التمييز العنصري في القوانين والاجراءات لا سيما عدم تخصيص الميزانيات اللازمة للتطوير والتنمية مما ادى الى اجحاف وشح الامكانيات والبنى التحتية السيئة واغراق المجتمع بالسلاح والسموم الذي يؤدي لانتشار الجريمة ولا سيما الجرائم ضد النساء. أضافة لسياسة هدم البيوت وتضييق الخناق في المسطحات داخل المدن والقرى العربية مما يحول هذه المدن والقرى الى كانتونات ضاغطة تفتقر الى ابسط مناحي الحياة الكريمة التي تؤثر بشكل مضاعف على النساء والاطفال.

استمر العمل من لجنة مكانة المرأة الفلسطينية المواطنة في اسرائيل باستخدام استراتيجية المرافعة الدولية لضمان المراقبة والتأثير في مجال الحفاظ على حق المرأة في الحياة الكريمة واتاحة فرص عادلة ومنصفة تتيح للنساء تحقيق ذواتهن. وقد قدمت اللجنة حتى يومنا هذا اربعة تقارير ظل شملت عدة فصول حياتية تخص المرأة الفلسطينية المواطنة في اسرائيل مستعرضة معلومات احصائية دقيقة بالاعتماد على ابحاث مختصة ومقدمة التوصيات بناء على معرفة مهنية وميدانية نتاج عمل تراكمي مع المجتمع الفلسطيني بالداخل

في الختام، أتمنى ان تشكل هذه التداخلات نوعا من التوعية وتبادل المعرفة رافعة لتفعيل القوانين المختلفة المحلية والدولية ووسيلة ضاغطة لتفعيل الوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية، ليس فقط للنهوض بواقع النساء وتقدمهن، انما الحد من التمييز بأشكاله وتعزيز بناء المجتمعات على اساس الحق، المساواة والعدالة على الصعيدين المحلي والدولي. ومن ثم تطوير فاعلية المشاركة النسائية وأخذ دورها الهام والتكاملي في تدعيم اسس للعدالة والانصاف لتحقيق الاستقرار الحماية والأمن للنساء والمجتمع كافة وبناء مجتمع ديمقراطية، يتيح الفرص ويوفر تنمية مستدامة لجميع افراده

*مركزة تشغيل النساء العربيات في جمعية نساء ضد العنف

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب