news-details

الحَجر في سفينة نوح (كورونا)

مسرحيّة قصيرة من فصل واحد؛ مأساة
 

شخصيّات المسرحيّة:

ليلى: فتاة جميلة نحو الاربعين من عمرها

ورد: زوج ليلى نحو الستّين من عمره

سامر: عشيق ليلى، من أبناء جيلها، وسيم جدًا، تدعوه ليلى بقيس

رجل أمن بلباس وقائي من الوباء: مسؤول عن حجر مرضى الوباء

المكان: مقصورة ليلى وورد في سفينة نوح السياحيّة

 

//صورة 1

ليلى: أهذا ما قاله الطبيب! 

ورد: (يقلّب أوراق التقرير)...

ليلى: يا إلهي، كيف يحصل لنا أمر كهذا!

      أنا لا أصدّق..

      هل أنت متأكد مما تقرأه؟

ورد: (يضع النظّارات على عينيه، يُقلّب أوراق التقرير)...

ليلى: (تائهة، دون أن تنظر اليه) أنظر مرّة أخرى الى التقرير الطِّبِّي!

      ربما خطأ في الطباعة 

      ربما أسماء غير أسمائنا

     الق نظرة على أرقام الجوازات

     فقد يكون مجرّد تشابه بالأسماء

ورد: (يفتح باب المقصورة ويخرج)

ليلى: (تنهار وترتمي على السرير)

 

//صورة 2

(يقرع الباب عدّة مرات دون إجابة، يفتح الباب ويدخل سامر، يرتدي كمّامة وقفّازات، يقترب من ليلى، يحرّكها بيده)

ليلى: (تصحو، ترتعب، تصرخ)..

سامر: (يبتعد) لا تصرخي ليلى حبيبتي 

       هذا أنا سامر

       ماذا بكِ؟ لا تخافي

       هذا أنا حبيبتي

       أرتدي الكمّامة لئلا أنقل العدوى لك

       وكأنك صحوتِ من غيبوبة

       أو مغمًى عليكِ

       قرعت الباب بشدّة دون جواب منك

       فدخلت

ليلى: هل فقدت عقلك؟ كيف تأتي مقصورتي؟ ألا تخشى أن يفاجئنا ورد؟ اخرج 

       الآن.. أرجوك!

سامر: أنتِ تعلمين كم أنا مغرم بك، حدّ الجنون ليلى، أنا مجنون ليلى، لكن حفاظي

        عليكِ وعلى سمعتكِ تفوق أي اعتبار، ولكن.. (يصمت)

ليلى: ولكن ماذا؟ اخرج بسرعة، أصلًا ما كان عليك أن تتبعني في رحلتي مع

      زوجي على ذات السفينة! إمضِ.. قيس.. أرجوك (تبكي)

سامر: أوّاه قيس، ما اجملها منك، تذكّرني بطفولتنا، كم نادتني ليلاه به!

        أوتبكي حبيبتي ولا استطيع تجفيف دمعها وأنا على مرمى قبلة منها؟!

        (مشيرًا الى القفّازات والكمّامة)

ليلى: إمضِ سامر أرجوك أرجوك، أتوسّل إليك.

       إن فاجأنا وحصل لك أي مكروه لن أقوى على الحياة وحدي بعدك

       أرجوك إرحل..

سامر: رأيت ورد، يحمل جوازين للسفر بيدٍ، وتقريرًا مليئًا بأرقام يبدو أنها أوراق

        طبع عليها حساب بنك باليد الأخرى، وورقة أخرى عليها شارة التقرير

        الطبّي، كان قريبًا مني، راقبت كل التفاصيل.

        ففرحت لأني استنتجت بأنك لا تحملين هذا الفيروس اللئيم، 

         وها أنا ابتليت به

        وانتما ستغادران بسلام

        وها هو قد سبقك وترك السفينة

        قوّات الأمن تمنع أي شخص من المغادرة إلا إذا كان يحمل مع جواز سفره

        تقريرًا بنتيجة فحص سلبيّة، تثبت الخلو من الوباء، من الجائحة الرهيبة.  

        ولو لم أره يغادر السفينة لما تجرّأت على دخول غرفتك قبل أن تلحقي به

       وتغادريني!! لأبقى مع الموت المحتّم وحدي

       قلت أودّعك قبل أن تغادري!

 

//صورة 3

(صوت عالٍ يُسمع من سمّاعات مكبّر الصوت: على كلّ المتواجدين على متن سفينة نوح الإستماع إلى النداء الأخير. على كل المسافرين الذين يحملون تقريرًا طبيًا يثبت خلوّهم من الجائحة إظهاره أثناء مغادرتهم السفينة مرفقًا بجواز سفره، أما البقيّة، من ثبت حملهم للفيروس التزامهم بالبقاء في حجراتهم، سنزوّدكم بالطعام والأدوية، لحين تلقي أوامر جديدة، الأوامر التي تلقّتها قوّات الأمن واضحة، إطلاق النار على كل من يحاول مغادرة حجرته من المرضى).

 

يُسمع صوت صفّارة السفينة

 

//صورة 4 

ليلى: (نظراتها تائهة)..

سامر: ..

(يقرع الباب بشدّة فيقفزان خوفًا إلى الوراء)

(يفتح الباب رجل أمن، بلباس وقائي من الوباء أبيض اللون، مهدّدًا برشاشه)

رجل الأمن: إرجعا خطوتين إلى الوراء، أي محاولة للهرب سأطلق النار.

(يتراجعان إلى الخلف متباعدين)

رجل الأمن: (ممسكًا الرشّاش بيمناه ويضع رسالة بيسراه على الطاولة)

               إنها للسيّدة ليلى من زوجها ورد، طلب تسليمها لك وغادر.

(يخرج رجل الأمن ويغلق الباب خلفه)

 

//صورة 5

(تقترب ليلى ببطء من الطاولة وتلتقط الرسالة، تقرأ بصمت)

ليلى: (تصرخ) آآآآه يا ويلااااه

       ما الذي يحصل؟

(ترتجف يراها وتسقط الرسالة منها على الأرض، أثناء انسحابها الى الخلف)

(يقترب سامر من الرسالة، ينحني، يلتقطها عن الأرض، ويقرأ بصوت عالٍ)

 

سامر: "ليلى

         لقد غادرت

                    ورد"

ليلى: (لا تزال مصدومة)

       هل مرضت وحدي بهذا الوباء وهو سليم

       فغادر حتّى دون أن ينبس ببنت شفة

       وحتّى دون أن تدمع عيناه!

       أنا لا أصدّق

      ماذا دهانا!

      عشرون عامًا من الزواج وهكذا

     بلمح البصر

     وكأن شيئًا لم يكن!

سامر: حقير

        خسيس

        أنا أعشقك، فضّلته عليّ واستسلمت لضغوطات..

ليلى: (تقاطعه) الموت بفتحة بابنا

       لا تلم ظروفي، لا تلمني

       إنها مأساتي الشخصيّة

       إنها مأساتك.. أعلم

       وربما لو تزوجنا لما دام حبّنا

       وقد تكون مأساة ورد من حيث لا نعلم

       ثم أني بقيت وفيّة لك خاشعة لطلباتك المجنونة متى شئتني!

       (برهة صمت) أوتعتقد بأنه يعلم؟

سامر: (يخلع الكمّامة والقفّازات) لا أظن هذا

        إنّه أناني، كالدول، لا يفقه سوى لعبة مصالحه 

       ها هو ترككِ

       لو كنت مكانه لبقيت معك حتّى الممات

ليلى: لو كنتَ مكانه؟!

       كيف نعلم كيف يتصرّف كلّ منا لو كان مكانه؟

      لقد اجتاح الوباء كلينا

      ألربما نحن في وضعيّة: "مُلزمٌ أخاكَ لا بَطل".

(صوت صفّارة السفينة عاليًا، يرتعدان خوفًا، يركضان نحو بعضهما، يتعانقان، يتبادلا القبل، تخفت الإضاءة حتّى تُظلم نهائيًا)

 

//صورة 6

(صوت صفّارة السفينة عاليًا من جديد، صوت من المكبّرات يصدح عاليًا)

صوت: افتحوا أبواب المقصورة، وابتعدوا الى الداخل، سنجلب لكم الطعام

(يعلو الضوء رويدًا رويدًا، ليلى وسامر ينهضان ببطء من السرير، ليلى تغطي جسدها بشرشف السرير، تخطو حافية، تتجه نحو حجرة الحمّام)

ليلى: افتح الباب قيس، أنا داخلة لأستحم، إنه اليوم الأوّل، من يُعلمنا كم تبقّى لنا

       لنحيا حتّى يقتلنا الوباء.. أأيّام معدودة؟!

(تدخل الحمّام)

سامر: المهم أن نحياهم معًا.

(يخطو سامر نحو الباب، ببنطال قصير، شبه عارٍ، يفتح الباب ويخطو الى الخلف)

رجل الأمن: (بنفس لباسه السابق، يجهّز رشّاشه للإطلاق، يدفع عربة الطعام بقدمه

                إلى الداخل، في وسطها باقة ورد في مزهريّة) الإفطار.. (ينسحب)

 

(تخرج ليلى من الحمّام تلبس الروب لافّة منشفة على رأسها المبلول)

(مكبرات الصوت: أغلقوا الأبواب من الداخل، الدواء يصلكم مع وجبة الغداء، إن وصل!، ممنوع الخروج من المقصورة، نذكّركم أن هنالك أوامر بإطلاق النار).

 

//صورة 7

(يجلس سامر على ذات المقعد الذي جلس عليه ورد في بداية المسرحيّة)

سامر: ما هذه الكتب التي على الرفّ أمامك أعطني واحدًا لئلا أموت وأنا أفكّر

        بالموت قبل حضور مَلَك الموت.

ليلى: يوجد كتابان على الرّف، كتاب دين يحمله معه ورد اينما ذهب، إلّا البارحة

      حين تركنا! وديوان مجنون ليلى الذي أهديتني إيّاه قبل زواجي، أحمله معي

      أينما ذهبت.

سامر: وهل ترك لنا الحب في ظلّ الجائحة خَيَار؟!

        أعطِ ما لقيس لقيس!

       أعطني ديوان المجنون

       أعطني ديواني

ليلى: إليك به، تفضّل. (تناوله الكتاب)

سامر: (يتناول الكتاب، يفتحه على الصفحة حيث الوقة المطويّة فيها)

        الله الله، هذا ما كنت أبحث عنه، الأبيات التي خططتُ تحتها حين

        أهديتك إيّاه، الآن فقط زال الشّك لديّ بانك ما زلتِ تحبّيني كما في السابق.

(يعطي الورقة المطويّة لليلى ويقرأ من الديوان)


 

أَلَا   قَاتَلَ   اللهُ الحَمَامَةَ    غُدْوَةً

على الغُصْنِ مَاذَا هَيَّجَتْ حٍيْنَ غَنَّتِ

 

تَغَنَّتْ   بِلَحْنٍ أَعْجَمِيٍّ   فَهَيَّجَتْ

هَوَايَ  الَّذي بَيْنَ الضُّلُوْعِ  أَجَنَّتِ

 

(يخفت صوته، وأثناء قراءته تفتح ليلى الورقة التي استُعْمِلَت كعلامة للقصيدة في الكتاب وتقرأها..)

ليلى: (تصرخ) يا إلهي هذه ليست الورقة التي وضعتها علامة على القصيدة.

       يا ويلاه ماذا فعلت بحالي!

       (تنادي) ورد ورد

       سامر: (يقرأ بصوتٍ خافت متقوقعًا في ذاته لا يسمعها)..

      ليلى: يا ويلاه ماذا فعلت بحالي!!

سامر: (يرتفع صوته تدريجيًّا إثناء القراءة) 

خَفَتْ شَجَنًا مِنْ شَجْوِنَا ثُمَّ أَعْوَلَتْ

كَإِعْوَالِ  ثَكْلَى أُثْكِلَتْ  ثُمَّ حَنَّتْ       

ليلى: لقد استبدل ورد الورقة التي في الكتاب ووضع مكانها تقريري الطِبِّي

       غادرني وهو يعلم أنّي كنت معافاة..

       كان يدري كلّ الوقت بعلاقتنا

       هل اخترنا الكتاب الخطأ؟!!

       هل انقلبت الآية فيمن يبقى على سفينة نوح ومن يغادرها!

       رحل وتركني أُضاجعك وأنا لست مريضة حتَّى أُعدَى منك

      قرَّر إعدامي بهذه الطريقة..

      إنَّه يعشقني إنَّه يعشقني

      قِمَّة العِشْقِ قَتْلَ المَعْشُوقِ

       قِمَّة العِشْقِ قَتْلَ المَعْشُوقِ

      قِمَّة العِشْقِ قَتْلَ المَعْشُوقِ

      قِمَّة العِشْقِ قَتْلَ المَعْشُوقِ

(تتناول باقة الزهور عن عربة الطعام، تفتح الباب وتخرج)

صوت يصرخ عبر المكبّرات: أيَّتها السيّدة عودي إلى مقصورتك

                                  أيَّتها السيّدة عودي إلى غرفتك

                                  نحذِّركِ، أنتِ تشكّلين خطرًا على الآخرين

                                  آخر إنذار، عودي إلى المقصورة

                                  أطلقوا النار، أطلقوا النار

(يُسمع صوت صِلْيَة الرشَّاش بقوّة)

سامر: (متذوِّتًا في حالته العاطفيّة، لا يشعر بما يجري حوله، يرتفع صوته تدريجيًّا أثناء القراءة، ويخفت الضوء تدريجيًّا حتّى الإظلام) 

حَلَفْتُ  لَهَا باللهِ  مَا حَلَّ بَعْدَهَا

ولَا  قَبْلَهَا  أُنْسِيَّةٌ  حَيْثُ حَلَّتِ

 

18.3.2020

(إنتهت)

 



 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب