news-details

الحب في زمن الكورونا (2)

"خلّيك بالبيت"

وضلّيت في البيت ..

 وأحببت كلّ شيء في بيتي من جديد..  كأنّني في حالة عشق.

 أوّلًا عدت لأسرتي الصغيرة وسريري. واسترحت قليلًا أنا الثائر المُتعب... وغدوت أحبّ أشيائي القديمة التي كانت قريبة مني كثيرًا وأهملتها، فرُحت أرتّبها وأنفُض الغبار عنها، تُرى أأنفض الغبار أيضًا عن بعض عاداتي وتصرفاتي الّتي قد يراها الآخرون خاطئة؟

وغدا كلّ شيء في تصرّفاتي يتغيّر حتى على المستوى الشّخصي، حتى اللّقاء والتحية إمّا بهزّة رأس أو رفعة يد، والتسليم بالكوع على الكوع بعيدًا عن التّرحيب والسلام الحار، وهذا بالضّبط يشبه سلام مصر وإسرائيل الجاف فارغ المضمون والتضامن، والمليء بمصلحة إسرائيل الأمنية والاستراتيجية.
وكانت فرصة أن أفتح أرشيف همّي، وراجعت بعض "كالندارات" يعني "رُزنامات" عمري أبحث وأتفحّص الأمور المهملة التي كنت أعتبرها شكليّة أو هامشية. لتصبح بزمن الكورونا جوهرية وأساسيّة. في زمن الكورونا اكتشفت عمري حقًّا، اكتشفت أنني سأصبح قريبًا بجيل السّتين، وما أدراك ما هو جيل الستين القريب جدا من اغتيالات جائحة الكورونا. واكتشفت أنني لا أحبّ التفاصيل الصغيرة المملّة التي هي بنظر الناس العاديين الآخرين مهمّة وجوهرية. اكتشفت حقيقة غريبة عنّي، وهي أنني عمّقت في زمن الكورونا حبي لعائلتي وأبناء حارتي وأبناء شعبي، وقمت بتنفيذ التعليمات كلها بحذافيرها و"ضلّيت في البيت".

وتبدأ في زمن الأزمات مراجعات النفس الأمّارة بالسوء، وصانعة المعجزات في الأوقات العصيبة. ومن شدّة قلقي وهلعي في جيل الستين أنني غدوت أحب الحياة أكثر، ففي معمعان ومعترك الحياة ننسى أحيانا الخوف والهلع والتفكير بالمستقبل، لاعتقادي انني انا الثائر منذ اللعنة الأولى اصنع المستقبل. 

ومن شدة الخوف والهلع من فيروس الكورونا وما قصّوا عنه من الأحاديث إلى حد الأسطورة... ركبني "فيروس الخوف". ورحت أخفف عن نفسي أنا سليل القرن الواحد والعشرين القادم باللجوء إلى حاسوبي اتنقل به متلقفا آخر أخبار الفيروس اللعين لوحدي... عندها يتسارع الهلع والخوف الى نفسي... فينبري لي الحبّ أحسن علاج ومهدّئ من ضغط "البروباغندا الكورونية". فأتذكر أحلى اللّحظات التي عشتها والتي لو لم يظهر فيروس الكورونا لعشتها مرّة ثانية... وأوسوس في خاطري فرحًا بهمس نوراني، أحبّ جميع لحظاتي في بيتي...بفرحي وشقائي... بهدوء بالي، أو سوء أحوالي.

 وخاطبت نفسي أيضًا أأبقى أسيرَ مسلسل التخويف الجاري في الفضائيات والأثيريات؟ أم أنطلق في فعل أي شيء كتعبير جامح وعلني لحبّ الناس كما تربيت وثقفت نفسي أنا الثائر المتعب، الخارج من معارك البقاء في الحياة أولًا، منتصرًا على العجز وقلة الحيلة ثانيًا، راكبًا متناقضات الحياة، مصارعًا أمواجها العاتية الآتية أغلبها من الأعداء وقليلها كذلك من الأصدقاء. وقرّرت انطلاقّا من حب الحياة والناس ان اخرج من بيتي لأساعد وأخدم وأتطوّع لمن بحاجة لمساعدتي وعوني، لأنني لا أستطيع أن أحب الناس "عن بعد" كما يريدون تلقين أبنائنا وطلابنا الدروس والواجبات "عن بعد" في القرن الواحد والعشرين. فانطلقت ولم أكن وحدي، بل وجدت حولي من يحبون أيضًا الناس... كل الناس مثلي"عن قرب"... وعن بُعد مترين.

واما وقد فُتحت سيرة "عن بعد" حتى تساءلت في قريرة نفسي مستهزئًا ومتأملا كيف سيعيد الطّبيب (خطّ الدفاع الأول عن البشرية في كل مكان)، كيف سيعيد تقبيل أولاده كما كان قبل فيروس الكورونا وملامسة واحتضان أجسادهم الطرية الندية الناعمة ... كيف "عن بعد"؟ 

وكيف لنا ألّا نتوقع أن هناك الكثير من الآباء خاصة العمال الكادحين الذين لم يسمح لهم الوقت بعد شقاء اليوم الطويل والجري وراء لقمة الخبز في هذا الزمن، الجلوس مع العائلة في العش الزوجي الذي تحول الى فندق للنوم والاغتسال والشرب والاكل فقط، وأيضا أرباب العائلات كثيرة الأولاد كيف لهم أن يعرفوا "عن قرب" بأي صف مدرسي أصبح أولادهم، الا بعد الحجر البيتي واجتماع العائلة بكامل هيئتها وهيبتها.

 لكنهم قطعوا حبل أفكاره وأشواقه بالتعلم "عن بعد" "وروح دبر لكلّ ولد حاسوب نقال".

ولأني أحبّكم عن قرب... لقصّتي بقية ...

(يتبع)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب