news-details

الفرح في قصيدة "حوارة" للشاعر عبد الناصر صالح| رائد محمد الحواري

"حَوّارَة"

استبْشِري بالعُرْسِ يا جارَةْ

في الحيِّ والحارَةْ..

وتَزَيّني بالثّوْبِ أبيضَ

قادِمٌ وَعْدُ العريسِ

على ذُؤابتِهِ البِشارَةْ..

إن أحرَقوا الطرقاتِ

أو هَدَموا البُيوتَ

فسوفَ تنعمُ بالنّضارَةْ..

أنتِ البلاغةُ في صَدارَتِها

وانتِ نُبوغُها

والإستِعارَةْ..

غدُكِ الذي غَزَلَ الأماني كُلَّها

غَزَلَ الجَسارَةْ

وَشْماً على عُنُقِ المَحارَةْ..

فاستَبْشِري بالعُرْسِ

قد بَزَغَتْ مع الفجرِ الأمارَةْ..

والعينُ بالأشْواقِ أمّارَةْ

والطِّفلُ يعزِفُ لحنَهُ عِشقاً

فيلتَقِطُ الإشارَةْ..

عَلَماً يُرَفرِفُ في سَمائِكِ

ثم تَنْهَمِرُ الحِجارةْ

فتزيّني للعرسِ

وانتَفِضي

لتنتَفِضَ العِبارَةْ..

وبراثِنُ المستوطنينَ تعودُ بالخَيْباتِ مُنْهارَةْ

صفّارةُ الإنذارِ عندَ عُلوجِهِمْ

رَضَخَتْ

لتعلِنَ ألفَ غارَةْ..

كَذَبَتْ إذاعَتُهُمْ

كما كَذَبَتْ بياناتُ " الإدارَةْ "

حَوّارةٌ تأتي إلى المَيْدانِ وارِفَةً

فترْتَفِعُ السّتارَةْ..

حَوّارَةٌ تأتي بِأوسِمَةِ الجَدارَةْ..

والنَّصرُ وقّعَ في صَحيفَتِها قَرارَةْ..

والماجِداتُ على خُطى الجَدّاتِ

والعَمّاتِ

والخالاتِ

نِعْمَ المُستشارُ والاستِشارةْ..

سُبُلُ التّلاحُمِ فيكِ أرْبَكَتِ " الوزارَةْ "

فتَزَيّني بالوعْدِ

إنّ العشقَ ينبضُ ساخناً

والعاشِقاتُ حَفِظْنَ أسرارَةْ..

" وكَريمَةٌ " تسعى إلى " سارَةْ "

"وفداءُ" تحمي بيتَ "نَوّارَةْ "

هذي انتفاضَتُنا إذَنْ

تمتَدُّ في السّاحاتِ هَدّارَةْ..

ودماؤُنا

أغصانُ كَرْمَتِنا أمام الدّارِ

ما ذهَبَتْ خسارَةْ..

فتزيّني بالعرسِ

وانتَفِضي

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ..

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ..

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ..

طولكرم / فلسطين

30/30/2023م

****

 

الكاتب ينحاز/يتأثر بواقعه، بالمكان الذي هو فيه، ما يجرى ويجري في بلدة حوارة يستحق التوقف عنده، فالاحتلال يعمل بصورة ممنهجة على (محو/ إزالة) حوارة من خلال وضع المزيد من الحواجز والجنود في البلدة حتى بدت  ثكنة عسكرية وليست بلدة مدينة، هذا ما يراه كل من يعيش فيها أو يمر بها.

الشاعر الفلسطيني عبد الناصر صالح كتب قصيدة "حوارة" وتحدث فيها عما يراه كشاعر في هذه البلدة، يفتتح القصيدة بقوله:

 

استبْشِري بالعُرْسِ يا جارَةْ"

في الحيِّ والحارَةْ..

وتَزَيّني بالثّوْبِ أبيضَ

قادِمٌ وَعْدُ العريسِ

على ذُؤابتِهِ البِشارَةْ"

نلاحظ الفاتحة البياض التي بدأ بها القصيدة، "استبشري، وتزيني، بالثوب، الأبيض، العريس، ذوابته، البشارة" وهذا ما يجعل فكرة القصيدة اقرب إلى الفرح والبهجة،

هذا على صعيد الفكرة، أم على صعيد الألفاظ فنجد أن الشاعر يتماهي مع "حوارة" حتى أنه استخدم ألفاظا قريبة منها: "الحي، حارة" وإذا علمنا ان ترتيب الحروف العربي (ألف باء) يأتي حرفي الحاء والجيم متتالين نصل إلى الغنائية التي تحملها ألفاظ وفاتحة القصيدة، وهذا يأخذنا إلى العرس الذي تناوله الشاعر: "بالعرس، وازيني، العريس" كل هذا يجعلنا نقول أن الشاعر متوحد مع فكرة/مكان/حدث القصيدة، وهو لم يكتب القصيدة وإنما القصيدة هي من كتبته.

بعدها ينقلنا إلى ما جرى في حوارة من أحداث إجرامية:

 

إن أحرَقوا الطرقاتِ"

أو هَدَموا البُيوتَ

فسوفَ تنعمُ بالنّضارَةْ..

أنتِ البلاغةُ في صَدارَتِها

وانتِ نُبوغُها

والإستِعارَةْ..

غدُكِ الذي غَزَلَ الأماني كُلَّها

غَزَلَ الجَسارَةْ

وَشْماً على عُنُقِ المَحارَةْ"

نلاحظ أن الشاعر يهمل ذكر (من أحرقوها) وذلك تأكيد لاستنكاره لهم، فهو من خلال عدم ذكرهم يبدي امتعاضه وسخطه وغضبه لهذا تجنب ذكرهم، والجميل في هذا المقطع أننا نجد الأفعال الإجرامية: "أحرقوا، هدموا" فرغم هول ما جرى، إلا أن الشاعر يكتفي بهاذين الفعلين فقط، بينما نجده يكثر من الوصف الأبيض والبهي: "تنعم، بالنضارة، البلاغة، صدارتها، نبوغها، والإستعارة، غدك، غزل (مكرر)، الأماني، الجسارة" فمن خلال الألفاظ المجرد نجد أن هناك حالة بيضاء/فرح تنتصر على من: "أحرقوا، هدموا" فكثرة البياض تتجاوز وتتفوق على السواد الذي حصل فيها.

القصيدة الجميلة هي التي تحافظ على وحدتها/فكرتها، وبما أن الفاتحة تحدث عن ة(عرس) فكان لا بد من متابعة تفاصيله وما فيه من بهجة وفرح:

فاستَبْشِري بالعُرْسِ"

قد بَزَغَتْ مع الفجرِ الأمارَة

والعينُ بالأشْواقِ أمّارَةْ

والطِّفلُ يعزِفُ لحنَهُ عِشقاً

فيلتَقِطُ الإشارَةْ"

رغم بياض الفكرة إلا أن بياض الألفاظ "فاستبشري، بالعرس، بزغت، الفجر، الأمارة (مكررة) العين، بالأشواق، الطفل، يعزف، لحنه، عشقا، الإشارة" أضاف جمالية إليها، مما جعل الفكرة تصل من خلال المعنى ومن خلال الألفاظ المجرة، وما يحسب للشاعر المحافظة على غنائية القصيدة التي تتوافق/تتماثل مع "العرس"، فتكرار "الأمارة" وتقارب لفظ "الأمارة، الإشارة" خدم فكرة العرس، وأيضا استمر محافظا على حالة الفرح التي يجدها المتلقي من خلال إلقاء/سماع/قراءة القصيدة.

مرة أخرى يأخذنا الشاعر إلى أرض الواقع إلى (حرب الأعلام) التي جرت في حوارة، يقول:

"عَلَماً يُرَفرِفُ في سَمائِكِ

ثم تَنْهَمِرُ الحِجارةْ

فتزيّني للعرسِ

وانتَفِضي

لتنتَفِضَ العِبارَةْ..

وبراثِنُ المستوطنينَ تعودُ بالخَيْباتِ مُنْهارَةْ

صفّارةُ الإنذارِ عندَ عُلوجِهِمْ

رَضَخَتْ

لتعلِنَ ألفَ غارَةْ..

كَذَبَتْ إذاعَتُهُمْ

كما كَذَبَتْ بياناتُ " الإدارَةْ""

أن يبدأ المقطع بألفاظ بيضاء: "علما يرفرف في سمائك" فهذا يخدم فكرة الفرح التي يشعر/يحس/يراها/يجدها الشاعر، ويخدم وحدة القصيدة التي تتحدث عن (عرس)، لكن هو يتناول بلدة تتعرض لاعتداء همجي، فكان لا بد من تناول ما جري بشيء من التفاصيل، من هنا نجده يعرفنا على ما جري بصورة شعرية، حيث يذكر بالاسم "المستوطنين" وما هو حالهم: "تعود بالخيبات منهارة" وهنا قد يسأل سائل: لماذا لم يذكرهم في فاتحة القصيدة وذكرهم هنا؟ وهل لهذا الأمر مبرر؟، نجيب: في الحالة الأولى تم الحديث عن أفعالهم الإجرامية "حرقوا، هدموا" لهذا كان عدم ذكرهم يدينهم، بينما في الحالة الثانية يصف حالهم وما هم فيه من هزيمة وخذلان، فجاءت تسميتهم لتؤكد الحالة البائسة التي هم فيها: "تعود بالخيبات منهارة، رضخت، كذبت إذاعتهم/بيانات الإدارة".

وإذا عندنا إلى الألفاظ سنجد أن العديد منها أسود/قاسي لكنه متعلق بالعدو: "براثين، بالخيبات، منهارة، الإنذار، علوجهم، رضخت، كذبت (مكررة)،   وهذا ما ينعكس إيجابيا على المتلقي.

وننوه إلى جمالية المقطع الذي استخدم "يرفرف" حيث تكرر حرفي والراء والفاء حتى بدا للقارئ وكأنه يرى/يشاهد رفرفة العلم في السماء من خلال تكرارهما.

"حَوّارةٌ تأتي إلى المَيْدانِ وارِفَةً

فترْتَفِعُ السّتارَةْ..

حَوّارَةٌ تأتي بِأوسِمَةِ الجَدارَةْ..

والنَّصرُ وقّعَ في صَحيفَتِها قَرارَةْ..

والماجِداتُ على خُطى الجَدّاتِ

والعَمّاتِ

والخالاتِ

نِعْمَ المُستشارُ والاستِشارةْ..

سُبُلُ التّلاحُمِ فيكِ أرْبَكَتِ " الوزارَةْ "

فتَزَيّني بالوعْدِ

إنّ العشقَ ينبضُ ساخناً

والعاشِقاتُ حَفِظْنَ أسرارَةْ"

اللافت في هذا المقطع أنه يتحدث عن (عرس) بصورة غير مباشرة ، فمن خلال تجميع الأهل والأصدقاء: "الماجدات، الجدات، العمات، الخالات" نستطع القول أن العرس الذي جاء في الفاتحة ما زال قائما، لهذا نجد ألفاظ:

"فترتفع، بأوسمة، فتزيني، العشق، العاشقات، ينبض، ساخنا" ونجد أن هناك وحدة جامعة لهذا المقطع تتمثل في التكتل/"التلاحم" الإنساني/الاجتماعي: الماجدات، العمات، الجدات، الخالات" لتحقيق فعل النصر: "أربكت الوزارة" وهذا ما جعل حورة "تأتي بأوسمة النصر".

 

ونلاحظ أن الشاعر يتماهى مع "حوارة" من خلال هذا المقطع:

" وكَريمَةٌ " تسعى إلى " سارَةْ "

"وفداءُ" تحمي بيتَ "نَوّارَةْ "

هذي انتفاضَتُنا إذَنْ

تمتَدُّ في السّاحاتِ هَدّارَةْ..

ودماؤُنا

أغصانُ كَرْمَتِنا أمام الدّارِ

ما ذهَبَتْ خسارَةْ..

فتزيّني بالعرسِ

وانتَفِضي

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ..

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ..

كلُّ الجُموعِ فِداكِ حَوّارَةْ"

فاستخدام الشاعر لأسماء مؤنثة: "كريمة، نوارة، فداء" ووصف ما يجري فيها "هدارة" وتكراره لفظ "حوارة" ثلاث مرات يجعلنا نتأكد أن هناك حالة تماهي/تجلى بين الشاعر وحوارة.

ومع هذا التماهي/الحلول في حوارة إلا أنه بقى محافظا على وحدة موضوع القصيدة، "العرس" من خلال: "كريمة، الساحات، هدارة، فتزيني، بالعرس" هكذا يرى الشاعر "عبد الناصر صالح" ما جرى في حوارة.

نابلس

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب