news-details

الحرب على النازية| د. خليل اندراوس

إن الحرب الروسية على النازية في أوكرانيا تفرض علينا أن نحمل رؤية مترابطة نستخلصها من الأحداث المتباينة، وخاصةً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكذلك تفرض علينا أن نفكر وندرس المشكلات الكبرى التي تفرض نفسها في المستقبل القريب، فهل نتجه إلى حرب عالمية ثالثة من طراز جديد؟

الحرب العالمية الأولى وقعت نتيجة لصراعات "أوروبية – أوروبية"، ولم يطلق على الحرب العالمية الأولى هذا الوصف، إلا أن الخصمين الحليفين، إنجلترا وفرنسا، ضما في صفوف جيشيهما "قوات متلونة" من مستعمراتهما، بدءًا من القناصة السنغاليين والمحاربين من شمال إفريقيا والدول العربية التي كانت مستعمرة في ذلك الوقت من قبل فرنسا، وانتهاءً بجنود إنجلترا من كندا وأستراليا.

ونجد الشيء نفسه في الحرب العالمية الثانية التي نشأت بسبب ظهور النازية والفاشية وصمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والتي دعمت النازية والفاشية في بداية طريقها بهدف توجيه ضربة عسكرية قاضية ضد الاتحاد السوفييتي. وفي تلك الحرب أشرك الحلفاء الأوروبيون الشعوب التابعة لهم في هذه الحرب، حيث مثلًا كان 70% من قوات الإنزال البحري في مقاطعة بروفانس لتحرير فرنسا من المغاربة، وكانت نسبة القتلى بينهم أكبر من نسبة مشاركتهم. والحرب بين أمريكا واليابان لم تكن تحمل صبغة صراع بين حضارتين، بل كانت على الأصح حربًا بين متنافسين ينميان داخل حدودهما النظام الرأسمالي نفسه، ويتصارعان للسيطرة على المحيط الهادي وغزو أسواقه. وهتلر كان يستبعد أمريكا من الصراع الأوروبي لأطول فترة ممكنة، وتخيل جعل اليابانيين آريين شرقيين لإقامة محور من برلين وروما وطوكيو.

انتهت الحرب العالمية الثانية بكابوس نووي في هيروشيما وناغازاكي، وهنا نذكر بأن منطق القوة الأمريكية حين تمارس عبر عن نفسه بأصرح وأصدق ما يمكن بنظرية الدكتور "هارلان أولمان"، وهو أحد المستشارين المسموعين في البيت الأبيض، وفي الأصل أستاذ علوم سياسية في "كلية الدفاع الوطني"، وكان تعبيره عن نفسه أقرب إلى البوح، بحيث يصح أن يستعاد للتذكر والتفكر، فقد كتب مذكرة بعنوان "الصدمة والرعب"، وضعت أمام الرئيس الأمريكي، والتي تمت الحرب على العراق على أساسها، ونشرتها الصحافة الأمريكية (وبينها جرائد نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز)، وفيها يقول في النص: "إن الولايات المتحدة عليها أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة والمركزة والكاسحة بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها، وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب حتى آخر ثانية، ويتم تقطيع أوصاله وتكسير عظمه وتمزيق لحمه دون فرصة يستوعب فيها ما يجري له". وقد ظهر هذا النازي بنفسه على شبكة C.B.S، وهي أكبر شركات التلفزيون الأمريكية قبل الحرب الإرهابية البربرية التي قامت بها الولايات المتحدة عند احتلال العراق، حيث تحدث عن نظريته في الحرب مركزًا على عدة شروط، منها أن استعمال أقصى درجات العنف من أول لحظة كفيل بتوليد إحساس بالعجز لدى العدو، يجعله مأخوذًا بطغيان تفوق عليه لا مثيل له، وهذا ما حصل عندما قامت الولايات المتحدة بحشد عسكري أمريكي متوحش حول العراق من قبل بدء أية عمليات عسكرية، والظاهر أن هذا الحشد أحدث أثرًا ساحقًا في عدد من عواصم الدول العربية وصلت إلى التسليم اليائس بأن ما يجري هو طوفان عسكري أمريكي كاسح لا يمكن إيقافه، قبل أن تقتحم جيوش الولايات المتحدة وحلفائها لا بل مجرميها حدود العراق. وعندما قامت الولايات المتحدة بتوجيه الضربة الأولى على بغداد أطلقت مئات الصواريخ من طراز كروز متلاحقة على مدى يومين بمعدل صاروخ كل أربع دقائق، وهكذا تم تدمير كافة محطات الطاقة والماء في بغداد، وتمت الهيمنة والسيطرة على سكان بغداد بل العراق نفسيًا ومعنويًا وماديًا وجسمانيًا. ويضيف هذا "الدكتور" "أولمان" ويقول: "الأثر الذي يجب أن تحدثه اللحظة الأولى من الحرب لا بد أن يكون مقاربًا لأثر قنبلة هيروشيما التي أقنعت القيادة العليا اليابانية والإمبراطور "هيروهيتو" بأن حياتهم ذاتها تحت رحمة الغزاة. وفي رأي "أولمان" إياه، "أن ذلك ممكن في حالة العراق، حتى إذا لم يقع استعمال القنابل النووية، الاكتفاء "بأسلحة متفوقة" لها قوة فتك غير محدودة". ثم يختتم شرحه لنظريته في حديثه التلفزيوني بقوله "أنه قام بتدريس منهج كامل عن نظريته لكبار القادة السياسيين والعسكريين في كلية الدفاع الوطني، وكان من بين الجالسين على مقاعد الدرس والتحصيل "كولن باول"، رئيس هيئة الأركان السابق في إدارة بوش الأب، ووزير الخارجية في إدارة بوش الابن. وذلك في الوقت نفسه، حتى تتصل الجذور بالفروع، منطق يختصر الوقت ويقلل من التكاليف، ويوفر الخسائر في أرواح المهاجمين الذي تربوا على أن الوطن مساهمة في شركة وليس ضحية بالدم". ولكن هذه الاستراتيجية الأمريكية المتوحشة بتوجيه من جماعتي ضغط قويتين تدفعان الولايات المتحدة إلى تفجير الصراعات المحلية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، هما اللوبي الصهيوني والصهيوني المسيحي ولوبي طبقة رأس المال، وخاصة "الشركات الاحتكارية العابرة للقارات"، وخاصة شركات صناعة السلاح، مستمرون في هذه السياسات الاستباقية العدوانية.

وهناك طروحات وحشية أخرى تحمل نفس التوجه العدواني العنصري الذي يخدم طبقة رأس المال وشركات صناعة السلاح.  ضابط أمريكي متقاعد يدعى "رالف بيترز" وهو مؤلف كتاب "ما بعد الإرهاب: الاستراتيجية في عالم متغير"، يقول "بأن تراجع دور القوات الأرضية لمصلحة القوات الجوية التي توفر المال من جهة، وتمنحه من جهة أخرى لشركات صناعة الأسلحة المتخصصة بهذا النوع من التقنيات التدميرية دون الحاجة إلى جهد بشري"، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة خلال احتلال العراق، وهذا ما قامت به إسرائيل خلال حربها الأخيرة على غزة وقتل المئات من الأبرياء، أطفال ونساء ومواطنين عزل، باستعمالها المفرط للطيران الحربي في قصف سكان غزة.

وما يجري الآن من زيادة كبيرة في تسلح دول حلف الناتو، وخاصةً الولايات المتحدة، والتي تدعم أوكرانيا بسلاح تكلفته مليارات الدولارات، وزيادة ميزانية الحرب في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول حلف الناتو لأكبر دليل على أن المواجهة ضد روسيا في حربها على النازية في أوكرانيا هي عبارة عن تجارة بدم الشعب الأوكراني والروسي خدمةً لمصالح طبقة رأس المال العسكري الإمبريالي العالمي. وهنا في هذا الموقع "الحساس" للمواجهة الروسية ضد سياسة القطب الواحد الأمريكي المهيمن، لا تتوقف إسرائيل عن لعب الدور الذي حدده لها مؤسسها الروحي ثيودور هرتسل، ألا وهو أن يكون "حصنًا" متقدمًا للهيمنة الغربية في مواجهة بربرية الشرق. وما تقوم به إسرائيل من اعتداءات ضد سوريا لأكبر دليل على دورها المتوحش الخادم لمصالح الإمبريالية العالمية والصهيونية العالمية في الشرق الأوسط. وما يكشف برنامج إسرائيل الأكثر تحديدًا هو ما نشر في فبراير عام 1982 قبيل غزوها المجرم الأول على لبنان، في نشرة "كيفونيم" (راجع نص النشرة في كتابي جارودي "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ص 270-271، محاكمة الصهيونية الإسرائيلية ص 9-10،  دار الشروق) الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية، وهو: "تفكيك كل الدول المجاورة من النيل إلى الفرات".

وهذا ما حصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، وانتشار الحركات الإرهابية في العراق ومحاولة تمزيق سوريا إلى دويلات. وكل هذه المشاريع والمؤامرات كان هدفها فرض الهيمنة الصهيونية المتوحشة على منطقة الشرق الأوسط، وفرض هيمنة وسيطرة القطب الإمبراطوري الواحد الأمريكي عالميًا، وخاصة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، بهدف إقامة حلف أوروآسيا لاحتواء روسيا من البوابة الغربية لروسيا أوكرانيا، واحتواء روسيا من الجنوب وخاصةً من خلال الهيمنة والسيطرة على دول آسيا الوسطى، والعمل بعد ذلك على تقسيم روسيا من الداخل إلى دويلات، وتهميش وتقزيم دور روسيا على مستوى السياسة العالمية. هذا هو الهدف الأساسي من تحويل أوكرانيا إلى دولة تحكمها أحزاب يمينية بل نازية، تسعى إلى امتلاك السلاح البيولوجي والنووي، والانضمام إلى حلف الناتو العدواني. وهذه السياسة الإمبريالية العالمية التي تقودها بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا تدعمها وفقا لقراءتي الماسونية العالمية والحركة الصهيونية العالمية، وهي السبب للحرب الروسية ضد النازية في أوكرانيا.

إن ما فعلته الولايات المتحدة في أوكرانيا هو استخدامها لمفهوم "الهيمنة السريعة" من خلال التأثير على وعي وإرادة الشعب الأوكراني ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه، وتحويل غالبية الشعب الأوكراني إلى أعداء ضد الشعب الروسي، لدرجة قيام الدولة الأوكرانية بأعمال عنصرية، منها منع اللغة الروسية، مع العلم أنه في أوكرانيا يعيش ملايين الروس، وتم حظر الحزب الشيوعي في أوكرانيا، وإزالة تمثال لينين من مدينة كييف.

إن الولايات المتحدة تعكس قوانين الرأسمالية والكولونيالية وقوانين الليبرالية الاقتصادية، أي قوانين التنافس الوحشي، وحرب الكل الغربي الإمبريالي الأمريكي وحلف الناتو ضد روسيا دون حد شرعي أو أخلاقي، واستمرار دعم الناتو والولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا بالسلاح بمليارات الدولارات، وزيادة الميزانيات العسكرية لدول الناتو بمليارات الدولارات، هي دليل واضح بأن هذه الدول هي أحجار شطرنج تحركها طبقة رأس المال. وهنا أذكر بأن انتخاب زيلنسكي لرئاسة أوكرانيا كان بعدما نجح بحملة انتخابية مدعومة من أصحاب رأس المال الأوليغارشيين في أوكرانيا وبدعم من الغرب الإمبريالي ومؤسسات ومنظمات اليمين النازي الغربي. وزيلنسكي هذا من أصول يهودية، قدم نفسه كرجل من الشعب، والمتحدث بعفوية الذي يصف نفسه لسخرية التاريخ "بالمهرج"، ومارس سياسة الارتماء في أحضان الغرب الإمبريالي، وخاصة الولايات المتحدة، هذه السياسة التي تبنتها أوكرانيا منذ عام 2014. وخلف الصورة البسيطة التي أظهرها زيلنسكي خلال حملته الانتخابية 20 عامًا من مهنة قوية في عالم الاستعراض والترفيه، جعلت منه رجل أعمال ناجح في مجاله، ويدير استوديو إنتاج كفارتال 95، وتقدر ثروته بملايين الدولارات، وهناك وسائل إعلام عديدة تعتبره دمية بيد الثري سيئ السمعة إيغور كولومويسكي.

ويقوم الغرب الإمبريالي بفرض حصار اقتصادي وسياسي وثقافي على روسيا، بينما يقوم الرئيس الأوكراني المهرج الدمية بيد الأوليغارش سيئ السمعة إيغور كولومويسكي والغرب بالادعاء أن إفريقيا رهينة الغزو الروسي لبلاده. لقد نسي هذا المهرج أن أمريكا اللاتينية وإفريقيا والعديد من دول آسيا رهينة الإمبريالية العالمية على مدى عقود وقرون.

إن الغرب الإمبريالي يسعى إلى تزويد القوات الأوكرانية بأحدث الأسلحة بهدف استمرار المواجهة مع روسيا لسنوات، ومن سيدفع ثمن ذلك هو الشعب الأوكراني، وكذلك الشعب الروسي، ومع أن روسيا تؤكد أنها لن تستعمل ولن تبادر لاستعمال السلاح الذري، إلا أن استمرار الحرب لسنوات يشكل خطرًا لحرب عالمية ثالثة قد تؤدي إلى استعمال السلاح النووي.

إن طبقة رأس المال ومؤسساتها الداعمة ماليًا من حركات مثل الماسونية والصهيونية والصهيونية المسيحية والأعراب مدعي الإيمان بالإسلام يعملون بشتى الوسائل من أجل إضعاف إدراك ومعنويات الطبقة العاملة وجماهير الشعب الواسعة والشعوب المضطهدة، فيكفي أن نذكر وصول الروسي بوريس يلتسين صنيعة جهاز الاستخبارات البريطاني شعبة الاستخبارات العسكرية M16-SIS إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي.

وكان بيلي جراهام قد قدم "الصلوات" مع الرئيس بوش قبل بدء الحرب على العراق، وهذه هي "صلاة" الثالوث العالمي الدنس -الإمبريالية والصهيونية وأنظمة الاستبداد الأعرابية- ضد الشعوب المضطهدة عالميًا وفي منطقة الشرق الأوسط، وضد الدور الإيجابي لروسيا والصين عالميًا، والذي يهدف إلى خلق عالم متعدد الأقطاب. بل يرى الغرب الإمبريالي، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، انتصار روسيا في حربها على النازية في أوكرانيا وبدعم استراتيجي من الصين خيبة بل كارثة لبريطانيا وللولايات المتحدة ولكل دول تحالف الشياطين – حلف الناتو.

 

الصين: كاريكاتير ساخر بعد تخلي حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة عن اوكرانيا

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب