news-details

الحذر.. الكاميرات تتوافد للصناديق

فضيحة الكاميرات في يوم الانتخابات تداعت بشكل متدحرج ولم تأخذ رد الفعل الطبيعي في يوم الانتخابات، وتلاشت الأنباء عنها في غمرة الاحداث والتوتر الذي تصاعد خلال النهار بسبب نسبة التصويت المتدني ، وأخذت ابعادها الحقيقية بعد انتهاء عملية إحصاء الأصوات، ولأننا في الاساس أصررنا أن يكون هناك فضح لها ولمن يقف وراءها وأن يتم التحقيق فيها.

ما جرى في هذه القضية من توجيه 1300 عضو صندوق من الليكود يحملون كاميرات خفية تصور ما يجري في الصناديق في قرانا ومدننا العربية، وتبث بثا مباشرا لمركز يخزن كل ما يحدث في الصناديق، كانت لتشكل هزة أرضية في أية دولة تحترم الدمقراطية وتسعى لأن تكون عملية الأنتخابات فيها نزيهة، الأمر الذي لم يحدث في اسرائيل ويعبر تعبيرا جليا عن أن حتى الهامش من الدمقراطية الليبرالية المدعاة مطروح للنقاش والجدل منذ اليوم.

هذه الفضيحة التي اتضح أنها بفعل العقل المكيدي العنصري الذي يقود به بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، تمت بتدبير محكم منه شخصيا بالتعاون مع مكتب إعلامي جند ورتب للعملية تحت شعار إحداث تراجع في نسبة تصويت الجماهير العربية في الانتخابات لضمان استمرار حكم اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو، وبتعزيز صفوف احزاب اليمين المتطرف الصغيرة التي اراد أن يحضرها نتنياهو لتكون جزء من حكومته.

عندما توجهتُ للمستشار القضائي مطالبة بفتح تحقيق ضد نتنياهو ومكتب الإعلام كان الهدف إعادة القضية أيضا الى الاعلام ووعي الرأي العام، ولكنها لم تكن مناورة، بل انها مطلب حقيقي نصر عليه وهو امتحان جديد وفضح لزيف ادعاءات منظومة القانون. عدم رد المستشار القضائي حتى الآن هو جواب بحد ذاته، علينا أن لا نقبل به وأن ندرس الخطوات القانونية القادمة التي يجب اتباعها، ولكن هذا لا يعني اننا لا نرى الجانب السياسي الخطير في المعادلة ولكن هذه معركة طويلة وجدية يجب الاستمرار فيها.

ان الفعل ورغم كونه تجاوزا خطيرا لثلاثة قوانين هامة في اسرائيل، قانون الانتخابات وقانون الحفاظ على الخصوصية الفردية وقانون منع التحريض على العنصرية، لم يتم التعامل معه بالجدية الكافية بل ونكاد نجزم أنه جرى تواطؤ من رئيس لجنة الانتخابات المركزية، قاضي المحكمة العليا ملتسر، الذي أصدر قرارا يمنع التصوير فعلا ولكن لم يتخذ أية خطوات فعلية تطالب الشرطة بالتحقيق بالأمر، أو مصادرة الكاميرات والتحفظ عليها فورا كونها تشكل أدلة يستفاد منها في مرحلة التحقيق لاحقا. والاخطر من ذلك أن القاضي ملتسر في تصريحاته تساوق مع ادعاءات التزييف واستعملها لتبرير قراره المشبوه في يوم الانتخابات، وبذلك ساهم في تعزيز الادعاءات العنصرية التي قدمتها قيادة حزب الليكود بأنهم قرروا القيام بهذا الخرق الفظ للقانون بسبب "تزييفات" في صناديق المواطنين العرب في انتخابات سابقة.

هذه المخالفة القانونية الخطيرة قام بها الليكود وزعيمه نتنياهو عن وعي تام ومسبق بأن هذه الحملة سوف تشكل في جميع نتائجها، وأيا كانت، ربحا صافيا يصب في صالح الحزب واستمرار حكمه. لأنه في أفضل الأحوال كان سيتم الكشف عنها كما جرى في يوم الانتخابات وعندها سوف يكون بالإمكان من خلال تناولها في الإعلام ، اولا إخافة وترهيب الجماهير العربية من الرسالة الواضحة بأنكم "تحت المراقبة" وهناك من سيحاسبكم على عملية التصويت أو تعميق عدم الثقة الموجود أصلا بالمنظومة السياسية الإسرائيلية والشعور بوجوب العزوف عن المشاركة فيها، وكذلك سوف يعطي الفرصة لليكود ونتنياهو شخصيا لبث الأكاذيب العنصرية حول التزييف ودمغ الجماهير العربية كلها، وتعميق التوجه العام الموجود في الرأي العام الإسرائيلي نتاج سنوات من التحريض عن عدم شرعية المشاركة السياسية للجماهير العربية في الانتخابات وفي امكانية التأثير على الخارطة السياسية.

لقد سعى نتنياهو ووزراؤه بتوجيه منه شخصيا على مدار أربع سنوات لبث السم يوميا والتحريض على شرعية تمثيل الأحزاب، في حينه القائمة المشتركة ونوابها، والآن الاحزاب التي تمثل الجماهير العربية، والمس بكونها تمثل رغبات ومصالح الجماهير التي انتخبتها. وما زرع الكاميرات سوى تصعيد جديد يشكك في شرعية ونزاهة هذا التمثيل ومحاولة للمس بمصداقية الأحزاب ونوابها بشكل خاص والجماهير العربية بشكل عام.

ومما يثير القلق بشكل خاص أنه في حال الكشف عن الكاميرات سعى نتنياهو، كما يبدو، الى خلق حالة من التوتر والغضب كان يريد لها أن تتطور الى حالات اعتداء وعنف على المندوبين اليهود الذين يحملونها، خاصة وأنه تم الاهتمام وبشكل مريب بتعيين معظمهم من قوى اليمين المتطرف والمستوطنين والذين يحملون علامات مؤشرة على هويتهم، الأمر الذي يعلم أصحاب هذا الفكر المقيت بأن من شأنه أن يثير حفيظة الجماهير العربية. كما يبدو أنه لو حدث انزلاق نحو اشتباكات معهم في الصناديق لاستطاع نتنياهو أن يستغلها لساعات طويلة لتجييش اليمين للخروج للتصويت، ومرة أخرى مكيدة من نوع "العرب يتدفقون الى الصناديق" الا أن هذه المرة كانت لتكون "العرب يعتدون في الصناديق على الشباب اليهودي". وواجبٌ القول بأن يقظة النشطاء الحزبيين وأخُص بالذكر الجبهويين منهم في الصناديق جعلتهم يفوتون الفرصة على حملة كانت لتكون الأخطر ضد الجماهير العربية، عندما تصرفوا بمسؤولية عالية واستدعوا الشرطة للتحفظ على مرتكبي الفعلة.

وكما يبدو فبما أن الكاميرات نصبت في الصناديق التي تخص العرب، لم تهتز أركان القانون الإسرائيلي أو الرأي العام اليهودي الاسرائيلي، ولم يستوعب أي كان بأن ما جرى خطير على مستوى نظام الحكم وسيطرة المنظومة القانونية. فالمسؤول عن تطبيق قانون نزاهة الانتخابات ودمقراطيتها وشفافيتها، منع التزييف، والحق بالحرية في التصويت، هو لجنة الانتخابات المركزية التي تنتدبها الدولة ككل لأجل القيام بذلك. وعندما يقوم حزب سياسي وبالأحرى الحزب الحاكم ورئيسه بتنصيب نفسه مسؤولا عن ضمان "النزاهة" يكون عمليا قد استبدل الدولة بالحزب الحاكم متمثلا برئيسه، في هذه الحالة نتنياهو، وهذه احدى مظاهر الفاشية الكلاسيكية حين تصبح الدولة هي الحزب الحاكم والحزب الحاكم هو زعيمه، فتتقزم الدولة بمؤسساتها ومنظومتها القانونية والقضائية لتذوب في شخصية الزعيم، ويصبح أي مس فيه أو انتقاد له هو مس وانتقاد للدولة كنظام. هذا ما فعله نتنياهو هذه المرة ضاربا عرض الحائط بكل ما هو متعارف عليه، وتعاون مع مكتب اعلام ولكن الأهم بتساوق وصمت من القاضي ملتسر، والإعلام والرأي العام الاسرائيلي.

عندما توجهتُ للمستشار القضائي مطالبة بفتح تحقيق ضد نتنياهو ومكتب الإعلام كان الهدف إعادة القضية أيضا الى الاعلام ووعي الرأي العام، ولكنها لم تكن مناورة، بل انها مطلب حقيقي نصر عليه وهو امتحان جديد وفضح لزيف ادعاءات منظومة القانون. عدم رد المستشار القضائي حتى الآن هو جواب بحد ذاته، علينا أن لا نقبل به وأن ندرس الخطوات القانونية القادمة التي يجب اتباعها، ولكن هذا لا يعني اننا لا نرى الجانب السياسي الخطير في المعادلة ولكن هذه معركة طويلة وجدية يجب الاستمرار فيها.

الصورة: "سعى نتنياهو الى خلق حالة من التوتر والغضب كان يريد لها أن تتطور الى حالات اعتداء"...

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب