news-details

الفنّان الفلسطيني المغترب نبيل فهيم مبدا شحادة يفتح قلبه لجمهوره ومحبّيه| حوار وتقرير: د. رندة زريق-صباغ

بعد نصف قرن من الغناء، العزف والتّلحين وفي عيد ميلاده الخامس والسّتين، الفنّان الفلسطيني المغترب نبيل فهيم مبدا شحادة يفتح قلبه لجمهوره ومحبّيه

يكفي أن تلتقيه مرة لتدرك أنك أمام انسان مرهف وصادق، فنان مبدع وحقيقي، ما تلبث أن تدرك أنه رجل مؤمن جداً يكره الكذب والغش، يقف مع الحق دائماً مهما كلف الثمن. رجل مسالم يحب عمل الخير ويساعد المحتاجين متعمق في الدين والدنيا يقرا الانجيل المقدّس ويستمع الى القرآن الكريم وخصوصاً من الشيخ عبد الباسط ويؤمن بان الدين لله والوطن للجميع.

يستمع الى موسيقا الشعوب ويقدر ويعشق الفن الاصيل ويحترم ويقدر الفنانين ويشجع المواهب الصاعدة. ويتمنى الخير للجميع.

أربعة عقود من الغربة كان لها أثر بليغ على حياته لكنّها لم تغيّر مبادئه الفطرية.

 

الطفولة والمنشأ    

   ولد نبيل في 13/12/1955 في مدينة الناصرة وتحديداً حارة المشرقي، كانت ولادته معقّدة وخطيرة جداً، لكنّ خبرة جدّته لأبيه نظيرة أم فايز الطبيبة الشّعبيّة والدّاية الحكيمة حالت دون حدوث كارثة وكتب للطفل أن يرى النور ولأمّه حياة جديدة بفضل الجدة ومشيئة الرّب. ترعرع نبيل في أسرة متوسطة الحال تكوّنت من سبعة أولاد وبنتين، تمتّع والده بصوت شجي عذب، أحب الغناء والطّرب فانتقلت الموهبة لمعظم أولاده وعلى رأسهم نبيل صاحب الحنجرة المخمليّة والصوت الحنون الشّجي الذي جال به البلاد ومدن الاغتراب.

  تنقّل نبيل وعائلته بين الناصرة، يافة الناصرة وشفاعمرو حيث عاشوا خمس سنوات قرب دار جدّه لأمه من عائلة جمّال يقول إنها فترة جميلة في حياتهم كعائلة، يذكر أن ستر الله قد أنقذه للمرة الثانية من موت محتّم تحت عجلات سيارة، يتساءل نبيل إن كان ذلك صدفة أيضاً أم أنه بالفعل كتب له عمر جديد وحياة جديدة؟

بعد سنوات خمس انتقلت الأسرة للعيش في بيت الجد أبي فايز في يافة الناصرة وهناك بدأت اّذان نبيل الطفل تتشنف بسماع الموسيقى والأغنيات ليدرك ولعه بالطرب والغناء خاصة ناظم الغزالي الذي كان يستمع إليه بصحبة والده وبعض الأصدقاء.

 

الأستاذ مارون أشقر

كانت الألحان تسحر نبيل وترتقي بروحه وبات يردّد الأغنيات عن ظهر قلب بشغف وفرح كبيرين، طالما ذهب لدار الجيران ليستمع للأغاني من خلال المذياع والتصق بالفرقة الموسيقية كلما كان عرس في الحارة فتعلم أصول الغناء لشدة ولعه بالمجال.

  بدأت موهبة نبيل تظهر وتنمو ليعجب به كل من سمعه وبدأ يغنّي في المدرسة أمام زملائه، خلال إحدى حصص الموسيقى عزف الأستاذ (مارون الأشقر) على الكمان فسارع أحد الطلاب قائلاً: أستاذ، نبيل يجيد الغناء وصوته جميل جداً. فناداه الأستاذ وطلب أن يغنّي ما يعرفه، وما أن صدحت حنجرة نبيل بأغنية (قدّك الميّاس) حتى تفاجأ الأشقر من هذه الموهبة الفذة ونصحه بتعلّم العزف على العود لدى صديقه (علي زيود) والد الفنان مأمون المشهور بغنائه المتقن لفريد الأطرش، ويذكر أنه نفس الأستاذ الفنان الذي تتلمذ على يديه العازف (الياس قسّيس) وهكذا بدأت موهبة نبيل بالتّطور مضاف اليها العزف المتقن على العود، ويقول إن والده ووالدته شجّعاه على ذلك رغم ضيق الحال وشظف العيش. معلّمه علي زيود اصطحب الفتى المبدع معه في كل حفلاته لينبهر الجمهور بهذه الموهبة النادرة، ولطالما رافقه عازف الكمان الفنان (منير جبران) وأمكن أن يكونوا ثلاثياً مميزاً لو لم تتغيّر الظروف فيضطر نبيل للهجرة.

وتجدر الاشارة الى أنه من عائلة فنية، جده، والده، عمّه، الياس ابن عمّه، خاله وطبعاً ثلاثة من أخوته وهم (جورج، بن يامين وميلاد) الذين يحيون الحفلات والسهرات الطربية الأصيلة. يستمع لأغاني وموسيقى الشعوب معتبراً اياها ثقافة وهواية في اّن معاً كما يستمع ويغني لكافة الفنانين والمطربين ملبياً أذواق الجمهور في السهرات والمناسبات، ويسعى دوماً لتشجيع وتقديم المواهب الشابة في الاغتراب ويساعدهم لفتح الأبواب أمامهم.

وقد كان له دور كبير في احياء أغاني التراث والقدود الحلبيّة والموشّحات الأندلسيّة التي أعاد لها رونقها ومكانتها كما شارك معظم الفنانين في احياء الحفلات في الناصرة وقد اعجب الفنان (موشيه الياهو) بصوت نبيل إثر حفلة مشتركة قدّماها سوياً عام 1972 في الناصرة، ومنذ ذلك الحين أصبح يغني في الاذاعة والتلفزيون وبات الصبي فناناً مشهوراً في البلاد دعي لإحياء حفلات أهم النوادي في الناصرة بتلك الفترة مثل الروتاري والنادي الأرثودوكسي وYMCA، رغم حاجته الماسة للعمل والمال فقد قدم نبيل شحادة معظم هذه الحفلات مجاناً بلا مقابل لأنه رغب بكسب الخبرة والشهرة أولاً ولأنه قنوع متواضع وكريم النفس كان همّه الأكبر ادخال الفرح والمتعة للناس وجمهور الحفلات.

  يقول نبيل إن تعلّم وامتهان الموسيقى غيرت حياته وطباعه للأجمل وتحوّل لإنسان اّخر بفضل هذا العالم وبفضل أساتذته وكل من اّمن بموهبته، فقد أحذته الموسيقى لعوالم سحرية فهذبت نفسه وارتقت بروحه، يعتبر نبيل أن الموسيقى أمر مقدّس في حياته وهو يشجّع الأهالي جميعاً ليعلموا أولادهم الموسيقى والفنون على أنواعها لتقوي شخصياتهم وترفع معنوياتهم وتزيد ثقة الأولاد بأنفسهم.

 

تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن

ما كاد نجم الفنان نبيل شحادة يسطع في سماء الفن والشهرة مبشّراً بميلاد مطرب مميّز قدير حتى اضطرته ظروف عائلية قاسية للهجرة الى كندا في ليلة وضحاها، وكانت كندا هي عنوان هجرته الاضطراريّة على أمل العودة قريباً، لكن الظروف شاءت غير ذلك ليستقر نبيل شحادة في كندا حيث خالته (كلير طوبيا) تقيم هناك فاستقبلته وفتحت له بيتها وقلبها، تعرّف على صبية من عائلة نصراويّة كريمة مغتربة هناك (نورما جورج سكران) ذات الحس الفني عاشقة الفن والعزف كما الغناء ليتزوجا ويرزقا بجورجيت وإميل (على اسم المرحوم أخيه الشاب الذي قتل غدراً في واقعة أليمة صيف عام 1977، ترك البلاد والعباد على إثرها الى ما خلف البحار، وقد كانت اّخر حفلة له في البلاد ذلك العام في عكا وهي ذكرى لا ولن ينساها مدى العمر.

 

الحنين لفلسطين

  الغربة صعبة وقاسية خاصة على فنان مرهف الحس يربطه الحنين لفلسطين بترابها وهوائها كما بمائها وأهلها، يقول نبيل طالما ذرفت الدموع كلما غنّيت

(يا حنيّنة) التي تذكّرني بعمّتي الحنونة الغالية (فايزة أم شوقي) حيث كنت أتردد الى بيتها وألعب مع أولادها خاصة فرج ووجيه وكم ركضنا فرحين بالوادي القريب لا ندرك قساوة الحياة وناسها ولا نعرف ما يخبئه المستقبل. وهكذا كانت أول أغنية كتبتها ولحنتها في الغربة:

قلبي ما بنسى الماضي                   طول عمري بالي هادي

لما بكون السلام                     أجمل بلاد ابلادي

كنا نلعب في الوادي                   ونسمع الطير الشادي

ما أحلي ذكرى الايام                  والواحد بالو هادي

انا راضي مهما يطول العمر            ونفسي افرح بولادي

 يا رب اسمعني يا رب               وحميلي كل اولادي

              وحميلي كل اولادي

عمر هذه الأغنية التي لاقت قبولاً كبيراً من الجمهور وخاصة المغتربين 41 عاماً ولا زال الناس يستمعون إليها عبر اليوتيوب مراراً وتكراراً، بعدها بدأت رحلة نبيل شحادة العريضة الطويلة في مجال التأليف والتلحين اضافة الى العزف والغناء، ومعظمها أغنيات تصف شوقه وحنينه للأهل والأقارب وللأيام الخوالي.

 

نقطة تحوّل

   "كانت الغربة قاسية علي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وايضا من الناحية الفنية والعملية في البداية لكنها سرعان ما تحنّنت عليّ وتحسّنت الأحوال بعد الاستقرار، كان أن التقيت بمقدم برامج فلسطيني من حيفا استضافني في برنامجه التلفزيوني في تورنتو وقدمت وصلة غنائية لجمهور المشاهدين المغتربين وكانت أغنية (نعنع يا نعنع) أكثر الأغنيات التي أحبَّها المشاهدون وهكذا بدأوا بدعوتي لإحياء أعراسهم وحفلاتهم كما بدأت بالغناء في النوادي والمطاعم فأصبحت مشهوراً في تورنتو بالذات وأذيعت أغنياتي مرارا في التلفزيون والراديو وسطع نجمي مرة أخرى بتوفيق الله الذي عوّضني عما خسرته في السنوات الماضية، وقد أحييت الحفلات لمعظم الجاليات في كندا وليس العربية فقط بل التركية واليونانية كما الهندية واليهودية وغيرها، فإن معرفتي بثقافة وأغنيات الشعوب ساعدتني في ذلك كثيراً. سرعان ما وقفت على أهم المسارح مع كبار المطربين العرب السوريين والمصريين، اللبنانيين والعراقيين، وهكذا عرفت بالفنان الفلسطيني النصراوي الأصيل، ولي الشرف الكبير بأني أحمل راية الناصرة وأمثل فلسطين في المهجر بمسئولية ووعي كبيرين. وقفت على أكبر المسارح مع أهم الفنانين العرب وعلى رأسهم القدير (صباح فخري وديع الصافي، ملحم بركات، جورج وسوف، شادي جميل) وغيرهم ممن أفتخر بوقوفي لجانبهم واستضافتهم في بيتي".

 

الانطلاق نحو أغان خاصة

  بعد أن رسخت جذوره كفنان أصيل بدأت موهبته في كتابة الكلمات والتلحين تتجلّى تحديداً عام 1979 ليقرّر انطلاقة جديدة خاصة به، كان الشوق والحنين للوطن والأهل بوصلته، مما نتج عنه أغان وألحان جميلة ومعبّرة بلغ عددها حتى اليوم 85 أغنية ولحناً إضافة لعشرات المواويل التي صدح بها معبّراً عن مشاعر المغتربين العرب والفلسطينيين تحديداً الذين اعتبروه شادياً بحسهم وأفكارهم.

 تجدر الاشارة إلى أن أول موشح خاص به كان من كلمات موشيه الياهو وقد تم تسجيله عام 1974 في استديو هات هرتسليا.

"أهم شعراء وكتاب الأغاني الذين تعاملت معهم الشاعر النصراوي

 (جريس خليل عيد) صديق الصبا والأيام الحلوة الذي لحّنت وغنّيت من كلماته: - "طير الهوى" – "ما تسألني" – "بلاني الدهر".

كلمات الشاعر الموهوب بديع خليف والحان يوسف الاطرش طيب الذكر

 "ويل قلبي يا ويل قلبي".

كلمات الاستاذ نقولا مسعد "يا سمره يلي قبالي"

كما تعاملت مع الشاعر النصراوي احمد الجبعي

ومن كلمات ماجد عدوان غنّيت ولحّنت "الله معك" وهي أغنية جميلة".

وصلت شهرة نبيل شحادة الى سوريا حيث تعامل مع الشاعر الحلبي

 مصطفى طلاس بواحدة من أجمل قصائده "صباح الورد".

أما قائمة الأغاني من تأليفه وتلحينه فطويلة لا مجال لذكرها، ونشير الى أن معظم أغنياته الخاصة وغيرها موجودة على قناة يوتيوب.

صباح فخري: -

"اشهدوا يا جماعة، إنه ابني، خليفتي وحافظ إرثي الفني"

عشق نبيل شحادة وأتقن أغنيات الأستاذ صباح فخري منذ الصغر وأبدع فيها حد الوجع، وكان أن منحته الظروف فرصة اللقاء والوقوف على المسارح مع من اعتبره قدوة وحلماً فنيّاً، ساهم نبيل في التحضير والتسويق لحفل كبير للأستاذ صباح في تورنتو وطبعا فقد شاركه الغناء والعزف مع الفرقة والكورال الذي كان (نور مهنا) أحد أعضائه حينها وقبل أن يصبح مطرباً مشهوراً. كان أداؤه متقناً لدرجة أذهلت القدير صباح فخري فطلب منه المشاركة أيضًا في سهرة لنخبة من متذوقي الطرب الأصيل، رافقه خلالها عازف الكمان الشهير ياسين العاشق مع عازف الرق من فرقة الأستاذ صباح فخري.

 

"اذكر باني بدأت بموال (فتّح بخدك ورود شكال ولواني) وما أن انهيت الموال حتى كرّمني الأستاذ صباح بقبلة في جبيني وقال للموجودين: -

 "سمعتم؟ هذا هو ابني وخليفتي وهو حافظ إرثي الفنّي". كان هذا الموقف من أهم وأعظم مواقف حياتي الجميلة وهو رأي أفتخر به وأعتز طيلة حياتي، ثم طلب مني اغنية (قدّك الميّاس) وقد تمايلنا جميعاً راقصين من الطّرب والفرح".

   وهكذا بدأت مرحلة هامة من الإبداع والفن الجميل، لكن طبعاً ظروفه الأسريّة في حينه لم تسمح له بالتجوال طيلة الوقت لإحياء الحفلات والمشاركة بالمهرجانات، في حين بقيت علاقات المودة والاحترام قائمة مع الأستاذ صباح فخري وعائلته.

 نبيل فهيم مبدا شحادة، الذي ظلمته الظروف العائلية في الوطن ولم يأخذ حقّه كما يجب، منحته الغربة الفرص ليسطع نجمه بقدر ليس كافياً هو الاّخر، لكن شيئاً لم ولن يحدّ من شغفه الكبير بالموسيقى وهي لغة روحه حيث أضاف للغناء والتلحين الكتابة، العزف على العود، القانون والرق كما الطبلة والبيانو، إضافة لقدرته على تصليح كل الآلات الموسيقيّة الوتريّة بحرفيّة.

 " أحب الرسم خاصة بأوقات الفراغ، أنجزت 65 لوحة زيتية، كما أعشق وأمارس الصيد على أنواعه في البر والبحر، أعشق الشعر والادب، الزجل، الغزل وأعتبر المطالعة نافذة أطلّ من خلالها على ثقافات وابداعات الشعوب، تستهويني كل مجالات الفن والابداع ما عدا الرّقص فأنا لا أجيده".

 

رسالة عبر البحار

 " في نهاية اللقاء أرسل محبتي لأهلي وأحبابي في الوطن، أرسل تحياتي لأبناء فلسطين فرداً فرداً، ونصيحتي لكل موهوب باستثمار موهبته وتطويرها مهما كانت الظروف، فالموهبة أكليل من النعمة الالهية على الرأس، وأتمنى أن يشجع كل أب وأم أطفالهم على تعلّم الموسيقى والفنون بأنواعها لترتقي نفوسهم وتصقل شخصياتهم ويصبح كل منهم إنساناً أفضل لنفسه ولمجتمعه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب