news-details

الحرام والعيب والغلط| إبراهيم طه

ثلاثة إن هي اجتمعت في واحد خسر الدنيا والآخرة.. الحرام يوصل فاعله إلى النار.. نار الآخرة. والعيب والغلط يوصلان الفاعل إلى النار أيضًا.. نار الدنيا. فكيف إذا اجتمعت في واحد؟!  أقول ما أقول ولا أخشى على المشتركة، أخشى على القيم. عيني على السلوكيات والأخلاق السياسية وليست على هذا التنظيم أو ذاك. لا تعنيني الحسابات التنظيمية أو السياسية الآنيّة ما دمتَ قد رفشتها أنت بالقول الصريح والفعل المجاهر يا دكتور منصور. سجّل عندك يا دكتور أني لا أنطق من حنجرة أحد. أوتاري الصوتيّة ملك خاصّ.  لا أمثّل أحدًا ولا أضرب بعصا أحد.

 

الحرام

لم أحلم في حياتي كلها، لا في نومي ولا في يقظتي، أن أتّفق مع ليبرمان في شيء. لكني ضبطتُ نفسي في غفلة من الزمن أتّفق معه. وافقته الرأي في ليلة ليلاء فوقعت في الخطيئة. لم أسعد بهذه الموافقة. وهذا أقلّ الكلام وأدناه. لكنّ النائب الدكتور منصور عباس هو السبب وهو المسؤول الأول والأخير عن هذه الخطيئة. وهو يزر وزرها.. ليس لما يفعله الدكتور منصور من مساومات ومقايضات مع نتنياهو إلا اسم واحد مثلما قال ليبرمان: رشوة. والرشوة في شرع الإسلام حرام. وهو حرام لأنه أكلٌ للمال بين الناس بالباطل. وهو باطلٌ لأنه مقايضة مع شريك مشبوه بأخلاقه وقيمه وممارساته. في الحديث الشّريف الصحيح لعن النبيّ العربيّ (ع) "الرَّاشي والمُرتشي" برواية الترمذي. وفي رواية أخرى: لعن "الرائش" أيضًا وهو يعني الساعي بينهما. هذا إذا كان الراشي/المرتشي "سويًا أو مستقيمًا"، قد زلّت قدمه وسقط سقطة عابرة، فما بالك وهو متّهم بتهمٍ لها أول وليس لها آخر؟!  لا أعرف إذا كنتَ تستمدّ شرعيّة نهجك السياسي من الشريعة الإسلامية كما أتوقّع يا دكتور منصور. أنا صدقًا لا أعرف. إن كنت تفعل ما تفعل من باب جواز الرشوة التي يحصّل بها المرء حقّه أو يدرأ بها الظلم والضرر عن الناس، إن كنت تمارسها من هذا الباب ووفق هذا التسويغ، فأنت على خطأ. إن كنت تعوّل على أنّ الإثم في هذا النوع من الرشاوى يقع على القابض المرتشي دون الدافع الراشي، فقل لي من هو الراشي ومن هو المرتشي بالضبط؟ إذا كان القابض دافعًا والدافع قابضًا، كهذه الحالة، فأنتما تتقاسمان الإثم. ألم تقل يا دكتور إنك "تستغلّه" مثلما "يستغلّك"؟! وإن كنت تستثقل تهمة الرشوة فيمكنك أن تستبدلها بموبقة الربا، وهي منها قريبة، ربا فضلٍ أو نسيئة، إن كان الأمر أسهل عليك! لنترك الجدل في الشرع إلى مكان آخر ولنؤجّله إلى وقته يا دكتور. وأنا جاهز. بكلّ الصدق جاهز.. لا أقول ذلك ساخرًا ولا شامتًا بل حزينًا وعاتبًا وغاضبًا. تذكّر أنّ عتبي يسبق غضبي. لكنّ غضبي أشدّ من عتبي يا دكتور.

وإن سألتني ما هي حجّتي في هذا الكلام؟ أقول إنّ تحقيق الحقّ بالباطل حرام. ما يؤخذ بالباطل فهو باطل. هل حقوقي المدنيّة التي يضمنها القانون الدولي والمنطق السليم والقويم والأعراف السماوية كلها قابلة للمقايضة؟! لنفترض جدلا أنها تقبل المساومة في بعض الأحايين، أقول المساومة وأعنيها، لكن هل تجوز مقايضة فاسد متّهم بالرشوة؟ أتجوز مقايضة من أسقط ويسقط عنا الشرعية في كلّ حلّ ومرتحل؟  ألستَ بهذا تثبّته في فعل الحرام يا دكتور؟ ألستّ تُعينه على مواصلة الغيّ والضلالة؟! ألست تمدّه بحبل النجاة ومحلّه قاعات المحاكم والقضاء وربما زنازين السجون؟! لو صدر الأمر عن ليبرمان لقلنا لا غرابة في الأمر. أما أن يصدر عن مسلم جعل إسلامه مرجعه ومرجعيّته في سلوكه وممارساته وأخلاقيّاته فلا يعقله أحدٌ ولا يقبله أحدٌ.. محزن!

 

العيب

ماهي القيم التربوية والأخلاقية والسلوكية التي تورثها للأجيال اللاحقة بهذه المقايضات والمساومات؟ لستُ ساذجًا إلى هذا الحدّ من السذاجة حتى أنكر عليك واجبك في الفعل السياسي الحكيم والمرن. لكنّك وسّعت مساحة المرونة إلى حدّ غير معقول ولا مقبول. هل مبدأ المقايضات صار حلالا بالعموم والإطلاق في كلّ فعل سياسي؟! هل صارت السياسة فهلوة أو فنّ صراع البقاء بكلّ ثمن؟!  العيب في هذه الممارسة السياسية خماسيّ الأبعاد. العيب الأول أن نترك نتنياهو، الذي يبدّل جلده كلّ يوم ألف مرّة، يلعب بنا متى شاء أينما شاء وكيفما شاء. العيب الثاني يتمظهر في شرعنة مبدأ المقايضة على مستوى الفكرة. العيب الثالث في مقايضة خصوم سياسيين ينكروننا وينكرون علينا حقوقنا ويسقطون عنا الشرعية ويتنكّرون لهويّتنا القومية ويتحيّنون الفرص لإخراجنا بالقوّة من دائرة اللعبة السياسية. والعيب الرابع في مقايضة متّهم بأخلاقه السياسية وممارساته الساقطة. ولا شكّ عندي في أنك تعلم كلّ هذه العيوب الأربعة علم يقين لا علم ظنّ.  العيب الخامس، وهو كعصا موسى يتلقّف العيوب كلها، هو في إدراك هذه العيوب الأربعة وتجاهلها أو التغافل عنها يا دكتور. وهذا عيب العيوب وأبوها وأمها. عيبٌ على مستوى الفكر والموقف والعقيدة.. معيب!

 

الغلط

لكنّ ما تفعله عيبٌ على المستوى البراجماتي أيضًا. ما تفعله يا دكتور منصور غلط سياسي إجرائي. غلط استراتيجي خطير. هل نحن حالة مؤقّتة في أرضنا حتى نساوم ونقايض حين تكون المقايضة متاحة فقط؟! وحين لا تكون كيف سنحقّ الحقّ وقتها؟! إذا كنت ستحصل على بعض الحقوق اليوم وماذا ستفعل غدًا حين لا تجد مناوبًا آخر متورّطًا جاهزًا مثل نتنياهو أجاءه الزمان إليك؟ اليوم أنت تستطيع أن "تستغلّ" نتنياهو لأنه متورّط بالمحاكم وماذا ستفعل غدًا حين يأتي غيره ولا يعطيك سببًا مباشرًا كي تستغلّه؟! هل مشاكلنا ستحلّ بهذه المقايضة العابرة المؤقّتة؟! همومنا متراكمة مركّبة معقّدة تحتاج إلى سياسة واضحة موثّقة ونوايا سليمة وتخطيط علمي ممنهج. ولا تحتاج إلى حبّة أسبرين. إذا كان نتنياهو صادقًا لماذا لم يفعل حتى الآن ما وجب فعله على مدار عقد من الزمان؟! ثمّ هل تأمن جانبه إن هو وجد فجأة نائبًا غيرك كي ينقذه من حبل المشنقة؟!  منذ متى صار نتنياهو مأمون الجانب في العمل السياسي؟! انظر ما يفعله بشركائه الطبيعيين يا دكتور رغم الاتفاقيات التي وقّعها هو نفسه بخطّ يده. انظر كيف يلحس كلمته وتوقيعه دون أن يهتزّ له رمش. أذكّرك أيضًا بأنّ المقايضة العابرة، التي تنهض على ثقافة اقتناص الفرص، تمحو مصطلح "الحقوق" الطبيعية والقانونية والمطلقة وتستبدله بثقافة غريبة وخطيرة على المستويين القريب والبعيد. نحن نستمدّ وجودنا المدني يا دكتور من حقوقنا المشروعة. وحين ترهنها أنت بالقدرة على المقايضة أو تخضعها لفنّ المساومة أنت تجعلها مشروطة!  مشروطة بقدرتنا على دفع الثمن. ومتى كانت الحقوق الفطرية مشروطة بواجب مكتسب يفصّله لنا نتنياهو ويحدّد شروطه وأشراطه حسب أهوائه وحاجاته يا دكتور؟! لا شكّ في أنّ هذه المعادلة هي ما يسعى إليها نتنياهو نفسه، أعني "الحقوق مشروطة بشروط سياسية ومرهونة بظروف". لكن أن تبادر أنت إلى فعله فهو غير معقول لأنك تمارس فعلا ضدّ نفسك وضدّ مصلحتك وضدّ فطرتك السليمة.. مؤسف!     

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب